أكثر من 500 مليون شخص يعيشون في مناطق تعاني مخاطر التصحر، أو في مناطق تضررت كثيراً بسبب التغيرات المناخية، بما فيها الجفاف وموجات الحرارة الشديدة والعواصف العاتية، في ظل زيادة عدد السكان في تلك المناطق، وزيادة الضغط على الموارد الطبيعية بها.. الأمر الذي أكدت عليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في تقرير أصدرته مؤخراً حول «تغير المناخ والأرض».
وبينما حذر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم، والذي يرتبط بزيادة الضغوط على التربة الخصبة، يهدد الأمن الغذائي العالمي، فقد دعت جميع الدول إلى الالتزام بالاستخدام المستدام للأراضي، للمساعدة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحثت على سرعة التحرك في هذا الصدد، قبل فوات الأوان، كما شددت على أن الإبقاء على الاحترار العالمي عند مستوى أقل من درجتين مئويتين لن يتأتى إلا بالحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري في جميع القطاعات، بما فيها الزراعة والأغذية.
الخبير الأممي، عبدالله المقسط، الأمين العام المعني بالأنشطة والإجراءات والمسائل المؤسسية للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في المملكة المغربية، اعتبر أن هذا التقرير يكتسب أهمية كبيرة، خاصةً وأنه التقرير الأول الذي يلقي نظرة شاملة على نظام المناخ برمته، وذلك من خلال مساهمات الخبراء والحكومات في جميع أنحاء العالم، مشيراً إلى أنها المرة الأولى في تاريخ تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التي ينتمي غالبية مؤلفي التقرير، حوالي 53% منهم، إلى البلدان النامية، وتمثل النساء 40% من المؤلفين الرئيسيين المعنيين بالتنسيق.
وتحدث المقسط عن النقاط التي تطرق إليها التقرير، بما فيها أهمية الأرض كمورد هام يلعب دوراً أساسياً في نظام المناخ، وكيف أن إدارة موارد الأراضي بشكل مستدام يمكن أن تساعد في معالجة تغير المناخ، غير أنه أشار إلى أن تحسين إدارة الأراضي يمكن أن يسهم في معالجة تغير المناخ، ولكنه ليس الحل الوحيد، قائلاً إن خفض انبعاثات غازات الدفيئة من جميع القطاعات يعد أمراً ضرورياً، إذا ما أريد أن يظل الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين.
هدف اتفاق باريس
وفي عام 2015، أيدت حكومات غالبية دول العالم هدف «اتفاق باريس» الرامي إلى دعم التصدي العالمي لتغير المناخ، بالإبقاء على الزيادة في المتوسط العالمي لدرجات الحرارة على مستوى أقل من درجتين، قياساً بمستويات ما قبل عصر الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للمحافظة على الزيادة في حدود 1.5 درجة، كما يلزم أن تظل الأراضي منتجة للحفاظ على الأمن الغذائي مع تزايد السكان وتزايد الأثار السلبية لتغير المناخ على النباتات، وهذا يعني أن هناك حدود لإسهام الأراضي في التصدي لتغير المناخ.
ولفتت هيئة (IPCC) في تقريرها إلى أن العالم عندما يركز بشكل عام على الاستدامة، يكون في أفضل وضع لمواجهة تغير المناخ، وأشار جيم سكيا، الرئيس المشارك لفريق العمل الثالث بالهيئة، إلى أن الأراضي تؤدي دوراً هاماً في نظام المناخ، معتبراً أن الزراعة والحراجة والأشكال الأخرى لاستغلال الأراضي، تمثل 23% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري البشرية المنشأ، وفي الوقت ذاته تمتص العمليات الطبيعية للأرض ما يعادل زهاء ثلث انبعاث ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الوقود الأحفوري والصناعة.
تدهور قابل للانعكاس
وقال هانز- أوتو بورتنر، الرئيس المشارك لفريق العمل الثاني، إن التقرير يوضح كيف أن إدارة موارد الأراضي، بما يكفل استدامتها، يمكن أن يساعد على التصدي للمناخ، وأضاف أن الأراضي المستخدمة حالياً يمكن أن توفر الغذاء للعالم في ظل مناخ متغير، وأن توفر الكتلة الإحيائية للطاقة المتجددة، وأيضاً للمحافظة على النظم الإيكولوجية والتنوع الإحيائي واستعادتهما، لكن يلزم اتخاذ إجراءات مبكرة وبعيدة الأثر في مجالات متعددة.
وأوضح التقرير أنه عندما تتدهور الأراضي، فإنها تصبح أقل إنتاجاً، مما يحد من قدرة التربة على امتصاص الكربون، وهذا يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ، ويستتبع ذلك تفاقم تدهور الأراضي، وفي هذا الصدد، أشار كيوتو تانابي، الرئيس المشارك لفريق العمل المعني بالقوائم الوطنية لحصر غازات الاحتباس الحراري، إلى أن «الخيارات التي نتخذها بشأن الإدارة المستدامة للأراضي يمكن أن تحد من هذه الأثار السلبية، بل وأن تعكس اتجاهها في بعض الحالات»، واستطرد بقوله إنه «في ظل مستقبل يشهد مزيداً من الأمطار الكثيفة، يزداد احتمال انجراف التربة، والإدارة المستدامة للأراضي وسيلة لحماية المجتمعات المحلية من الأثار الضارة لهذا الانجراف والانهيارات الأرضية، غير أن هناك حدود لما يمكن أن نفعله، وعلى ذلك، بعض الحالات قد تكون غير قابلة للانعكاس».
كما يعرض التقرير الخيارات المتاحة للتعامل مع تدهور الأراضي والحيلولة دون تواصل تغير المناخ، والتكيف معه، ويبحث كذلك في الأثار المحتملة للمستويات المختلفة للاحترار العالمي، وعن ذلك تحدثت فاليري ماسون- ديلموت، الرئيسة المشاركة لفريق العمل الأول، بقولها إن «المعارف الحديثة تبين زيادة المخاطر الناجمة عن ندرة المياه في الأراضي الجافة، وعن خسائر الحرائق، وتدهور التربة الصقيعية، وعدم استقرار النظام الغذائي، حتى في ظل احترار عالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية تقريباً»، وأضافت أنه تم استبانة مخاطر مرتفعة جداً تتصل بتدهور التربة الصقيعية، وعدم استقرار النظام الغذائي في حالة احترار بمقدار درجتين مئويتين.
وضع الأمن الغذائي
وأكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية (IPCC) أن تنسيق العمل للتصدي لتغير المناخ يمكن أن يحسن الأراضي والأمن الغذائي والتغذية في آن واحد، كما يمكن أن يساعد على إنهاء الجوع، ويبرز التقرير أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر على جميع الركائز الأربعة للأمن الغذائي، وهي: (التوافر، وإمكانية الوصول، والاستغلال، والاستقرار)، وأوضح بريادارشي شوكلا، الرئيس المشارك لفريق العمل الثالث، إلى أن «الأمن الغذائي سيتأثر بشكل متزايد بتغير المناخ في المستقبل، من خلال تقلص الإنتاج، لاسيما في المناطق المدارية، وزيادة الأسعار، وانخفاض القيمة الغذائية، وتعطل سلسلة الإمداد»، مؤكداً أن البلدان منخفضة الدخل، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، هي التي ستعاني بأكبر درجة.
ويسجل التقرير أن زهاء ثلث الغذاء المنتج يضيع هباءً أو يتم إهداره، ويتفاوت هذا الإهدار بشكل كبير بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وأيضاً فيما بين المناطق، وتقليل هذه الخسائر والفواقد من شأنه أن يقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويحسن الأمن الغذائي، وفي هذا الصدد أشارت ديبرا روبرتس، الرئيسة المشاركة لفريق العمل الثاني، إلى أن «بعض الخيارات الغذائية تتطلب مزيداً من الأراضي والمياه، ويتسبب في انبعاث مزيد من غازات الاحتباس الحراري»، واستطردت أن النظم الغذائية المتوازنة القائمة على النبات، مثل الحبوب الخشنة والبقول والفواكه والخضر والأغذية الحيوانية المصدر المنتجة بشكل مستدام في نظم منخفضة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تتيح فرصاً ثمينة للتكيف مع تغير المناخ.
ويلفت التقرير إلى أن ثمة وسائل لإدارة المخاطر وتقليص أوجه الضعف في استغلال الأراضي ونظام الغذاء، ويمكن لإدارة المخاطر أن تعزز قدرة المجتمعات المحلية على مقاومة الظواهر المتطرفة التي تؤثر على النظم الغذائية، ويمكن تحقيق ذلك بإجراء تغييرات غذائية، أو بكفالة إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل، للحيلولة دون زيادة تدهور الأراضي، ولزيادة القدرة على مقاومة الظواهر الجوية المتطرفة أو المتغيرة، ومن بين الوسائل الأخرى للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، الحد من أوجه عدم المساواة، وتحسين الدخل، وكفالة الحصول على الغذاء بشكل عادل، حتى لا تكون بعض المناطق، التي لا يمكن فيها للأراضي أن تنتج غذاءً كافياً، أقل حظاً.
ويخلص تقرير (IPCC) إلى أن السياسات التي تتناول مجالات غير الأراضي والطاقة، مثل مجالي النقل والبيئة، يمكن أيضاً أن تؤثر تأثيراً حاسماً في التعامل مع تغير المناخ، واتخاذ إجراءات مبكرة يحقق وفورات في التكاليف، لأنه يعمل على تفادي تحمل الخسائر، وقال بانماو زها، الرئيس المشارك لفريق العمل الأول، إن «هناك أمور ننفذها بالفعل، فنحن نستخدم تكنولوجيات وممارسات جيدة، لكنها تحتاج إلى المضاعفة وإلى استخدامها في مواطن ملائمة أخرى لا تُستخدم فيها حالياً».
وأضاف أن هناك إمكانات حقيقية في هذا المجال، من خلال استغلال الأراضي على نحو أكثر استدامة، ويقلل من فرط استهلاك الأغذية وتبديدها، والقضاء على إزالة الغابات وحرقها، ومنع الإفراط في حصد أخشاب الوقود، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والمساعدة بذلك في التصدي لمشاكل استغلال الأراضي المرتبطة بتغير المناخ.