تأثير التغيُّر المناخي على كوكب الأرض لن يكون على الهواء فقط، أو حتى على المياه، لكنه سيصل كذلك إلى سُبل العيش الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وستكون قمة غلاسكو التي تنطلق هذا الأسبوع، أفضل فرصة للعالم، لمناقشة التداعيات الاقتصاديّة لظاهرة الاحتباس الحراري، وإبقائها عند 2 درجة مئوية، حيث من المنتظر أن تشارك في أعمال القمة 200 دولة وقعت على اتفاقية باريس لعام 2015.
صفر انبعاثات
وبحسب تقارير ودراسات واستطلاع رأي أجرته وكالة «رويترز» البريطانية، فإن التباطؤ في حلول تغيُّر المناخ وخفض انبعاثات الكربون، حتى الوصول لهدف «صفر انبعاثات»، سيرفع تكلفة الوصول بحلول عام 2050، وسيحتاج من 2 إلى 3% من الناتج العالمي كل عام، إلا أن الـ2 أو الـ3% من الناتج العالمي تُعد أفضل وأقل بكثير من التكلفة الاقتصادية للتباطؤ والتقاعس عن وجود حلول فورية وجذرية لتغيُّر المناخ.
ووفقاً لنتائج ذلك الاستطلاع، فإن هذا التحول يعتمد على وفاء الدول الغنية بوعودها لمساعدة الدول النامية، والعمل على إحراز تدابير لتحديد سعر عالمي للكربون، لا يقل عن 100 دولار، وتعمل العديد من دول العالم على مكافحة الآثار الجانبية المحتملة للاحتباس الحراري العالمي، ما بين الفيضانات والحرائق إلى الصراع والهجرة والنزوح الداخلي.
وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أنّ الاحتباس الحراري، غير المرصود، سيقلل 7% من الناتج العالمي بحلول عام 2100، ويأتي ذلك على عكس تقارير البنوك المركزية العالمية، التي تشير إلى أن الاحتباس الحراري غير المرصود، سيقلل من الناتج العالمي بما يصل إلى 13%.
الفقر المدقع
إلا أن السؤال الأكثر أهمية، الذي يفرض نفسه بقوة: ما هي الدول التي ستتأثر أكثر بتغير المناخ؟، والإجابة الواضحة على ذلك تجزم بأنها دول العالم النامي، خاصةً وأن أكثر الفقراء في العالم يعيشون في المناطق المدارية أو المنخفضة، التي تعاني بالفعل من آثار تغير المناخ، كالجفاف أو ارتفاع مستويات سطح البحر.
وما يزيد الأمر تعقيداً وصعوبةً بالنسبة للبلدان الفقيرة، هو أن هذه البلدان نادراً ما تمتلك الموارد اللازمة لتخفيف الأضرار، لذلك فخسائر الإنتاج الإجمالية تصل إلى 15%، في معظم أنحاء آسيا وأفريقيا، وترتفع إلى 20% في البلدان الساحلية.
ولن يتوقف الأمر عند ذلك، حيث أنه بحلول عام 2030 سيدفع تغير المناخ، بحسب دراسة للبنك الدولي العام الماضي، نحو 132 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع في مختلف أنحاء العالم، وستتأثر حياة الأشخاص حول العالم من خلال مجموعة من العوامل، منها خسارة الدخل الزراعي، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع الإصابات بالأمراض، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ.
وطبقاً للنظريات الاقتصادية، فإن إحدى نتائج تغير المناخ هو التضخم، بحيث سيتسبب في ارتفاع الأسعار على نطاق واسع ودائم في جميع مجالات الاقتصاد، حيث من المرجح أن يؤدي تلوُث الوقود الأحفوري لارتفاع الأسعار، فيما حذرت دراسة للبنك المركزي الأوروبي من أن عدم اتخاذ أي تدابير احترازية أو وقائية قد يؤدي للتضخم، حيث سترتفع أيضاً أسعار المواد الغذائية بسبب الظواهر الجوية الخطرة، ونقص الأراضي بسبب التصحر، وارتفاع منسوب مياه البحر.
اللحظة الأخيرة
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء البريطانية، فإن النمو المستدام، أو الاقتصاد الأخضر، يمكن أن ينمو ويزدهر دون الحاجة إلى إضافة مزيد من الانبعاثات؛ إلا أنه حتى الآن، فإن تحقيق معدلات نمو مرتفعة تبقى له الأولوية على خفض الانبعاثات، وهذا هو السبب في استمرار ارتفاع الانبعاثات العالمية في الوقت الحالي.
وأعلنت هيئات دولية، منها الاتحاد الأوروبي، فكرة «الانتقال العادل»، وتعني الانتقال إلى «صفر كربون»، بشرط عدم تأثُّر الفئات ذات الدخل المنخفض، ووعدت الدول الغنية، المسؤولة عن معظم الانبعاثات منذ ثوراتها الصناعية، بمساعدة البلدان النامية، من خلال تحويل 100 مليار دولار سنوياً، إلا أنّه لم يتم الوفاء بهذا الوعد حتى الآن.
ويحتاج النظام المالي العالمي للحماية ضد المخاطر الاقتصادية لتغير المناخ، والاضطرابات التي يحتمل أن تحدث أثناء الانتقال إلى «صفر كربون»، وعلى الرغم من تلك النظرة التشاؤمية، إلا أن العمل المبكر دائماً أفضل، حيث تشير التوقعات إلى أن البداية المبكرة ستوفر مكاسب صافية صغيرة، بفضل الاستثمارات الكبيرة اللازمة في البنية التحتية الخضراء، مع تحذيرات من خسائر في الإنتاج تصل إلى 3 في المائة، في سيناريوهات الانتقال في اللحظة الأخيرة.
140 تريليون دولار
ويُقدر رئيس الاقتصاد الكلي لتغير المناخ في «أكسفورد إيكونومكس»، جيمس نيكسون، المبلغ التراكمي للاستثمارات المطلوبة في الطاقة والقطاعات الأخرى، بنحو 140 تريليون دولار بحلول عام 2050، ويشير مسار التدرج المعتاد لتغير المناخ، إلى ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.6 درجة مئوية في عام 2030، و2.4 درجة مئوية في عام 2050، و4.4 درجة مئوية بحلول عام 2100، وهذا التدرج سيؤدي إلى فقدان 2.4% من الإنتاج بحلول عام 2030، و10% بحلول عام 2050، و18% بحلول عام 2100.
في المقابل، إذا نجحت دول العالم في العمل بشكل مشترك للمحافظة على ارتفاع درجة الحرارة عند 1.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، فإن خسارة الناتج العالمي ستنخفض لـ2.0% بحلول عام 2030، و2.3% بحلول عام 2050، و2.5% بحلول عام 2100.