هل تتخيل أن العالم يستخدم ما يقرب من تريليون و500 مليار كيس بلاستيك سنويا، وأن 90% من المواد البلاستيكية المستخدمة كانت خارج دائرة إعادة التدوير، مما يتسبب في تسربها إلى التربة، التي قد تبقى فيها دون تحلل لآلاف السنين، وأن المحيطات تستقبل ما يزيد على 8 ملايين طن من المواد البلاستيكية سنوياً، مما يؤدي إلى هلاك العديد من الأنواع البحرية، بل وتدمير نظم بيولوجية بأكملها.
الحقيقة التي أصبحت معروفة للجميع أن التلوث الناتج عن البلاستيك أصبح بالفعل واحداً من أكبر التحديات البيئية التي تواجه عالمنا الآن، لما يمثله من تهديد صريح على صحة الناس، وعلى البيئة، وعلى مقومات الحياة البرية والبحرية، بالإضافة إلى ما يسببه من تفاقم كبير لقضية التغيرات المناخية، وفق ما جاء في تقرير دولي بعنوان «البلاستيك والمناخ» في عام 2019.
وبحسب ذلك التقرير، فإن التلوث بالبلاستيك سيسهم في إطلاق نحو 850 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الجو، ومن المتوقع أن تزداد نسبة الانبعاثات السنوية من هذه المصادر لتصل إلى 1.34 مليار طن، بحلول عام 2030.
ورغم هذه المخاطر المتزايدة، فإن استخدامات البلاستيك، خاصةً أحادي الاستخدام، قد زادت في العالم بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وتتمثل في بعض الاستخدامات اليومية، مثل الأكياس والأواني والزجاجات البلاستيكية وغيرها، ومما يزيد من خطورة هذه الاستخدامات أنها سهلة الإنتاج والاستخدام، ولكنها في ذات الوقت، يصعب التخلص الآمن منها، حيث يتم استخدام هذه المنتجات لمدة بسيطة، ويتم التخلص منها في بيئتنا عبر مئات السنين.
كما أوضحت دراسة لوزارة البيئة في مصر عن مخاطر التلوث بالبلاستيك، أن العالم يستخدم ما يقرب من تريليون و500 مليار كيس بلاستيك سنوياً، وفق تقديرات ترجع إلى عام 2009، ورصدت الدراسة أن 90% من المواد البلاستيكية لم يمكن إعادة تدويرها، بسبب أن هذه المواد لا تتحلل طبيعياً بأي صورة، وهذا ما يجعلها باقية لمئات، بل آلاف السنين في التربة، كما أن حوالي 8 ملايين طن من المواد البلاستيكية ينتهي بها المطاف في المحيطات.
وعلى المستوى الوطني، كشفت الدراسة أيضاً أن استخدام مصر بلغ 12 مليار كيس بلاستيك في عام 2012، وهو الرقم الذي تضاعف في السنوات الأخيرة، ولنا ان نتخيل حجم التهديدات التي تهدد الحياة البرية والبحرية، وتأثير ذلك على الأنواع المهددة بالانقراض بالفعل.
من واقع هذه الخطورة، فقد أولت الحكومة المصرية قضية الحد من التلوث بالبلاستيك اهتماماً بالغاً، وتبذل وزارة البيئة، بالتعاون مع الأطراف المعنية من مؤسسات القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، جهوداً حثيثة، بغرض الدعوة إلى الحد من منتجات البلاستيك أحادي الاستخدام.
ومن منطلق إيمان جمعية المكتب العربي للشباب والبيئة بمدى خطورة هذا التحدي، وتأثير ذلك على سلامة النظم البيئية البرية والبحرية، وما قد يتسبب فيه من تأثيرات مدمرة على الأوضاع البيئية والصحية والاقتصادية، بما يعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وانطلاقاً من استراتيجية مصر للتنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، فقد أطلقا الجمعية مبادرة جديدة بعنوان «أحياء بلا بلاستيك».
وتسعى جمعية المكتب العربي للشباب والبيئة، من خلال أحدث مبادراتها، إلى تكوين شراكة وطنية حقيقية مع جميع الجهات الحكومية والخاصة والمدنية، بالتعاون مع قطاعات الشباب والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، للتوعية بأهمية الحد من التلوث بالبلاستيك، والتعريف بحجم الضرر الناجم عن البلاستيك أحادي الاستخدام على مختلف المستويات.
كما تعمل الجمعية، في نفس الوقت، ومن خلال مبادرتها الرائدة، على تمكين المجتمعات من المعرفة بالبدائل المتاحة لمنتجات البلاستيك الضارة، بأخرى صديقة للبيئة، والمصادر المختلفة للحصول عليها.
وعن الهدف العام من المبادرة، قال الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس مجلس إدارة جمعية المكتب العربي للشباب والبيئة: «نسعى إلى الوصول، بشكل تشاركي مع كل الجهات المعنية ذات الصلة، إلى تحويل أحد الأحياء بمحافظة القاهرة إلى حي بلا بلاستيك، ليكون بذلك نموذجاً قابلاً للتكرار في أحياء أخرى، سواء بنفس المحافظة، أو في المحافظات الأخرى».
وأشار رئيس الجمعية إلى أن المبادرة تتضمن مجموعة من الأهداف التفصيلية، منها رفع الوعي بأضرار البلاستيك أحادي الاستخدام، ومدى ارتباطه بقضايا التلوث البيئي وتغير المناخ، والترويج للبدائل المتاحة ومصادرها، وتحفيز المستفيدين من الشباب، على إطلاق الأفكار والمبادرات، للمساهمة في الحد من استخدامات البلاستيك.
وتستهدف المبادرة تحقيق الشراكة مع عدد من الهيئات والجهات المعنية، منها وزارة البيئة، واتحاد الصناعات، والجمعيات الأهلية في الأحياء المستهدفة، والإعلام، والقطاع الخاص، والمدارس، ومن المستهدف أن تشمل أنشطة المبادرة الوحدات المحلية لتلك الأحياء، والمؤسسات الشبابية، ممثلة في الأندية ومراكز الشباب، والمؤسسات التعليمية، سواء مدارس أو جامعات، إضافة إلى القطاع الخاص ممثلا في المراكز التجارية والصيدليات ومحلات التجزئة.
وأوضح عدلي أن أنشطة المبادرة تنقسم إلى 3 مجموعات، أولها الأنشطة الخاصة بتكوين الشراكات وبناء القدرات، وتتضمن تشكيل لجنة تنسيقية للمبادرة، تضم ممثلين للجهات المحلية والتنفيذية والشباب والمرأة والإعلام، بحيث يتم عقد ورشة عمل، بمشاركة ممثلي الجهات الشريكة، لمناقشة البدائل المتاحة، على أن يجري التشبيك مع الجهات المصنعة لبدائل الأكياس البلاستيكية مثل، الأكياس الورقية والقماش متعددة الاستخدام، لإتاحتها بتكلفة مقبولة، تضمن استدامة استخدامها.
أما المجموعة الثانية من الأنشطة فتختص برفع الوعي، من خلال تكوين مجموعة من الشباب المتطوعين، وتأهيلهم وتمكينهم من مهارات التواصل الفعال مع الفئات المستهدفة، من خلال حلقات العمل والورش التدريبية المصغرة، بالإضافة إلى تصميم وتنفيذ حملات تفاعلية مع الفئات المستهدفة، بالتعاون مع الشركاء، للتوعية بأهمية الحد من استخدامات البلاستيك وأضراره والبدائل المتاحة.
وتتضمن أنشطة رفع الوعي إقامة ندوات توعوية وورش عمل حول إعادة تدوير البلاستيك وآليات الحد من استخدامه داخل المؤسسات التعليمية والشبابية، وصياغة رسائل توعوية، يتم نشرها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى أكبر عدد من الفئات المستهدفة.
وأوضح أن المجموعة الثالثة من أنشطة المبادرة، أنشطة تحفيزية وتشجيعية للمجتمع المستهدف، تتضمن الإعلان عن مسابقة لأول مكان تجاري يتخلص من استخدام أكياس البلاستيك، والإعلان عن مسابقة شبابية لأفضل مبادرة قابلة للتنفيذ، تسهم في الحد من استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وكذلك الإعلان عن مسابقة لأول مدرسة وأول مركز شباب، يعلن خلوه من البلاستيك، فضلاً عن تصميم ملصق يوضع على كل منشأة تنضم للمبادرة، لتمييزها كشريك فعال في هذه المبادرة الرائدة.