منذ الإعلان عن تفشي جائحة «كوفيد-19» نهاية عام 2019، سقط ملايين الأطفال ضحايا للجوع، وهو الأمر الذي يزداد سوءاً في ظل حدوث ظاهرة «إل نينو»، التي تحدث بشكل طبيعي، وتؤدي إلى أنماط غير معتادة لهطول الأمطار الاستوائية، وتعطل دوران الغلاف الجوي، مما يسبب أحداثاً مناخية متطرفة في مختلف أنحاء العالم.
ووفق دراسة نشرت نتائجها على موقع «للعلم»، النسخة العربية من مجلة العلوم الأمريكية «ساينتفك أمريكان»، فإن حدوث ظاهرة «إل نينو» لمرة واحدة بشكل سيئ، يؤدي إلى معاناة نحو 6 ملايين طفل من سوء التغذية، ويقارب هذا العدد ما لا يقل عن 70%، وقد يصل إلى نحو ثلاثة أضعاف، من عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع بسبب وباء كورونا.
يقول أمير جينا، الأستاذ المساعد بكلية «هاريس» للسياسات العامة بجامعة شيكاغو، وأحد مؤلفي الدراسة، في البيان الصحفي المُصاحب للدراسة، إن التنبؤ بجائحة عالمية يُعد أمراً شديد الصعوبة، لكن الأمر يختلف بالنسبة لظاهرة «إل نينو»، التي تترك أثراً أكبر بكثير على نمو الأطفال وصحتهم على المدى البعيد.
وبحسب أستاذ السياسات العامة، فإنه يمكن للعلماء التنبؤ بقرب حدوث الظاهرة قبل وقوعها بستة شهور، ما يتيح للمجتمع الدولي التدخل لمنع العواقب المؤسفة، وفي هذا الصدد، تساعد الدراسة في تحديد حجم هذه التأثيرات على تغذية الأطفال، لتوجيه الاستثمارات العامة العالمية للمناطق غير المؤمَّنة غذائياً.
يقدم الباحثون أول تقييم لتأثيرات ظاهرة «إل نينو» على تغذية الطفل عبر المناطق المدارية العالمية؛ إذ قاموا بجمع بيانات أكثر من مليون طفل على مدى أربعة عقود من جميع مناطق الدول النامية، وهى مجموعة بيانات تمثل نحو نصف عدد الأطفال دون الخامسة، الذين يصل عددهم الى أكثر من 600 مليون طفل على مستوى العالم.
وأظهر التحليل أنه كلما كانت ظاهرة «إل نينو» أكثر دفئاً وأكثر جفافاً، ارتفعت نسبة سوء التغذية لدى الأطفال فى هذه المناطق المدارية، وذلك في الوقت الذي يعاني فيه 20% من الأطفال من نقص الوزن الشديد، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وقد ارتفعت هذه النسبة بنحو 2.9% خلال سنوات «إل نينو»، الأمر الذي أثر سلبياً على ملايين الأطفال.
خلال ظاهرة “إلنينو” الشديدة فى عام 2015، قفز عدد الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن الشديد بنسبة 6%، ما يعني أن هناك نحو 6 ملايين طفل جديد يتجهون إلى دائرة الجوع، ورغم أن الأطفال قد يستعيدون وزنهم الطبيعي بمرور الوقت، الا أن صدمة الجوع التي يتعرضون لها في سنٍّ صغيرة تترك بصماتها على نموهم فتعوقه في السنوات التالية.
من جهته، يقول جوردون ماكورد، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بكلية السياسة والاستراتيجية العالمية في جامعة كاليفورنيا سان دييجو، إنه من المفهوم منذ فترة طويلة في أدبيات الطب والصحة العامة والاقتصاد أن نقص تغذية الأطفال له أيضاً عواقب طويلة المدى، منها قصر القامة عند بلوغ مرحلة الشباب، وانخفاض النمو الذهني، وقلة الإنتاجية الاقتصادية، ونقص وزن المواليد.
وتشير الدراسة إلى أهداف التنمية المستدامة، التي يُفترض تحقيقها بحلول 2030، ومنها سعي المجتمع الدولي للقضاء على جميع أشكال سوء التغذية، ويستلزم ذلك انتشال نحو 6 ملايين طفل من براثن الجوع الشديد سنوياً، ومع بقاء أقل من 10 سنوات على تحقيق هذا الهدف، فإن ظاهرة «إل نينو» تسببت في محو عام من التقدم فى هذا المجال، ولتعويض التأثيرات الناجمة في 2015، يجب توفير مكملات المغذيات الدقيقة لنحو 134 مليون طفل، أو توفير الطعام لعدد 72 مليون طفل يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
يقول «ماكورد» إنه طالما أن العلماء يستطيعون تحديد الأماكن التي تشهد الجفاف والأماكن التي تصيبها الفيضانات قبل شهور من حدوث ظاهرة “إلنينو”، يجب أن يتصرف المجتمع الدولي بشكل استباقي لمنع ملايين الأطفال من الوقوع فى براثن نقص التغذية، إنها مأساة حقيقية أن نشهد في القرن الحادي والعشرين هذا العدد الضخم من البشر مدفوعًا باتجاه أوضاع قهرية بفعل ظواهر مناخية يمكن التنبؤ بها.
ويقول جيسي إنتيل-هيو، الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد بجامعة سان فرانسيسكو، والمتخصص في التنمية المستدامة، إن هذه الأحداث المناخية الروتينية تقود العالم إلى كارثة، وتكشف دراسة ظاهرة «إل نينو» للعلماء، التأثيرات الناجمة عن الطقس الأكثر سخونةً وجفافاً، وهي دروس مهمة، خاصةً وأن هذه التغيرات أصبحت عالمية النطاق مع تغير المناخ.
يضيف «هيو» أن حدوث ظاهرة «إل نينو» كل بضع سنوات، والتكهن بها، وعدم الاستعداد لها، من العلامات السيئة؛ لأن العديد من هذه التحولات المناخية، من موجات الحرارة المعزولة إلى الأعاصير، ستكون أقل قابليةً للتنبؤ بها مع تغير المناخ.