تقرير تكتبه: هند سعيد
لازالت تأثيرات التغيرات المناخية تلقى بظلالها على العالم أجمع، خاصة ما يتعلق منها بالتغيرات والتقلبات الحادة في الطقس، وقد جعلت التغيرات المناخية بعض الظواهر الجوية حرجة وعنيفة مثل ما شهدته مدينة أسوان الفترة الماضية، الأمر الذي جعلها هذا العام تنتفض لمواجهة تداعيات التغيير المناخي.
تم رصد أهم مخاطر التغيرات المناخية التي تتعرض لها أسوان، خاصةً على إنتاج المحاصيل الزراعية، ومواقع التراث بها، بالإضافة إلى أبرز ملامح خطة المحافظة، خلال الفترة المقبلة، لتفادى تلك الآثار، انطلاقًا من الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.
يقول الدكتور عبدالعزيز سالم، أستاذ ورئيس قسم الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، والخبير الدولي في التراث، إن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لا يدخر جهداً لتعزيز البرامج والمشروعات للحد من مخاطر التغير المناخي في مصر، وللتخفيف من حجم الانبعاثات، من خلال إطلاق “تعريفة التغذية للطاقة المتجددة”، وإنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم في بنبان بأسوان، والتي تم إنشاؤها من خلال شراكة متعددة الأطراف بين القطاعين العام والخاص لتوليد 2 جيجاوات من الكهرباء وخلق فرص عمل لائقة للمجتمع المحلي بأسوان.
وأضاف عبد العزيز أن مصر تعد من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية، وقد باتت مخاطر تغير المناخ على أسوان وشيكة، حيث شهدت أسوان في الفترة الماضية تقلبات شديدة في الأحوال الجوية سواء أمطار من متوسطة إلى غزيرة إلى سيول، وجعلت التغيرات المناخية بعض الظواهر الجوية حرجة وعنيفة، ونوبات طقس جامحة في أسوان، بالإضافة إلى هطول غزير للأمطار على جميع أنحاء أسوان، ولأول مرة يشاهد ويسمع سكان أسوان أصوات الرعد والبرق بشدة، كل ذلك بسبب تغير المناخ… موضحا أن الدراسات الأثرية والبيئية تؤكد أن مخاطر تغير المناخ ستكون مؤثرة على مدينة أسوان، ومعظم المدن الساحلية والمطلة على نهر النيل، وستكون أسوان من المدن الأكثر تعرضا لمخاطر التغير المناخي، حيث تكشف الدراسات عن المخاطر الحقيقية الحالية والمستقبلية التي تهدد مدينة أسوان ومواقعها الأثرية، كما يزيد تخزين المياه في المنطقة من مخاطر التغير المناخي، والإجهاد المائي الذي سينجم عنه إحداث خلخلة في التربة الأثرية، والنظم البيئية، وهو ما يشكل عائقا أمام سُبل الحماية والصون لمواقع التراث في أسوان، مما يؤدي إلى تعميق المخاطر في مواقع التراث في أسوان بنسب متفاوتة ومؤثرة، بالإضافة إلى إلحاق الضرر في طبوغرافية المكان والسكان في أسوان.
وأفاد عبد العزيز بأن محافظة أسوان تقوم حاليا للحد من مخاطر التغير المناخي بكافة الإجراءات الوقائية الكفيلة بحماية أسوان من مخاطر تغير المناخ الوشيكة، وفقا للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للطاقة المستدامة 2035 والتي تهدف للوصول بنسبة الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الطاقة الوطني، وغيرها من المشروعات الوطنية في مجال الزراعة وإدارة الموارد المائية، والنقل المستدام وبناء المدن الذكية والمستدامة وأنشطة الحفاظ على البيئة.
من جانبه، استعرض الدكتور أحمد زكى أبو كنيز، نائب رئيس المنتدى المصري لتنمية نهر النيل رئيس الاتحاد النوعي للبيئة بأسوان، المخاطر التي ستتعرض لها أسوان من تأثير التغيرات المناخية ومنها زيادة معدلات تكرار الأحداث المناخية الحادة، مثل “العواصف الترابية، موجات الحرارة والسيول، زيادة وتيرة تصحر الأراضي الزراعية، تأثر الإنتاج الزراعي وتأثر الأمن الغذائي، وزيادة معدلات شح المياه.
وقال رئيس الاتحاد النوعي للبيئة إن أسوان باتت تشهد ظواهر مناخية أكثر حدة وتطرفاً على مدار فصول العام، من حيث موجات الحرارة الشديدة صيفاً، وموجات البرودة والصقیع شتاءً وكميات الأمطار والسيول، نتيجة للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحر، حيث تقع أسوان على خط عرض 22 درجة شمالاً، أي في الإقليم المداري الجاف، الذي يتميز بالمناخ القاري، مع سقوط أمطار قليلة، مع تعرضها لعواصف ورياح عاتية.
وفيما يتعلق بإنتاج المحاصيل في أسوان وتأثير التغيرات المناخية عليها، أكد أبو كنيز أنه بدراسة التأثيرات المتوقعة على المحاصيل باستخدام نماذج المحاكاة ووضع سيناريوهات تغير المناخ المختلفة في الاعتبار، لمعرفة وتوقع ما ستكون عليه إنتاجية المحاصيل في أسوان، يتبين لنا أن التغيرات المناخية التي ستتسبب في ارتفاع درجة الحرارة ستؤثر سلبياً على إنتاجية المحاصيل المختلفة، وفى الوقت ذاته سيزداد الاستهلاك المائي لها ومن أشد المحاصيل تأثراً بالتغيرات المناخية “الطماطم” والذي تزرع منه أسوان مساحة لا بأس بها وذلك لفرط حساسيتها لارتفاع الحرارة.
وللحد من هذه الآثار السلبية، قال أبو كنيز “علينا التوجه إلى إجراءات التكيف مع التغيرات المناخية فيتم ذلك عبر تبني سياسات استباقية أو وقائية، بتنويع المحاصيل ومواسم الزراعة، وتعديل مواعيد الزراعة والحصاد أو عن طريق استحداث أساليب جديدة في الزراعة والتحول إلى نظم الري الحديثة فهي أكثر تكيفًا وكفاءة في التعامل مع التحديات المناخية المتنوعة، بالإضافة إلى استنباط أصناف جديدة من المحاصيل المتأثرة بالتغيرات المناخية تتسم بتحملها للجفاف واحتياجاتها المنخفضة من المياه ومقاومتها للأمراض والآفات وزيادة المحصول كماً وتحسين صفات الجودة به، وضرورة الاهتمام بتطبيق ممارسات التكثيف المحصولي (التحميل) لإنتاج أكثر من محصول في ذات المساحة ونفس الموسم، وأيضا ضرورة الاستفادة من المتبقيات الزراعية (في المزارع أو في المصانع) وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية عالية تزيد من دخل المزارع وتمثل إضافة للناتج القومي”.
وتابع أبو كنيز أنه بالإضافة إلى كل ما سبق يتوجب علينا بذل جهود حثيثة ومُتكاملة قطاعياً ومؤسسيا وإجرائياً لنتمكن من مجابهة تداعيات التغيرات المناخية هذا من الجانب التنفيذي، بالإضافة إلى تنشيط ودعم ورعاية دور البحث العلمي، وتنمية الوعي المجتمعي، وتفعيل دور المنظمات الأهلية كشريك ضروري في مواجهة هذه الآثار السلبية للتغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي في أسوان.
وفيما يتعلق بمبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ» ، قال الدكتور أحمد زكي أبو كنيز باعتباره منسق المنصة المحلية للمبادرة بأسوان، إن المنصة بدأت تتخذ نهجاً جديداً في أنشطتها للتعريف بقضايا تغير المناخ وكيفية التخفيف من تداعياتها أو التكيف معها، وذلك عبر الانتقال من مرحلة التوعية، إلى التدريب على إنتاج وتسويق الحرف اليدوية والمنتجات التراثية.
وأوضح أبو كنيز أن غالبية المجتمعات المحلية تعاني من انخفاض الإنتاج، وبالتالي تراجع مستويات الدخل، بسبب التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، ولذلك عمدت المنصة المحلية للمبادرة في أسوان إلى إلقاء الضوء على بعض الأنشطة التي يمكن من خلالها زيادة الدخل، وتدريب السيدات والفتيات على إنتاج وتسويق بعض المنتجات التراثية، التي تلقى رواجاً كبيراً.