السلوكيات الفردية وأنماط الحياة يمكن أن تشكل أحد أكثر الأسلحة الفعالة في معركة البشر ضد التغيرات المناخية، والوصول إلى مجتمعات صديقة للمناخ، ومع تزايد الأحداث المناخية المتطرفة، التي باتت تهدد كل زاوية من أركان العالم، أصبحت الأدلة بشأن تأثيرات تغير المناخ واضحة بشكل لا يقبل التشكيك.
وإذا لم يتحرك البشر بسرعة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فلن يكون بمقدورهم درء أسوأ العواقب الناجمة عن التغيرات المناخية، وفي هذا التقرير، ترسم منصة «جسور 2030» ملامح خارطة طريق للوصول إلى مجتمع صديق للمناخ.
وفقاً لتقييمات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فإن أنماط الحياة مرتفعة الاستهلاك تلقي بتداعيات خطيرة على النظم البيئية بشكل عام، وتسهم في تفاقم التغيرات المناخية على وجه الخصوص، وتتحمل السلوكيات الفردية مسؤولية ما يقرب من 10% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الصعيد العالمي.
تتنوع الإجراءات التي يمكن للأفراد ممارساتها لتقليل البصمة الكربونية، عبر مجموعة من الاختيارات الشخصية، تتعلق بأنماط حياتهم اليومية، سواء أثناء تواجدهم داخل المنزل، أو في مكاتب العمل، أو عند السفر في الخارج، ومن ذلك النظام الغذائي، واستخدامات الطاقة المنزلية، واستهلاك السلع والخدمات، واختيار وسائل السفر الملائمة.
تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية إلى بعض الإجراءات الفردية، وصفتها بأنها “بسيطة” ولكنها تؤدي إلى نتائج “طموحة”، منها الاستغناء عن السيارات الخاصة واستخدام وسائل النقل الجماعي، مما يساعد في خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 2.4 أطنان سنوياً، وتجنب رحلة ذهاب وعودة عبر المحيط الأطلسي (1.6 أطنان)، وتناول وجبة غذائية نباتية (0.8 أطنان).
5 إجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية
ونظراً للتداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية على القطاعات الاقتصادية والتنموية، باعتبار أنها تهدد بتفاقم معدلات الفقر وتضر بالنمو الاقتصادي، يحدد البنك الدولي 5 إجراءات رئيسية للحد من الانبعاثات الكربونية، وتجنب المزيد من العواقب الكارثية للظاهرة التي باتت تهدد كافة أرجاء العالم، منها:
تسعير الكربون: يبدأ خفض الانبعاثات الكربونية ببوادر واضحة في السياسات، وترسل أنظمة تسعير الكربون، مثل نظام تداول الانبعاثات، الذي يفرض حدوداً قصوى أو الضرائب على الكربون، إشارات طويلة الأجل إلى الشركات بتوفير حوافز للحد من السلوكيات المتسببة في التلوث، وللاستثمار في خيارات الطاقة النظيفة، وابتكار أساليب منخفضة الانبعاثات.
إنهاء دعم الوقود الأحفوري: يرسل دعم الوقود الأحفوري إشارة مختلفة تشجع على التبذير وتثبط من النمو المنخفض الانبعاثات الكربونية، وعن طريق الإلغاء التدريجي للدعم على الوقود الأحفوري الضار، يمكن لمختلف البلدان إعادة تخصيص مواردها إلى أكثر المجالات احتياجاً والأكثر فعالية، بما في ذلك المساندة المستهدفة للفقراء.
بناء المدن المرنة منخفضة الانبعاثات الكربونية: تشير التقديرات إلى أن مرافق البنية التحتية التي سيجري تشييدها خلال السنوات العشرين المقبلة، تزيد عما تم تشييده خلال 6000 سنة مضت، حيث تنمو المدن سريعاً، خاصة في الدول النامية، وحوالي نصف سكان العالم يعيشون في المراكز الحضرية اليوم، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن تضم المدن ثلثي سكان العالم، ومن خلال التخطيط الدقيق للنقل واستخدامات الأراضي، ووضع معايير لكفاءة استخدام الطاقة، يمكن بناء المدن بأساليب تحول دون الوقوع في أنماط غير مستدامة، ويمكن أن تتيح المزيد من فرص العمل، والحد من تلوث الهواء.
زيادة كفاءة استخدام الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة: حوالي 1.2 مليار شخص في أنحاء العالم ليس لديهم كهرباء، ويعتمد 2.8 مليار آخرين في الطهي على الوقود الصلب مثل الأخشاب والفحم النباتي والفحم الحجري، والذي يسبب أضراراً بالغة، وعن طريق مبادرة الطاقة المستدامة للجميع، تساند مجموعة البنك الدولي ثلاثة أهداف حتى عام 2030: تعميم الطاقة الحديثة على الجميع، ومضاعفة نسبة التحسين في كفاءة استخدام الطاقة، ومضاعفة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي.
تطبيق ممارسات الزراعة المراعية للمناخ والتوسع في الغابات: يتمثل المجال الخامس للتحرك في التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، حيث أن ممارسات الزراعة المراعية للمناخ تساعد المزارع على زيادة إنتاجية المزرعة، وقدرتها على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ مثل الجفاف، وفي الوقت نفسه تصبح بمثابة خزانات لامتصاص الكربون تساعد على الحد من الانبعاثات.
10 طرق للمساعدة في مكافحة أزمة المناخ
وبينما تحذر التقارير الدولية ووكالات الأمم المتحدة من أن كوكب الأرض أصبح على “شفير الهلاك”، يحدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) 10 خطوات يمكن أن تساعد في الوصول إلى مستوى الصفر للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، تتضمن:
أولاً: نشر الوعي وتشجيع الأصدقاء والزملاء في العمل على تقليل التلوث الكربوني، من خلال الانضمام إلى الحركة العالمية “كاونت أس إن Count us in”، التي تهدف إلى إلهام مليار شخص حول العالم، لاتخاذ خطوات عملية والعمل بجرأة أكبر بشأن المناخ.
ثانياً: ممارسة الضغط السياسي على المسؤولين بدوائر صنع القرار والشركات المحلية، لدعم الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات وتقليل التلوث الكربوني.
ثالثاً: تحويل وسائل النقل، باعتبار أن قطاع النقل يُعتبر مسؤولاً عن حوالي ربع جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقوم العديد من الحكومات، في جميع أنحاء العالم، بتنفيذ سياسات لإزالة الكربون من وسائل النقل.
رابعاً: السيطرة على استخدام الطاقة، واستبدال مزود الطاقة إلى مزود خال من الكربون، أو يعمل بالطاقة المتجددة، من خلال تركيب الألواح الشمسية على أسطح المنازل، وخفض التدفئة بدرجة أو درجتين، إن أمكن، وإيقاف تشغيل الأجهزة والأضواء، في حال عدم استخدامها، وعزل الأسقف.
خامساً: تعديل النظام الغذائي، من خلال تناول المزيد من الوجبات النباتية، حيث يتم استخدام حوالي 60% من الأراضي الزراعية لرعي الماشية، ويستهلك الناس في العديد من البلدان، أغذية من مصادر حيوانية، ويمكن أن تساعد النظم الغذائية الغنية بالمنتجات النباتية، في تقليل الأمراض المزمنة.
سادساً: التسوق محلياً لمنتجات مستدامة، حيث يمكن تقليل البصمة الكربونية في الطعام من خلال شراء الأطعمة المحلية والموسمية، ويساعد ذلك الشركات الصغيرة والمزارع في المجتمع المحلي، وبالتالي يسهم في تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري المرتبطة بالنقل، وسلسلة التخزين والتبريد.
سابعاً: التوقف عن إهدار الطعام، حيث يتم فقدان أو هدر ثلث الطعام المنتج، ووفقًا لتقرير مؤشر نفايات الأغذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021، يهدر الناس، على مستوى العالم، مليار طن من الطعام سنوياً، وهو ما يمثل حوالي من 8 إلى 10% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
ثامناً: ارتداء ملابس “ذكية بيئياً”، حيث تمثل صناعة الأزياء ما بين 8 إلى 10% من انبعاثات الكربون العالمية، أي أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين، وقد تسببت أنماط “الموضة السريعة” في نشر ثقافة التخلص من الملابس التي ينتهي بها الحال، سريعاً، إلى مكبات النفايات، ويمكن تغيير هذا النمط من السلوك من خلال شراء عدد أقل من الملابس الجديدة وارتدائها لفترة أطول.
تاسعاً: زراعة المزيد من الأشجار، مع العلم أنه في كل عام، يتم تدمير ما يقرب من 12 مليون هكتار من الغابات، وتعد إزالة الغابات، إلى جانب الزراعة والتغيرات الأخرى في استخدام الأراضي، مسؤولة عما يقرب من 25% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ويمكن عكس هذا الاتجاه، من خلال زراعة الأشجار، إما بشكل فردي أو كجزء من مجموعة.
عاشراً: الاستثمارات الصديقة للكوكب، ويمكن للأفراد أيضاً تحفيز التغيير من خلال مدخراتهم واستثماراتهم، عن طريق اختيار المؤسسات المالية التي لا تستثمر في الصناعات الملوثة للكربون، وهناك العديد من المؤسسات المالية تقدم بالفعل المزيد من الاستثمارات الأخلاقية.
ممارسات فردية لخفض البصمة الكربونية بالمنازل
هناك مجموعة من الإجراءات الفردية، يمكنها أن تحدث تغييراً إيجابياً لتقليل البصمة الكربونية، ينصح بها خبراء البيئة والمناخ، يقوم بها الشخص أثناء تواجده في المنزل، تبدأ من مرحلة التفكير في شراء العقار، وحتى الممارسات اليومية، منها:
التخطيط الجيد عند شراء العقار: ويتمثل ذلك في اختيار المباني جيدة التهوية، لتقليل الاعتماد على أجهزة التكييف، واختيار المباني جيدة الإضاءة الطبيعية لعدم الاعتماد على الإضاءة الكهربائية طوال الوقت، وترشيد استخدام الطاقة، مع توفير مساحات لزراعة الأشجار، التي تعمل على معادلة الانبعاثات.
قبل الانتقال إلى مسكن جديد: يمكن اتخاذ بعض الإجراءات، منها تحسين العزل للجدران والنوافذ والأسطح، واستخدام اللمبات الموفرة للطاقة، والحرص على شراء أجهزة عالية الجودة طويلة العمر، واختيار المنتجات المحلية، ومراجعة المعايير البيئية بالتشاور مع جمعيات حماية المستهلك قبل الشراء.
وأثناء التواجد في المنزل: يجب الحرص على تقليل استخدام أجهزة التكييف عند الضرورة، مع الاعتماد على التهوية الطبيعية، واتباع آليات فصل المخلفات من المنبع للاستفادة من إعادة تدويرها وعدم ذهابها للمدافن لتوليد غاز الميثان، والحد من استهلاك اللحوم، والاعتماد على المنتجات العضوية، والشرب من مياه الصنبور الآمنة، لتقليل استخدام العبوات البلاستيكية.
ومن الممارسات اليومية التي يمكن أن تساعد في تقليل البصمة الكربونية للأفراد: تشغيل الغسالة في غير أوقات الذروة، واستخدام الدش بدلاً من ملء حوض الاستحمام، وإيقاف تشغيل الأجهزة الكهربائية عند عدم الاستخدام، والتأكد من نزع القابس الخاص بها، والحرص على تغطية الأوعية المستخدمة في تسخين المياه، وتجميع مياه الأمطار، إن أمكن، لاستخدامها في ري النباتات.
نصائح للحد من الانبعاثات في أماكن العمل
بالنسبة لقطاع الأعمال والاستثمار: يمكن التوسع في الاستثمارات الموجهة لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، والاستثمار في إنتاج بدائل الوقود الأحفوري مثل استخدام المخلفات البلدية أو الزراعية، والاستثمار في زراعة الغابات الشجرية التي تعمل على التخفيف من أو التكيف مع التغيرات المناخية، والاستثمار في استخدام تكنولوجيات الإنتاج الأنظف والتحكم في التلوث الصناعي.
ويمكن للعاملين والموظفين في أماكن العمل المختلفة القيام ببعض الإجراءات البسيطة: منها إيقاف تشغيل أجهزة الكمبيوتر عند انتهاء العمل أو أثناء استراحة الغداء، وإيقاف تشغيل الطابعات وآلات النسخ ليلاً مع التأكد أنها ليست في وضع الاستعداد، طباعة الأوراق عند الضرورة فقط، وتشجيع المشتريات البيئية.
وعلى مستوى المدير التنفيذي: يُنصح بتشجيع استخدام التقنيات الموفرة للطاقة والمياه، وضع برامج للإدارة السليمة للمخلفات والنفايات، استخدام برنامج لرصد الانبعاثات خاصةً الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وضع برامج توعية للعاملين عن ظاهرة التغيرات المناخية وأسبابها وكيفية الحد من تداعياتها، وضع برامج للتخفيف من أو التكيف مع تغير المناخ، في حالة ما إذا كانت المؤسسة لها دور في ذلك.
ممارسات صديقة للبيئة والمناخ خارج المنزل
وتتمثل الممارسات الصديقة للبيئة، التي يمكن للأفراد الحرص عليها خارج المنزل ومؤسسات الأعمال، أو على طرقات السفر، بالنسبة لرجال الأعمال المسافرين: التأكد من أن السفر لغرض ضروري، تشجيع عقد المؤتمرات والاجتماعات بواسطة الفيديو كونفرانس أو تقنيات التواصل عبر الإنترنت، والحرص على اختيار وسائل السفر الأقل إنتاجاً للانبعاثات إن أمكن.
وعند الذهاب إلى المكاتب ومؤسسات الأعمال: تشجيع استخدام وسائل النقل العام، استخدام الدراجة الهوائية أو سيراً على الأقدام كلما كان ذلك ممكناً، استخدام السيارة الخاصة في حالة عدم وجود خيارات أخرى، وتنظيم مجموعات للتشارك في السيارات أثناء الذهاب والعودة من العمل.
وبالنسبة للسائقين بشكل عام: يجب الحد من السرعة عند القيادة، والحفاظ على السيولة المرورية، واحترام حقوق المشاة وسائقي الدراجات، واستبدال السيارات القديمة إن أمكن، وتجنب استخدام سيارات الدفع الرباعي داخل المدن، نظراً لأنها تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
أما بالنسبة للمسافرين بغرض الترفيه: يجب الحرص على تقليل مرات السفر واختيار الأماكن الأكثر قرباً، واستخدام وسائل النقل الجماعي عند السفر، والحد من استخدام الطائرات والسيارات.