منذ عقد المؤتمر الأول لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP) عام 1995 في مدينة برلين بألمانيا، مرت مسيرة العمل المناخي الدولي بمحطات عصيبة، كادت أن تعيد الجهود الدولية لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية إلى مربعها الأول، أو على الأقل كان من شأنها تعطيل مسيرة العمل وإهدار الكثير مما تم تحقيقه من إنجازات في هذا الصدد.

تبرز «جسور 2030» في هذا التقرير أبرز 4 محطات عصيبة مرت بها مسيرة العمل المناخي خلال مؤتمرات الأطراف، المعروفة على نطاق واسع باسم «قمة المناخ»، باعتبارها الحدث الأكبر سنوياً، الذي يجمع الوفود الرسمية من مختلف دول العالم، إلى جانب ممثلي منظمات المجتمع المدني، وكافة الأطراف الأخرى المعنية بقضية المناخ، من مؤسسات وخبراء وأكاديميين وإعلاميين.

(COP-6).. فاصل في لاهاي ونواصل في بون

شهدت الدورة السادسة (COP-6)، التي عُقدت في مدينة لاهاي بهولندا، خلال الفترة من 13 إلى 25 نوفمبر عام 2000، خلافات حادة أثناء المفاوضات رفيعة المستوى حول القضايا الرئيسية، وفي مقدمتها تخفيض الانبعاثات الكربونية وغيرها من غازات الاحتباس الحراري، بعدما تقدمت الولايات المتحدة باقتراح يسمح لها بالاستمرار في نفس معدلاتها من الانبعاثات، مقابل تخزين الكربون في الغابات والأراضي الزراعية، كما ظهرت خلافات أخرى حول كيفية حصول الدول النامية على مساعدات مالية للتعامل مع التأثيرات الضارة التي لحقت بها نتيجة التغيرات المناخية.

وقادت كل من الدنمارك وألمانيا دول الاتحاد الأوروبي لتشكيل جبهة رفض للمقترح الأمريكي، ورغم أن الولايات المتحدة أعلنت عن حلول وسيطة، بناءً على مشاورات مع بعض الدول الأوروبية، إلا أن باقي دول الاتحاد الأوروبي تمسكت بموقفها، لتنتهي مفاوضات مؤتمر لاهاي دون اتفاق، على أن يتم استئناف المفاوضات في موعد يتم تحديده لاحقاً.

وفي منتصف عام 2001، وتحديداً خلال الفترة من 17 إلى 27 يوليو، تم عقد الجزء الثاني من الدورة السادسة لمؤتمر الأطراف (COP-6 مكرر)، في بون بألمانيا، وأحرزت المفاوضات تقدماً ضئيلاً في القضايا محل الخلافات، خاصةً وأن الرئيس الأمريكي الجديد، جورج دبليو بوش، كان قد أعلن رفض بلاده لاتفاق «كيوتو»، في مارس 2001، وبالتالي شارك وفد الولايات المتحدة في المفاوضات المتعلقة بالبروتوكول بصفة مراقب فقط، دون التعهد بأي التزامات.

(COP-21).. وقف عقارب الساعة في باريس

رغم أن الدورة 21 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP-21) في العاصمة الفرنسية باريس، خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر 2015، أسفرت عن أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، والذي يتمثل في «اتفاق باريس»، إلا أنها شهدت خلافات حادة حول الهدف من هذا الاتفاق، الذي يقر لأول مرة بحدوث «تغيرات مناخية مصدرها البشر»، كما يحمل البلدان الصناعية مسؤولية مكافحة هذه الظاهرة، بالإضافة إلى الاتفاق على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية للحد من ارتفاع درجات الحرارة.

وبينما دعت العديد من الدول الجزرية المهددة بالغرق نتيجة تغير المناخ، وغيرها من الدول النامية التي تضررت كثيراً نتيجة الأحداث المناخية المتطرفة، إلى ضرورة العمل على منع ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية، أعلى من معدلاتها قبل الثورة الصناعية، رفعت الدول الصناعية مستوى الارتفاع المسموح به في درجة الحرارة إلى درجتين، الأمر الذي كاد أن يعصف بالمفاوضات.

وقبل دقائق من موعد انتهاء المؤتمر في منتصف ليلة 11/ 12 ديسمبر، اضطرت رئاسة المؤتمر إلى وقف عقارب الساعة، حيث استمرت المفاوضات حتى الساعات الأولى من اليوم التالي، كما لجأ الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت، فرانسوا أولاند، إلى الاتصال بعدد من قادة دول العالم، بهدف التوصل إلى حل وسط يسمح بإقرار الاتفاق، الذي ينص على تجنب ارتفاع الحرارة بأكثر من درجتين، مع مواصلة الجهود الدولية للحد من ارتفاع الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.

(COP-25).. مدريد تنقذ الموقف

مرت الدورة 25 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-25) بعدة عقبات، حيث كان من المقرر عقد هذه الدورة في إحدى دول أمريكا الجنوبية، وتم اختبار البرازيل لاستضافة المؤتمر في نوفمبر 2019، إلا أن الرئيس البرازيلي المنتخب حديثاً، جايير بولسونارو، سحب عرض بلاده لاستضافة المؤتمر لأسباب اقتصادية، وبالتالي تم اختيار مدينة سانتياغو في تشيلي لاستضافة أكبر حدث دولي حول المناخ في أواخر نفس العام.

إلا أن سلسلة من الاضطرابات وأعمال عنف دامية، شهدتها تشيلي خلال شهر أكتوبر، دفعت السلطات إلى إعلان حظر تجول في البلاد، كما أعلنت انسحابها من استضافة مؤتمر قمة المناخ، قبل شهر واحد من موعد انعقادها، إلى أن توصلت الأمم المتحدة إلى اتفاق متبادل بين الحكومتين التشيلية والإسبانية على أن يتم عقد المؤتمر في مدينة مدريد، عاصمة إسبانيا، خلال الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر 2019 برئاسة تشيلي,

(COP-26).. تأجيل احترازي بسبب كورونا

ورغم أن مؤتمر أطراف اتفاقية تغير المناخ يجري عقده سنوياً، منذ دورته الأولى في عام 1995، دون أي تأجيل أو إلغاء، فقد دفعت جائحة كورونا، التي اجتاحت معظم دول العالم أواخر عام 2019، إلى تأجيل الدورة 26 لمؤتمر الأطراف (COP-26)، التي كان من المقرر انعقادها في كل من إيطاليا والمملكة المتحدة، خلال شهر نوفمبر 2020، خاصةً وأن الوباء ضرب كلا الدولتين بشدة، وقامت السلطات الاسكتلندية بتحويل مكان انعقاد المؤتمر في جلاسكو، إلى مستشفى مؤقت لعزل المصابين بالفيروس في مايو 2020.

ووسط إجراءات احترازية ووقائية مشددة، تم عقد مؤتمر الأطراف (COP-26) في نفس المدينة الاسكتلندية، خلال الفترة بين 31 أكتوبر و12 نوفمبر 2021، برئاسة المملكة المتحدة، بالإضافة إلى الاجتماع الـ16 للأطراف في اتفاقية كيوتو، والاجتماع الثالث لأطراف اتفاقية باريس.