دعوات للشراكة بين الإعلام والمجتمع المدني وتعزيز صمود المحليات في مواجهة «عدو خفي»
نقص التمويل أبرز التحديات ودمج مفاهيم الحد من المخاطر ضمن أنشطة القطاعات التنموية
في إطار الشراكة بين الشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد» والشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث، شهد العام الماضي عقد 4 اجتماعات تنسيق وطنية في كل من مصر والأردن ولبنان وموريتانيا، لاستعرض استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، كان آخر هذه الاجتماعات في القاهرة، منتصف ديسمبر 2020، وهو الاجتماع الذي حظي برعاية وزارة البيئة، حيث جرى عقده بمقر بيت القاهرة، بحضور لفيف من الخبراء والمختصين في قطاعات العمل المعنية، وعدد من الإعلاميين وممثلي منظمات المجتمع المدني.
استهل الدكتور عماد الدين عدلي، المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية، فعاليات الاجتماع بالتأكيد على الشراكة القوية التي تربط بين «رائد» والشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من مخاطر الكوارث (GNDR)، منذ نشأتها في عام 2007، ثم عرض نظرةً عامة على الشبكة العالمية وأهدافها، مشيراً إلى أنها تضم ما يزيد على 800 منظمة من أكثر من 129 دولة، كما تحدث عن طبيعة علاقتها مع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، قبل أن يسلط الضوء على المجموعة الاستشارية الإقليمية، وطبيعة دورها وأهدافها على المستوى الإقليمي.
وتطرق «عدلي» إلى الغايات والمبادئ التوجيهية العامة التي تم اعتمادها ضمن «إطار سينداي» للحد من مخاطر الكوارث للفترة بين 2015 و2030، قبل أن يبدأ في استعراض الاستراتيجية الجديدة للشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث على مدار 5 سنوات، خلال الفترة بين 2020 و2025، والتي جاءت بعنوان «قيادة محلية من أجل تأثير عالمي»، مشيراً إلى أن هناك 6 عوامل محركة، يمكن اعتبارها الدوافع الرئيسية للمخاطر، تشمل تغير المناخ، والصراعات، وعدم المساواة بين الجنسين، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، والتوسع الحضري، والنزوح القسري.
وعرضت غادة أحمدين، مدير برامج الشبكة العربية للبيئة والتنمية، التقرير السنوي للشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث للعام الماضي (2019 – 2020)، حيث سلطت الضوء على مساهمة الشبكة العالمية في «إطار سينداي»، وأهداف التنمية المستدامة، كما أشارت إلى مشروع «آراء من خط المواجهة»، الذي تشارك «رائد» في تنفيذه منذ إطلاقه عام 2009، بهدف تعزيز عمليات الإدماج والتعاون المنهجي بين السلطات المحلية والمجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر، بمشاركة فئات المجتمع المدني المختلفة، في تصميم وتنفيذ سياسات وممارسات تسهم في الحد من مخاطر الكوارث، وزيادة مرونة تلك المجتمعات.
وبعد ذلك، ألقى ممثل جامعة الدول العربية، محمد حمودة، كلمة نيابةً عن السفيرة شهيرة وهبي، رئيس قسم استدامة الموارد والشراكات بجامعة الدول العربية، تطرق فيها إلى الجهود المبذولة للحد من مخاطر الكوارث على المستوى الإقليمي في المنطقة العربية، وجهود تنفيذ «إطار سينداي»، واعتبر أن الاجتماع يمثل فرصة جيدة لتعزيز دور منظمات المجتمع المدني في بناء القدرات للتعامل مع مخاطر الكوارث، وتعزيز المرونة والقدرة على التكيف، خاصةً في ضوء التغيرات المناخية، التي أصبحت ملموسة في المنطقة العربية، وبما يسهم في تنفيذ الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث.
وأضاف أن جامعة الدول العربية تهتم بالحد من مخاطر الكوارث على المستوى العربي، تماشياً مع أهدافها ودورها كمنظمة عربية إقليمية، تساهم في تنفيذ الأطر الإقليمية والدولية، لذلك فقد سعت إلى إدراج الحد من مخاطر الكوارث في السياسات العربية المتعلقة بالتنمية المستدامة وتغير المناخ، من أجل تعزيز القدرة على الصمود في وجه الكوارث، وتقليل المخاطر ونقاط الضعف، وقد أدى ذلك إلى قيام جميع الدول العربية بوضع ورصد استراتيجيات وطنية للحد من مخاطر الكوارث، تنفيذاً للاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2030، التي أقرتها القمة العربية وفقاً لقرارها رقم 733 لعام 2018.
وأوضح «حمودة» أن الاستراتيجية العربية للحد من الكوارث تمثل جسراً بين «إطار سينداي» والاستراتيجيات الوطنية، حيث تسهم في تحقيق الانسجام والتكامل في تطبيق الإجراءات، وفي التقييم والمتابعة، على المستويين الإقليمي والوطني، مشيراً إلى تم الاعتماد على نهج شراكة أصحاب المصلحة، ليتم تنفيذه من خلال برنامج عمل تتم مراجعته كل عامين، وأضاف أن جامعة الدول العربية تبنت هذا النهج التشاركي، إيماناً منها بأن الشراكات تسهم في تغيير السلوك والأعراف وأنظمة القيم المجتمعية والفردية، بالإضافة إلى التغيير في المؤسسات الحكومية والسياسات العامة والتشريعات المتعلقة بها.
وبينما تطرق إلى تحديث آلية التنسيق العربية للحد من مخاطر الكوارث، باعتبارها الإطار المؤسسي للحد من مخاطر الكوارث في المنطقة، فقد أكد أنه تم تضمين المجتمع المدني في عضوية آلية التنسيق، وتم تحديد مسؤوليات الدول والمنظمات العربية المتخصصة ذات الصلة، وجميع أصحاب المصلحة والشركاء، لافتاً إلى أن الجامعة تسعى إلى إدماج الحد من مخاطر الكوارث في عمل المجالس الوزارية، وبقية شركائها الإقليميين والدوليين، خاصةً مجلسي وزراء الداخلية والبيئة العرب، نظراً لأن معظم نقاط الاتصال الوطنية تندرج تحت أحد هذين المجلسين أو كلاهما.
وأشار ممثل جامعة الدول العربية إلى أن الجامعة تواصل التنسيق مع الاتحاد الأفريقي ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، للانتهاء من وضع النظام الأساسي للصندوق العربي الأفريقي للحد من مخاطر الكوارث، بغرض توفير التمويل اللازم لمواجهة تحديات الكوارث، كما تشارك الجامعة العربية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو»، في إعداد «أطلس إقليمي» للمخاطر الطبيعية والجيولوجية في المنطقة العربية، معرباً عن تطلع الجامعة إلى تعظيم دور المجتمع المدني في إثراء هذه الوثيقة، لتعزيز قدرات الدول العربية على التعامل مع مثل هذه الكوارث.
ثم تحدث الدكتور طارق محمدين، ممثل قطاع إدارة الأزمات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، برئاسة مجلس الوزراء، عن الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث، مشيراً إلى أن الاستراتيجيات والخطط الوطنية في مجال إدارة الأزمات والكوارث، يجري إعدادها وتحديثها من خلال لجنة استشارية علمية، بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية، مؤكداً أن مصر تحرص على تبني نهج الحد من المخاطر في برامج التأهب والاستجابة والتعافي للطوارئ، مع مراعاة إدراج النساء والأطفال ومتحدي الإعاقة والشباب، وجميع الفئات المهمشة، في هذه البرامج، في ظل تزايد المخاطر والتهديدات.
وأضاف «محمدين» أن عملية تحديث وبناء قواعد البيانات الخاصة بإدارة الطوارئ، وخرائط المخاطر، يجري تحديثها حالياً، من قبل لجان مصرية وطنية، وبإمكانيات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، مع مراعاة الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال، وذلك في إطار شامل يرصد جميع الحوادث المحتمل حدوثها في مختلف محافظات الجمهورية، من خلال مجموعة من المؤشرات والبيانات، بحيث يجري تصنيف كل حادث من حيث درجة خطورته، ووضع الآليات الأمثل بشأن كيفية التعامل معه، وفق السيناريوهات المعدة مسبقًاً.
كما تحدث الدكتور أيمن عبد الواحد، رئيس الإدارة المركزية للأزمات والكوارث بوزارة البيئة، عن جهود الوزارة في الحد من مخاطر الكوارث على المستوى الوطني، وخاصةً فيما يتعلق بالربط بين الحد من مخاطر الكوارث وتغير المناخ، واستعرض عدداً من المشروعات التي قامت وزارة البيئة بتنفيذها، بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية، للتصدي للتحديات التي تواجهها مصر، وأكد على التزام مصر بكافة المعاهدات الدولية، وحرصها على تقديم تقاريرها الوطنية إلى كافة الهيئات الدولية بانتظام.
وبعد استعرض استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية، دارات مناقشة عامة بين المشاركين في الاجتماع التنسيقي، أشادوا خلالها بالجهود المبذولة على المستويين الإقليمي والوطني، وشددوا على أهمية زيادة الوعي والتثقيف، وتعزيز صمود المجتمعات المحلية تجاه الحد من مخاطر الكوارث، خاصةً في هذه الآونة، التي يخوض فيها العالم حرباً مع «عدو خفي وقاتل»، يتمثل في «جائحة كورونا»، التي طالت تداعياتها جميع شرائح السكان في كافة أنحاء العالم، وبشكل خاص الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة.
كما أكد المشاركون أن مصر كانت من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات احترازية مبكرة، لمنع انتشار الفيروس على نطاق واسع، كما لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في توعية المجتمعات المحلية تجاه اتخاذ التدابير الاحترازية، وتحدث ممثلو بعض الجمعيات الأهلية عن مبادرات قاموا بتنفيذها لتخفيف تداعيات الجائحة على السكان المحليين، وأجمع غالبية الحضور على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في الحد من مخاطر الكوارث، من خلال عقد دورات تدريبية للإعلاميين، وتعزيز الشراكة بين الإعلام والمجتمع المدني في هذا الإطار.
وبرز خلال المناقشات أن مشكلة نقص التمويل تشكل أكثر التحديات إلحاحاً، وللتغلب على هذه المشكلة، في ظل عدم توافر الموارد المالية اللازمة لتنفيذ استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث، فقد دعا عدد من المشاركين إلى استخدام الموارد المتاحة من خلال الأنشطة والمشروعات الأخرى، مثل حول الزراعة والمياه وتغير المناخ والنوع الاجتماعي والتعليم، من خلال دمج مفاهيم وقضايا الحد من مخاطر الكوارث ضمن تلك الأنشطة، والعمل من أجل نشر المعلومات وتبادل الخبرات والدروس المستفادة.
وخلال الجلسة الثانية من الاجتماع، تم تقديم عرض حول كيفية الانضمام إلى عضوية الشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث، والدعم الفني الذي تقدمه سكرتارية «رائد» إلى منظمات المجتمع المدني التي ترغب في عضوية شبكة (GNDR)، وقام عدد من أعضاء الشبكة العالمية بمشاركة غير الأعضاء خبراتهم، وفوائد كونهم أعضاء في الشبكة، وكيف استفادوا من المعرفة المكثفة والمتنوعة التي تلقوها من الأمانة العامة والأعضاء الآخرين في بلدان مختلفة، خاصةً خلال القمة العالمية الرقمية للشبكة العالمية للحد من الكوارث لعام 2020، التي عقدت خلال الفترة بين 6 و22 أكتوبر الماضي.
كما عرض آخرون فوائد المشاركة في مشروع «آراء من خط المواجهة» (VFL) خلال العام الماضي، 2019 – 2020، والذي قامت الشبكة العربية للبيئة والتنمية بتنفيذه في 3 مناطق إقليمية، تشمل محافظتي الفيوم وكفر الشيخ وإقليم القاهرة الكبرى، بالتعاون مع المنظمات الشريكة في المناطق المستهدفة، وكيف ساعد هذه المشروع في تعزيز النهج التشاركي والحوكمة الأفضل، في مواجهة تحديات الحد من مخاطر الكوارث في تلك المجتمعات.
وفي نهاية المناقشات، اتفق المشاركون على مجموعة من التوصيات بشأن الخطوات المستقبلية لخطة العمل للعام الجديد 2021، والتي تُعد استمراراً لما تم تنفيذه خلال العام الماضي، حيث تضمنت التوصيات 3 محاور رئيسية، حيث تضمن المحور الأول إقامة شراكات فعالة، من خلال تعزيز التعاون والتنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية مثل «اليونسكو»، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، والشبكة الإقليمية للأمن المناخي، التي تم إنشاؤها مؤخراً من قبل المجلس العربي للمياه.
وتضمن المحور الثاني من التوصيات التثقيف والتوعية وبناء القدرات، من خلال مجموعة من الاقتراحات، تشمل تعزيز التعاون مع الجامعات والمدارس والمؤسسات الأكاديمية، فيما يتعلق بقضايا الحد من مخاطر الكوارث، وأهمية وجود مبادئ توجيهية مبسطة للحد من مخاطر الكوارث لجميع القطاعات المستهدفة، وخاصة أثناء التعامل مع «جائحة كورونا»، وقيام قطاع الأزمات والكوارث في مركز دعم واتخاذ القرار بتقديم المساعدة الفنية وبناء القدرات لمنظمات المجتمع المدني النشطة في مجال الحد من مخاطر الكوارث، وكذلك الاستمرار في برامج التثقيف والتوعية للنساء والمعاقين والشباب، ومواصلة تبادل الخبرات والدروس المستفادة والمطبوعات وأفضل الممارسات.
أما المحور الثالث من التوصيات، فقد تركز على دعوة مختلف شركاء التنمية للمساعدة في بناء قدرات المجتمعات المحلية وتعزيز صمودها للحد من مخاطر الكوارث، وذلك من خلال زيادة مشاركة منظمات المجتمع المدني في اللجان المحلية للأزمات المنشأة في كل محافظة، ودمج مفاهيم وأنشطة الحد من مخاطر الكوارث ضمن الأنشطة الحالية ذات الصلة، وتحقيق مشاركة قوية في الأحداث الوطنية والإقليمية والعالمية، فضلاً عن استهداف القطاع الخاص للقيام بمسؤولياته الاجتماعية للحد من مخاطر الكوارث.