النظم البيئية للبحر الأحمر مهددة بالانهيار.. و30 مليون عربي معرضون لفقدان مصادر الزرق
«جسور 2030» ينفرد بنشر نص «وثيقة نطاق العمل» لتقييم وضع الخزان على الطبيعة
تستعد الأمم المتحدة لإرسال أول بعثة دولية لمعاينة خزان النفط «صافر»، على الساحل الغربي لليمن جنوب البحر الأحمر، حيث يحتوي الخزان على كمية هائلة من النفط، تزيد على مليون برميل، مما ينذر بكارثة إنسانية وبيئية خطيرة، الأمر الذي دفع الشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، إلى إصدار بيان حذرت فيه من العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن حدوث أي تسرب أو حريق في الخزان النفطي، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لمنع كارثة محتملة.
وسبق لموقع «جسور 2030» أن نشر عدداً من التقارير حول المخاطر المحتملة لهذا الخزان النفطي، الذي يخضع لسيطرة جماعة «الحوثي»، التي استولت على السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء، قبل أكثر من 5 سنوات، من ضمنها تحذيرات صدرت عن جامعة الدول العربية، ومن الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن.. وفي هذا التقرير يستعرض الموقع عدداً من التساؤلات بشأن أزمة الخزان النفطي، وجهود الأمم المتحدة للتعامل مع هذه الأزمة الطارئة.
أولاً: ما هو خزان صافر العائم؟
خزان صافر عبارة عن سفينة عائمة لتخزين النفط وتفريغه، ترسو في الشاطئ الغربي لليمن على مسافة حوالي 8 كيلومترات، أي نحو 4.8 ميل بحري، إلى الشمال الغربي من شبه جزيرة «رأس عيسى»، ويرسو خزان صافر في مكانه بشكل دائم منذ أكثر من 30 سنة، دون أن يخضع لأي إصلاحات، سواء في الحوض الجاف، أو في حوض بناء السفن.
كان خزان صافر في البداية ناقلة نفط ذات بدن منفرد، تحمل اسم «إيسو جابان» (Esso Japan)، تم تصنيعها في عام 1976، وبعد 10سنوات، تحولت لتصبح خزاناً عائماً في عام 1986، وتعود الملكية القانونية للخزان العائم إلى شركة النفط الوطنية «صافر لعمليات الإنتاج والاستكشاف»، وقبل تصاعد النزاع في عام 2015، كان الخزان يُستَخدَم لتخزين النفط الوارد من الحقول المجاورة لمأرب وتصديره، إلى أن سيطرت جماعة «الحوثي»، التي تصفها الأمم المتحدة بـ«سلطات الأمر الواقع» في صنعاء، على المياه التي يرسو فيها الخزَان العائم منذ عام 2015.
ثانياً: ما هي الآثار المترتبة على وقوع تسرب نفطي؟
تبلغ حمولة خزان صافر، بحسب التقارير، قرابة 1.1 مليون برميل من النفط، وهي كمية تقارب أربعة أضعاف ما تسرب من سفينة «إيكسون فالديز» (Exxon Valdez) عام 1989، ولم يخضع الخزان العائم لأي أعمال للصيانة الدورية، منذ تصعيد النزاع عام 2015، مما أدى إلى تدهور حالة هيكل خزان صافر ومعدات ومنظومات تشغيله، وهو ما يجعل الناقلة عرضة لخطر تسرب النفط أو الانفجار أو الحريق.
وفي حالة حدوث تسرب نفطي من الناقلة، ستكون له آثار بيئية كارثية، وستترتب عليه عواقب إنسانية وخيمة، حيث تشير الأبحاث، التي أجراها خبراء مستقلون، إلى أن أي تسرب نفطي كبير سيتسبب في الكثير من الضرر للمنظومات البيئية في البحر الأحمر، التي يعتمد عليها قرابة 30 مليون شخص، بمن فيهم ما لا يقل عن مليون و600 ألف يمني.
وسوف يمتد أثر ذلك إلى مصايد الأسماك على طول الشاطئ اليمني الغربي خلال أيام، مما سيؤدي إلى انهيار سبل كسب الرزق الخاصة بالمجتمعات المحلية القائمة على الصيد البحري، في الوقت الذي يعتمد فيه 90 في المائة من سكان تلك المجتمعات على المساعدات الإنسانية بالفعل، وستكون شواطئ الحديدة وحجة وتعز الأكثر تضرراً، أما إذا اشتعلت النيران في ناقلة النفط صافر، لأي سبب كان، فقد يتعرض أكثر من 8.4 مليون شخص لمستويات مرتفعة من المواد الملوثة.
وفي أسوأ السيناريوهات المحتملة، قد يؤدي تسرب النفط إلى الإغلاق الفوري لميناء الحديدة الحيوي، وهو ما يقدر تأثيره بالتسبب في ارتفاع كبير في أسعار الغذاء والوقود، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى ملايين اليمنيين، وليس بمقدور اليمن، خاصة في المناطق الشمالية، أن يتحمل تبعات إغلاق ميناء الحديدة، حيث يعتمد اليمن على الاستيراد في الحصول على قرابة 90 في المائة من المواد الغذائية الأساسية وباقي السلع الأخرى، وتدخل معظم تلك الواردات إلى البلاد من خلال ميناء الحديدة.
ولهذا سيكون الضرر كبيراً، نظراً لاعتماد غالبية اليمنيين على السلع المستوردة في تلبية احتياجاتهم الأساسية، كما من المتوقع أن يكون لإغلاق ميناء الحديدة أثر مقلق للغاية، خاصةً في وقت يتجدد فيه خطر تفشي المجاعة في اليمن، وهو ما تؤكده تقييمات الأمن الغذائي الصادرة مؤخراً.
وإجمالاً، تُقدر تكلفة تسرب النفط من خزان صافر العائم إلى مصائد الأسماك في اليمن، بأكثر من 1.5 مليار دولار، على مدار 25 عاماً، بالإضافة إلى تضرر العديد من الدول العربية الأخرى، المطلة على البحر الأحمر، بما فيها مصر والسعودية وجيبوتي، وقد يضر التسرب أيضاً بحركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو واحد من أكثر المسارات البحرية نشاطاً في العالم، إذ يمثل قرابة 10 في المائة من حركة التجارة العالمية.
ثالثاً: كيف تتعامل الأمم المتحدة مع هذه الأزمة؟
بدأت الأمم المتحدة، قبل أكثر من سنتين، مساعيها لإرسال فريق من الخبراء، لتقييم وضع الخزان، وإجراء الإصلاحات الأولية اللازمة، وفي أغسطس من عام 2019، أرسلت المنظمة الدولية فريقاً من الخبراء إلى جيبوتي، التي كانت موقع التجهيز للبعثة، بحسب «اتفاق على المبدأ» مع جميع الأطراف، إلا أنه تم إلقاء البعثة، بعد قيام جماعة «الحوثي» بسحب موافقتها في الليلة السابقة لمغادرة البعثة.
ورغم ذلك، فقد استمرت المفاوضات مع «سلطات الأمر الواقع» في صنعاء، لإرسال بعثة أخرى، وتسارعت تلك المحادثات بعد صدور تقارير تفيد بحدوث تسرب مياه البحر إلى غرفة محركات الناقلة صافر في مايو 2020، والذي أمكن احتواؤه بشكل مؤقت في حينها، إلا أنه لا يمكن معرفة الفترة التي سيصمد خلالها هذا الإصلاح المؤقت، ومنذ ذلك الوقت، انخرطت الأمم المتحدة في نقاشات مع الحوثيين، للاتفاق على وثيقة مفصلة تحدد نطاق العمل المسند إلى البعثة المقترحة، وتحدد الوثيقة ثلاثة أهداف واضحة.
الهدف الأول للوثيقة المقترحة، يتضمن تقييم وضع خزان صافر العائم، من خلال تحليل منظوماته وهيكله، بينما يرتكز الهدف الثاني على إجراء ما هو ممكن من الإصلاحات الأولية، التي قد تخفض من خطر حدوث التسرب، حتى يتم تطبيق حل دائم، فيما يتناول الهدف الثالث صياغة خيارات قائمة على الأدلة، بشأن الحلول التي يمكن تطبيقها، لإنهاء خطر التسرب النفطي نهائياً.
وفي 21 نوفمبر الماضي، تلقت الأمم المتحدة رسالة من «سلطات الأمر الواقع» في صنعاء، تشير إلى موافقتها بشكل رسمي على نطاق العمل، وفي ضوء هذه الموافقة، أصبحت الأمم المتحدة في موقف يمكنها من الشروع في الاستعدادات اللوجستية للبعثة، بما في ذلك استخدام أموال المانحين لتأمين استقطاب الخبراء الفنيين وشراء المعدات اللازمة، وأبدت الحكومة اليمنية، التي تمارس مهامها بشكل مؤقت من مدينة عدن، في جنوب البلاد، دعمها الكامل للبعثة الفنية المقترحة.
وبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة، هذا الأسبوع، فإن إرسال بعثة الخبراء لن يؤدي إلى إنهاء خطر تسرب النفط من الناقلة صافر، حيث تهدف البعثة لإجراء التقييم المطلوب، وتحديد الخيارات القائمة على الأدلة، لإيجاد حل دائم للخطر الذي تمثله الناقلة، وليس من الممكن للمنظمة الدولية استنتاج أو التوصل إلى أي أحكام مسبّقة حول نتائج أعمال بعثة التقييم.
وسوف يجري الخبراء الفنيون مهام الصيانة الخفيفة، وفق «وثيقة نطاق العمل» المتفق عليها، في حدود ما هو ممكن، بالنظر إلى اعتبارات الحفاظ على سلامة الناقلة ومنظوماتها، ووفق قدرة الفريق العملية على الوصول إليها، والقيود التي تفرضها الاعتبارات البيئية، ومقتضيات السلامة الشخصية لأفراد البعثة، وغيرها من العوامل ذات الصلة، وإضافة إلى نشر فريق الخبراء، تعمل كيانات الأمم المتحدة على دعم جهود التخطيط لحالات الطوارئ، تعزيزاً للجاهزية المطلوبة، لتوفير الدعم والاستجابة في حالة وقوع أي تسرب، أو حدوث أي طارئ على سطح الخزان العائم.
رابعاً: ما الذي تغير منذ عام 2019؟
لقد أصبح الوضع أكثر إلحاحاً مما كان عليه في عام 2019، ففي 27 مايو الماضي، تسربت مياه البحر إلى غرفة المحركات في الناقلة، مما شكل تهديداً بغرق الخزان بالكامل، وحدوث تسرب هائل للنفط، وبالرغم من محدودية التسرب نسبياً، إلا أن عمل غواصي شركة صافر لاحتوائه، استغرق 28 ساعة تحت سطح البحر على مدار 5 أيام، وهي مهمة خطيرة وصعبة للغاية، ولا يمكن معرفة المدة التي سيصمد فيها الحل المؤقت الذي تم اللجوء إليه وقتها، كما أنه قد لا يمكن احتواء الحادثة القادمة، ولعل الانفجار المأساوي الذي حدث في ميناء بيروت، العام الماضي، ينبه إلى تكلفة التقاعس عن اتخاذ الفعل المناسب.
كما أن المجتمع الدولي أصبح أكثر وضوحاً الآن من أي وقت مضى، فيما يتعلق بتوقعاته بإحراز التقدم في هذا الملف الحرج، وهو الأمر الذي عبرت عنه المنظمات الدولية عدة مرات، بما يتضمن عقد اجتماع خاص داخل مجلس الأمن، لمناقشة موضوع خزان صافر العائم، في 15 يوليو 2020، وسوف يتم إرسال البعثة بناءً على عدة جولات من النقاشات الفنية عقدت مع «سلطات الأمر الواقع»، و«وثيقة نطاق العمل» المفصلة والمتفق عليها بين جميع الأطراف.
خامساً: ما هي وثيقة نطاق العمل؟
وثيقة نطاق العمل هي وثيقة فنية متفق عليها، تحدد بالتفصيل أهداف البعثة والمهام التي سيقوم بها فريق الخبراء عند وصولهم لناقلة النفط صافر، وتم إعداد الوثيقة بعد مشاورات دامت لأسابيع مع «سلطات الأمر الواقع» في صنعاء، أي جماعة «الحوثي» المدعومة من إيران، لضمان الوضوح، وتجنب أي سوء فهم من شأنه التسبب في تأخير أو إلغاء البعثة مستقبلا، مثلما حدث في مرات سابقة.
وبالفعل، أرسلت الجماعة التي تسيطر على السلطة في صنعاء منذ عام 2015، خطاباً رسمياً للأمم المتحدة في 21 نوفمبر الماضي، يتضمن قبولاً بوثيقة نطاق العمل، الأمر الذي يعطى المنظمة الدولية الثقة التي تحتاجها، للبدء في استخدام أموال المانحين لشراء المعدات المتخصصة التي تحتاجها البعثة، وللتخطيط اللوجيستي، وتوظيف أعضاء الفريق، وهي العمليات الجارية حالياً استعداداً لبدء البعثة.
ويمكن عبر هذا الرابط، الاطلاع على نص وثيقة نطاق العمل، الصادرة عن عمليات مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع المتعلقة بتقييم خزان صافر العائم والصيانة الخفيفة، في الخامس من أكتوبر 2020.
سادساً: ما هو الإطار الزمني لنشر بعثة الخبراء؟
في أواخر ديسمبر الماضي، قدرت الأمم المتحدة موعد وصول فريق البعثة إلى الموقع في منتصف شهر فبراير 2021، إلا أن توقيت بدء البعثة سيعتمد على عدد من العوامل، بما فيها توفر المعدات والخبراء المطلوبين للفريق، وأوقات ومسارات الشحن، والظروف الجوية للعبور، وإتاحة التمويل.
كما أن عمل البعثة سوف يتطلب استمرار توفير التسهيلات، نظراً لأن الحاجة لموافقات وتصاريح إضافية سوف تستمر مع تقدم عملية التخطيط لضمان نجاح البعثة، ولابد من استمرار تعاون جميع أصحاب المصلحة المعنيين، خاصةً سلطات الأمر الواقع في صنعاء، لما لذلك من دور حاسم في بدء البعثة في وقتها المحدد، كما أعربت الأمم المتحدة عن تثمين الالتزامات التي تلقتها من جميع أصحاب المصلحة المعنيين، باستمرارهم في تقديم التسهيلات اللازمة لبدء واستمرار عمل البعثة، وضمان تحقيق أهدافها.