على الرغم من تنوع وغنى الحياة البرية في سوريا، نظراً لتنوع التضاريس والمناخ والتربة، إلا أن الحرب ألقت بتأثيرات سلبية خطيرة على الأوضاع البيئية في الدولة العربية، وهددت كافة الكائنات الحية، من أصغرها إلى أكبرها حجماً، سواء في البر أو البحر، وأحدثت خللاً في جميع الظروف المحيطة بالأنواع الحية، حيث أدت سبع سنوات كاملة من الحرب إلى تدمير الموائل الطبيعية للحيوانات، والمخازن الطبيعية للأصول الوراثية، وحرق وسلب وتدمير المحميات، وتآكل التربة، وتدهور نوعية المياه وتلوثها.
وكشف تقرير لقطاع التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية بوزارة الإدارة المحلية والبيئة عن أن كافة الغابات والمناطق المحمية في سوريا تعرضت إلى أضرار شديدة، نتيجة الاعتداءات والأعمال الحربية التي استهدفتها، مما أدى إلى تدهور التنوع الحيوي بها، ونقل التقرير عن رئيس القطاع، المهندسة ميادة سعد، أن أعداد كبيرة من الطيور والحيوانات البرية تعرضت للسرقة والصيد الجائر، خاصةً الحيوانات داخل المحميات، مثل غزلان “الريم” و”المها العربي”، وطيور “النعام” و”أبو منجل.”
حرائق و”مذابح” الغابات
ولفت التقرير إلى أن الحرائق التي اندلعت في غابات اللاذقية منذ عام 2012، بلغ عددها 257 حريقاً، التهمت نيرانها نحو خمسة ملايين شجرة، موزعة ضمن مساحة تقدر بـ10 آلاف هكتار، علماً بأنه في عام 2013 تم إخماد 112 حريقاً، ضمن مساحة تقدر بحوالى 293 هكتار في المناطق الآمنة وشبه الآمنة بمحافظة اللاذقية، إضافة إلى عدد آخر من الحرائق لم يمكن حصرها، لكونها نشبت في مناطق خارج المناطق المحمية.
كما سُجلت في “الغاب” العديد من الحرائق، خاصةً في منطقة “شطحة”، كان أكثرها خطراً عام 2015، حيث التهمت النيران مساحات واسعة من غابات من “السنديان” و”الصنوبر”، يصل عمرها إلى 100 سنة، في موقع “النبوعة”، غرب قرية “الحيدرية”، وامتد الحريق بطول 12 كيلومتراً، وبعرض 8 كيلومترات، حتى وصلت النيران إلى قمم الجبال في السفح الشرقي للسلسلة الجبلية المطلة على “سهل الغاب.”
أما في طرطوس، فقد بلغ عدد الحرائق الحراجية المسجلة عام 2013، حوالى 45 حريقاً التهمت الغطاء النباتي لمساحة تُقدر بنحو 17 هكتاراً، بينما بلغ عدد الحرائق التي شهدتها محافظة حمص خلال عام 2015، نحو 104 حرائق، تسببت فى تضرر مساحة 150 هكتاراً، بينما بلغت المساحات المتضررة من القطع الجائر لأشجار الغابات، أكثر من 740 هكتاراً من الحراج الاصطناعية، و240 هكتاراً من الطبيعية.
الوضع البيئي قبل الحرب
وتطرقت رئيس قطاع المحميات الطبيعية إلى الدراسة الوطنية للتنوع الحيوي، التي أعدت قبل بداية الحرب، من قبل عدد كبير من الخبراء الوطنيين في جمع وإحصاء الأنواع الحيوانية الموثقة مرجعياً، بإشراف وزارة الدولة لشؤون البيئة، وبالتعاون مع الجهات الوطنية والدولية المهتمة، والتي بينت وجود ما يزيد على 7100 نوع من الأحياء البرية في سوريا، منها 3000 نوع تتبع المملكة الحيوانية، ولكن نتيجة لتزايد عدد السكان، والتطور التقني المتسارع في العقود الأخيرة، ومحاولة الإنسان تسخير كل ما حوله لصالحه، ولتلبيه احتياجاته، بدأت تظهر أعراض تدهور النظم البرية الطبيعية، على صورة انحسار للغطاء النباتي، وهجرة بعض الأنواع البرية، وانقراض بعضها الآخر.
وبحسب “سعد” فإن عدد المحميات الطبيعية في سوريا يبلغ 31 محمية، تضم مختلف الأنظمة البيئية، منها الغابات، والأراضي الرطبة، والمحميات البحرية، ومحميات أخرى ذات أهمية خاصة، وتزيد مساحاتها الإجمالية على أكثر من 187 ألف هكتار.
التهديدات البيئية في سوريا
ووفقاً للتقرير، فإن مهددات الحياة البرية في سوريا تختلف تبعاً للمنطقة الجغرافية، وتبعاً للمجموعة الحية، ففي حين تعتبر حرائق الغابات هي أهم مهددات الحياة البرية في المناطق الساحلية، يشكل الجفاف والرعي الجائر والصيد أهم مهددات الحياة البرية في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتتلخص إدارة الحياة البرية في نشاطات الحفاظ على مناطق الغابات والمناطق الحراجية، وإعادة تأهيل المناطق المتدهورة، عن طريق زرع غراس حراجية، وإقامة محميات رعوية في مناطق البادية.
أما الأنواع الحيوانية البرية، فلا توجد لها إدارة منهجية، سوى في محميتي “التليلة” بمنطقة تدمر فى محافظة حمص، ومحمية “العضامي” الرعوية في حلب، ومحمية “المغلوجة” في الحسكة، ومحمية “الثورة” في الرقة، وأخيراً في محمية طائر “أبو منجل” في البادية السورية، التي أعلنت رسمياً عام 2004، حيث تعتبر المحميات هي أحد أهم وسائل حماية التنوع الحيوي، لأنها تشكل الموئل المناسب للكثير من الأنواع النباتية والحيوانية، وهي أهم الأدوات المتبعة عالمياً في حفظ وإدارة الإرث الطبيعي.
الدب البني السوري
كما نقل تقرير، نشرته وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن رئيس قسم العلوم البيئية في جامعة دمشق، الدكتور أحمد داود، أن أصغر الثديات المعروفة في سوريا، هو حيوان “السريطة”، حيث يعيش الحيوان، الذي لا يتجاوز وزنه 1.5 جرام، في منطقة البساتين على الساحل السوري، أما أكبر الثدييات فهو “الدب البني السوري”، ويصل وزنه حتى 200 كيلوجرام، ورغم إعلان انقراضه في الأراضي اللبنانية منذ 50 عاماً، فقد سجل ظهوراً نادراً في سوريا، حيث ظهرت إحدى إناث الدب البني في جبل “القلمون” العام الماضي.
وأضاف أن هناك أنواع أخرى من الثدييات التي انقرضت من المجموع الحيواني في سوريا، وأعيد إدخالها، بجهود وزارة الزراعة والجمعيات البيئية، منها “المها العربي”، و”البقر الوحشي” في محمية “تدمر”، ووصل عددها إلى نحو 125 رأساً، إلا أنه لا يعرف مصيرها في الوقت الراهن.
ورغم أن الحياة البرية في سوريا كانت تحوي العديد من أنواع الثدييات، حتى بدايات القرن 21، منها “الدب البني السوري”، و”الحمار البري السوري”، و”الأرنب البري”، و”السنجاب الرمادي السوري”، و”النمر الفراتي”، وعشرات الأنواع من “الأيائل” و”الغزلان”، إلا أن قسماً كبيراً منها تعرض للانقراض، وأصبح قسم آخر نادراً جداً، نقرض أو أصبح نادر جداً، حتى تناقص عدد أنواع الثديات المسجلة محلياً في سوريا حالياً، إلى 125 نوعاً، وهو عدد قليل جداً مقارنةً بالأنواع العالمية.
مناشدة أممية
ووفق وزارة الإدارة المحلية والبيئة فإن هناك أكثر من 3150 نوعاً نباتياً مسجلة في الأراضي السورية، بالإضافة إلى 3300 من الأنواع الحيوانية، إلا أن أعداد الموائل التي تخص الطيور، تناقصت بفعل العوامل الطبيعية والصناعية والصيد الجائر وغيرها، وتم إقامة عدة محميات، بالتنسيق مع وزارة الزراعة، لحماية بعض أنواع الطيور، تعزيزاً للدور الذي تقوم به الحياة البرية في التوازن البيئي، وحماية التنوع البيولوجي.
وأمام الوضع البيئي المتدهور نتيجة الحرب في سوريا، فقد ناشد عدد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، كافة السوريين، وخاصةً الشباب منهم، العمل على حماية ميراثهم من الحياة البرية، وحماية الحيوانات والنباتات البرية من خطر الانقراض، وأشارت نائب الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، إلى أنه على مدى العقود الأربعة الماضية، فقدت البشرية نصف الحيوانات والنباتات البرية، بسبب فقدان موائلها الطبيعية، وتغير المناخ، والاستغلال المفرط، والصيد الجائر، والاتجار غير المشروع.