مصر تدعو لدعم أفريقيا بمواجهة تحديات المناخ وألمانيا تتعهد بـ«الحياد الكربوني»

في إطار الاستعدادات الجارية للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27)، المقرر عقدها في مدينة شرم الشيخ، في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر المقبل، جاءت دورة هذا العام من «حوار بطرسبرج للمناخ»، الذي يجري تنظيمه في ألمانيا سنوياً، برئاسة مشتركة مع الدولة التي تستضيف مؤتمر قمة المناخ.

وجرت فعاليات دورة «حوار بطرسبرج للمناخ» لعام 2022 في العاصمة الألمانية برلين، على مدار يومين، برئاسة كل من المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بحضور وزراء وممثلين لنحو 40 دولة من مختلف أنحاء العالم، للاتفاق على الخطوات المستقبلية من أجل مواصلة المضي قدماً في مكافحة التغيرات المناخية.

وبينما يحذر خبراء من «فوات الأوان» أمام جهود الحد من الاحتباس الحراري، وجه الرئيس المصري، الذي تستعد بلاده لاستضافة قمة المناخ بعد نحو 3 أشهر، دعوة إلى المجتمع الدولي، حث فيها على تقديم الدعم للدول الأفريقية لمساعدتها على التعامل مع التحديات التي يتسبب فيها التغير المناخي، الذي وصفه بأنه بات يمثل تهديداً وجودياً للكير من الدول والمجتمعات على مستوى العالم.

وأكد الرئيس المصري، خلال كلمته في افتتاح الجلسة رفيعة المستوى لحوار بطرسبرج للمناخ، أن القارة الأفريقية تتأثر بالتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية على نحو يفوق غيرها من المناطق، وذلك بالنظر إلى مجموعة من العوامل، لعل منها خصوصية وضعها، ومحدودية قدرتها على التعامل مع الأزمات، وضعف حجم التمويل المتاح لها للتغلب على تلك الصعاب.

وقال «السيسي»، في كلمته: «لقد جاءت أزمتا الغذاء والطاقة الأخيرتين لتفاقما من حجم التحديات التي يتعين على الدول الأفريقية مواجهتها، إلى جانب ما يمثله تغير المناخ من تهديد حقيقي لدول القارة، التي تعاني من التصحر، وندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، والسيول، وغيرها من الأحداث المناخية القاسية، التي أصبحت تحدث بوتيرة أكثر تسارعاً، وبتأثير أشد من ذي قبل».

وشدد على ضرورة بذل كافة الجهود الممكنة لدعم دولنا الأفريقية، وتمكينها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، وتحقيق التنمية الاقتصادية المتسقة مع جهود مواجهة تغير المناخ والحفاظ على البيئة، وذلك من خلال مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والتنموية لكل دولة، لافتاً إلى أن دول القارة قطعت خطوات واسعة نحو توليد الطاقة من الشمس والرياح، وإنتاج الهيدروجين الأخضر.

كما تحدث الرئيس المصري عن الاستعدادات الجارية لاستضافة مؤتمر قمة المناخ (COP-27)، مؤكداً أن مؤتمر هذا العام يأتي في سياق عالمي، يتسم بتحديات متعاقبة، تأتي في مقدمتها أزمة الطاقة العالمية الراهنة، وأزمة الغذاء التي تعاني الكثير من الدول النامية من تبعاتها، فضلاً عن تراكم الديون، وضعف تدفقات التمويل، والتأثيرات السلبية لجائحة كورونا، بالإضافة إلى المشهد السياسي المعقد الناجم عن الحرب في أوكرانيا، مؤكدا أن «هذا يضع على عاتقنا مسؤولية جسيمة كمجتمع دولي، لضمان ألا تؤثر هذه الصعوبات على وتيرة تنفيذ رؤيتنا المشتركة لمواجهة تغير المناخ».

وتعهد «السيسي» بألا تدخر مصر جهداً في سبيل إنجاح قمة المناخ، من خلال توفير البيئة المناسبة الجامعة لكافة الأطراف من الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني وغيرها، بهدف تحقيق تقدم حقيقي على مختلف المسارات، وضمان الخروج بنتائج شاملة تساهم في إبقاء هدف الـ1.5 درجة مئوية في المتناول، وفي وضع العالم على الطريق الصحيح، نحو تنفيذ أهداف باريس، ومقررات قمم المناخ المتعاقبة.

ومن جانبه، حذر المستشار الألماني أولاف شولتس، في كلمته أمام «حوار بطرسبرج للمناخ»، مما وصفها بـ«زيادة عالمية في استخدامات مصادر الطاقة الأحفورية»، نتيجة أزمة نقص إمدادات الغاز، الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، إلا أنه شدد على قوله إن «الحرب الروسية زادت من عزمنا على تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2045».

وقال المستشار الألماني إنه «لا يمكن لأحد أن يرضى بأن تزيد حصة الطاقة المولدة من الفحم مرة أخرى، ومن المهم الآن أن نوضح شيئاً واحداً، أن هذا الأمر إجراء طارئ لفترة محدودة، ولن يكون على حساب أهدافنا المناخية»، مؤكداً أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على الاستثمارات في البنية التحتية للغاز، التي يجب أن تتماشى مع هدف تحقيق «الحياد الكربوني» في ألمانيا، وفي جميع أنحاء العالم في المستقبل.

وتابع بقوله: «على وجه التحديد، هذا يعني أننا لا ندعم أي اعتمادات جديدة ودائمة على مصادر الطاقة الأحفورية، لا هنا في ألمانيا أو في البلدان المنتجة»، وأضاف أنه «إذا لم يتصرف العالم بشكل أسرع وأكثر حسماً واتحاداً بشأن حماية المناخ، فلن يكون من الممكن تمكين الأجيال القادمة من عيش حياة كريمة»، معرباً عن توقعه أن يزيد عدد سكان العالم بمقدار ملياري شخص، عما هو عليه اليوم، في غضون 30 عاماً.

أما وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، فقد دعت المجتمع الدولي إلى بذل جهود مشتركة ومكثفة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، التي يتسبب فيها الإنسان، وقالت إن «أزمة المناخ تمثل الآن أكبر مشكلة لجميع سكان الأرض، حيث أنها لا تتوقف عند الحدود، ولذلك لا يجب أن تتوقف الحلول عند أي حدود»، وأكدت أن الهدف المشترك هو «احتواء أكبر تهديد» على المستوى الدولي، وعلى نحو مشترك.

وأشارت الوزيرة الألمانية إلى أن بلادها ستضطر إلى إعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، كإجراء «احتياطي طارئ»، على حد وصفها، وأكدت في المقابل، أن هذا لا يعني تخلي ألمانيا عن هدف الحد من زيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض عن 1,5 درجة مئوية، وقالت: «هذا لا يعني أيضاً أننا نتباطأ في سعينا لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة».

ومن جانبه، دعا وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، إلى الوفاء بالأهداف المناخية المتفق عليها، مشيراً الى أنه لا يجب استخدام الوضع الحالي في العالم كذريعة لعدم الوفاء بالالتزامات السابقة، خاصةً فيما يتعلق بدعم الدول النامية، التي تعاني من التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية أكثر من غيرها.

وتحدث «شكري» عن توترات جيوسياسية غير مسبوقة، من شأنها أن تؤثر على الأمن الغذائي والموثوقية في سلاسل التوريد الدولية، مؤكداً أنه من المهم في الأوقات المضطربة الحالية «التصرف بسرعة، وضمان بقاء حماية المناخ على رأس جدول أعمال الدول»، وإذا لم تقم دول العالم بزيادة أهدافها المناخية الآن، فلن يكون هدف الـ1.5 درجة في المتناول.

وكذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى مزيد من التعاون لمواجهة أزمة المناخ المتفاقمة، وقال في رسالة مصورة، أمام الجلسة الافتتاحية لـ«حوار بطرسبرج للمناخ»، إن «أكثر ما يقلقني هو أننا غير قادرين على العمل معاً كمجتمع متعدد الأطراف، في مواجهة هذه الأزمة العالمية»، وأضاف أنه بدلًاً من تحمل المسؤولية، استمرت بعض الدول في توجيه أصابع الاتهام إلى دول أخرى، وحذر من تبعات ذلك بقوله: «لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال».

واختتم أمين عام الأمم المتحدة رسالته بقوله إنه «من أجل إبقاء الأهداف المناخية المتفق عليها حية، وخلق مجتمعات قادرة على التكيف مع المناخ، يجب استعادة الثقة، واتخاذ الإجراءات على نحو مشترك»، معرباً عن توقعه أن تضطلع دول مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، بدور حيوي في هذه القضية، وقال في هذا الصدد: «لدينا خيار، إما أن نتصرف سوياً، أو ننتحر سوياً».