قبل ما يقرب من 6 شهور على استضافة الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP-27)، أطلقت مصر هذا الأسبوع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، خلال احتفالية نظمتها وزارة البيئة، بحضور رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، والذي يتولى أيضاَ رئاسة المجلس الوطني للتغيرات المناخية، وعدد من الوزراء.
تُعد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050 بمثابة خارطة طريق لتحقيق الهدف الفرعي الثالث من «رؤية مصر 2030» المحدثة، وهو مواجهة تحديات تغير المناخ، حيث تمكّن الاستراتيجية مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والإنمائية المنشودة، وذلك باتباع نهج مرن منخفض الانبعاثات.
تم إطلاق الاستراتيجية بحضور عدد من الوزراء، من بينهم الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، والسفير سامح شكري، وزير الخارجية، والدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والمهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، والسيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الاراضي، والدكتور محمد معيط، وزير المالية، والدكتورة نفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، وإيلينا بانوفا، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، وممثلي مجلس النواب واتحاد الصناعات والأمم المتحدة.
تضمنت الاستراتيجية أنه رغم أن الانبعاثات التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم، تُعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات، مثل السواحل والزراعة والموارد المائية والصحة والسكان والبنية الأساسية، وهو ما يؤدي إلى إضافة تحد جديد إلى مجموعة التحديات التي تواجهها مصر، في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030.
وتولي «رؤية مصر 2030» أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام، يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر، وقد أبدت مصر دائماً الالتزام والجدية على المستوى السياسي، تجاه مكافحة تغير المناخ، من خلال الموافقة والتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ، وعلى بروتوكول كيوتو، وكذلك على اتفاق باريس، وتقديم التقارير والإبلاغات الوطنية الدورية المطلوبة في إطار هذه الاتفاقية.
وعلى المستوى المؤسسي، فقد تم إعادة تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية في عام 2019، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ويضم ممثلين من كافة الجهات الحكومية والمجتمع المدني، ويهدف إلى صياغة وتحديث استراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ، وربطها باستراتيجية التنمية المستدامة، وتجميع وتركيز كافة الجهود الوطنية المبذولة في مجال الدراسات والبحوث المتعلقة بتغير المناخ.
وعلى صعيد مساهمة مصر في جهود خفض الانبعاثات، فقد تم اتخاذ العديد من الخطوات، مثل وضع إطار استراتيجية تنمية منخفضة الانبعاثات حتى عام 2030، والتي يجري تحديثها حتى عام 2050، لتتناول خطط التنمية الوطنية وخطط تغير المناخ في إطار متسق ومتناغم، ووضع استراتيجية الطاقة المستدامة لمصر 2035، التي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة، وتنفيذ العديد من مشروعات الطاقة المتجددة، مثل مشروعات طاقة الرياح، ومشروعات الطاقة الشمسية.
كما تتضمن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ نظرة مستقبلية لتصبح مصر مركزاً إقليمياً للطاقة، من خلال إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة مباشرةً، أو من خلال الهيدروجين الأخضر والأمونيا، ومشروعات النقل المستدام، كمترو الأنفاق والمونوريل، وتحسين كفاءة الطاقة في الصناعة، وكذلك زراعة الغابات باستخدام مياه الصرف المعالجة، ومشروعات الإدارة المستدامة والذكية للمخلفات، كما يجري الانتهاء من البنية التحتية لمنظومة المخلفات، مع الأخذ في الاعتبار نسبة الزيادة السكانية المستقبلية.
وبينما تشكل جائحة كورونا، والأزمات العالمية الراهنة، تحد جديد يضاف للتحديات التي يعاني منها الاقتصاد المصري بسبب تغير المناخ، تسعى الحكومة المصرية للانضمام إلى مسار الدول التي تعمل على الاستفادة من هذه المحنة، من خلال تشجيع الاستثمارات الصديقة للبيئة والمناخ، ولعل أهم المبادرات للحكومة هي السندات الخضراء، التي تتيح تسهيلات لتنفيذ تلك المشروعات، حيث نجحت مصر في الإصدار الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار، بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام، كما تم إعداد الإطار الإرشادي لإدماج البعد البيئي، بنسب معينة، في مشروعات وخطط الدولة.
وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ تضع جودة حياة المواطن المصري كأولوية، وهو ما يتماشى مع الهدف الاستراتيجي الأول ضمن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة، وتتشكل رؤية الاستراتيجية بطريقة تضمن حماية المواطنين من تأثيرات تغير المناخ، مع الحفاظ على تنمية الدولة بطريقة مستدامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية.
وتتمثل رؤية الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في التصدي بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ، بما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطن المصري، وتحقيق التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ.
وأوضحت الوزيرة أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ستسهل عملية تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية المرغوبة للدولة، باتباع نهج منخفض الانبعاثات، مشيرةً إلى أن «رؤية مصر 2030» تُعتبر المظلة الاستراتيجية للتنمية في الدولة، حيث تدمج الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ جميع الأهداف الرئيسية والفرعية المتعلقة بتغير المناخ.
وأضافت «فؤاد» أنه تم إعداد الاستراتيجية بناءً علي نهج تشاوري مع جميع الجهات المعنية، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات الدول السابقة، واستراتيجيات مختلفة لدول ذات ظروف مشابهة لمصر، وقد نتجت الأهداف الاستراتيجية بشكل أساسي بناءً على المادتين 45 و46 من الدستور المصري، كما تم مراعاة الارتباط بالأهداف الواردة فى «رؤية مصر2030».
وأوضحت وزيرة البيئة أن أهداف الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ جاءت لتعالج نقاط الضعف والتهديدات، وتبني على الفرص التي ظهرت في تحليل نقاط القوة والضعف للمشهد الحالي لتغير المناخ في مصر، مشيرةً إلى أنه تم بناء الأهداف أيضأ علي خطط واستراتيجيات التنمية في القطاعات المختلفة، كما تم أخذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتزامات المعاهدات الدولية المرتبطة بتغير المناخ، في الاعتبار.
كما أشارت الوزيرة إلى أن إعداد الاستراتيجية تم على مرحلتين، بواسطة فريق استشاري محلي من الخبراء الوطنيين، حيث تضمنت المرحلة الأولى تطوير إطار عمل لرسم الحدود للاستراتيجية كتحديد الرؤية، والأهداف الرئيسية والفرعية، والتوجهات العامة، والسياسات والأدوات، والمبادئ التوجيهية لإعداد الاستراتيجية، بينما تضمنت المرحلة الثانية إدراج التفاصيل، حيث تم مراجعة الوثائق والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية ذات الصلة، بالإضافة إلى مراجعة استراتيجيات البلدان النامية الأخرى، كدراسات حالة، لفهم الأساليب المختلفة التي تتبعها البلدان الأخرى لتطوير استراتيجياتها.
وأوضحت وزيرة البيئة أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ تتكون من 5 أهداف رئيسية، ينبثق منها عدد من الأهداف الفرعية وهي:
الهدف الأول: تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات
- تحول مجال الطاقة عن طريق زيادة حصة جميع مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة.
- خفض الانبعاثات المصاحبة لاستخدام الوقود الأحفوري.
- تعظيم كفاءة الطاقة.
- تبني اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النشاطات الأخرى غير المتعلقة بالطاقة.
الهدف الثانى: بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ
- حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ.
- تقليل الخسائر والأضرار التي يمكن أن تحدث لأصول الدولة والنظم البيئية عن طريق الحفاظ عليها من تأثيرات تغير المناخ.
- الحفاظ على موارد الدولة من تأثيرات تغير المناخ.
- وجود بنية تحتية مرنة وخدمات مرنة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ.
- تنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث.
- الحفاظ على المساحات الخضراء و التوسع بها.
- تعزيز اعتبارات الاستجابة الخاصة بالمرأة لمساعدتها على التكيف مع تغير المناخ.
الهدف الثالث: تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ
- تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
- تحسين مكانة مصر في الترتيب الدولي الخاص بإجراءات تغير المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات وفرص التمويل المناخي.
- إصلاح السياسات القطاعية اللازمة لاستيعاب التدخلات المطلوبة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
- تعزيز الترتيبات المؤسسية والإجرائية والقانونية مثل نظام الرصد والإبلاغ والتحقق.
الهدف الرابع: تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية
- الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء.
- الترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف، على سبيل المثال السندات الخضراء.
- مشاركة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة المناخية والترويج للوظائف الخضراء.
- التوافق مع الخطوط التوجيهية لبنوك التنمية متعددة الأطراف، لتمويل الأنشطة المناخية.
- البناء على نجاح برامج تمويل الأنشطة المناخية الحالية.
الهدف الخامس: تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ
- تعزيز دور البحث العلمي ونقل التكنولوجيا في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.
- تسهيل نشر المعلومات المتعلقة بالمناخ وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين.
- زيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة.
وأشارت وزيرة البيئة إلى أن تغير المناخ أصبح ضرورة حتمية، وهو ما دفع مصر لإعداد استراتيجيتها الوطنية الأولى للتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث في عام 2011، وكذلك استراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات في عام 2018، وهو أيضاً السبب وراء طلب المجلس الوطنى لتغير المناخ وضع أول استراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ في مصر حتى عام 2050، للتصدي للأثار السلبية للتغيرات المناخية.
وأوضحت الوزيرة أن الاستراتيجية تتضمن عدداً من التوجهات، وهي:
- التأكد من التخطيط المتكامل بين مختلف الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية.
- العمل على دمج الإجراءات المتعلقة بالتغيرات المناخية في التخطيط الوطني.
- دمج معايير الاستدامة والتعافي الأخضر في التخطيط الوطني وإعداد الميزانية.
- دمج التكيف مع المناخ والمرونة في مشروعات البنية التحتية.
- الاستفادة من فرص التمويل المتاحة تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، واتفاقية باريس، وغيرها من المصادر ذات الصلة بالمناخ.
- استغلال البنية التحتية الحالية لتنفيذ مشروعات جديدة متعلقة بتغير المناخ.
- الاستفادة من شبكة الكهرباء الحالية المحدثة والموسعة لتشغيل المركبات الكهربائية.
- تعزيز تنافسية السوق والتنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل خضراء.
- تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف مع دول العالم ومؤسسات التمويل الدولية والوكالات المتخصصة في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وأشارت وزيرة البيئة إلى مصادر التمويل المحتملة لتحقيق أهداف الاستراتيجية، حيث يوجد العديد من المصادر الدولية المتاحة، تحت إطار اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس، مثل صندوق المناخ الأخضر، والبنوك والمؤسسات متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، بالإضافة إلى الجهات ثنائية الأطراف، مثل الوكالة الفرنسية للتنمية وغيرها، بجانب التمويل من ميزانية الدولة، علاوة على تحفيز استثمارات القطاع الخاص.
وأكدت الوزيرة، في ختام كلمتها، أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ يتطلب مشاركة جميع طوائف المجتمع، بما فيها المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل فعال، وعدم الاقتصار على الجهات الحكومية فقط، لتحقيق أهداف الاستراتيجية، من خلال زيادة الوعي حول العمل المناخي، وتعزيز قيم العمل التطوعي.