تسببت الأنشطة البشرية في استنفاد موارد البيئة الطبيعية وتلويثها، وأدَّت إلى عواقب وخيمة منها تغيُّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى ظهور أمراض جديدة وانتشارها، ولا تزال الممارسات غير الرشيدة للموارد الطبيعية مستمرة، بالرغم من كل الجهود المبذولة للحد من مسببات أزمة المناخ التي يعاني منها كوكب الارض.

رغم كل ما سبق، لا يزال هناك أمل لتوافر حلول يمكن أن تعالج الأضرار الناجمة عن تلك الأنشطة، وتضع الكوكب على طريق التعافي، وتعتمد بعض هذه الحلول على العلوم النووية، حيث عرضت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجموعة من الحلول، تؤدي فيها العلوم والتكنولوجيا النووية دوراً مهماً في حماية البيئة، وتسهم في الحفاظ عليها واستعادتها.

التخفيف من آثار تغيُّر المناخ

يُعد تغيُّر المناخ هو أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية، ويعود ذلك، إلى حد كبير، إلى انبعاثات الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، ويتطلَّب خفض هذه الانبعاثات ووضع حدٍّ نهائي لها، بذل الحكومات ودوائر الصناعة والمواطنين جهود هائلة ومتضافرة، لخفض اعتمادنا على الوقود الأحفوري، والانتقال إلى مصادر الطاقة ذات الانبعاثات منخفضة الكربون، مثل الطاقة المتجددة والطاقة النووية.

تمثل الطاقة النووية حوالي 10% من الكهرباء في العالم وبالتالي تمثل ربع الكهرباء المنخفضة الكربون على مستوى العالم. ولا تصدر عن محطات الطاقة النووية، أثناء التشغيل، انبعاثات كربونية تقريباً، وبالتالي يمكن أن تؤدي دوراً رئيسيًّا في الانتقال إلى طاقة منخفضة الانبعاثات في المستقبل.

ولأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدعم البلدان التي تسعى في هذا الطريق، جاءت محطة «براكة» للطاقة النووية في أبوظبي، مثالاً للمحطات، وهي المشروع الأكبر في دولة الإمارات لخفض نسبة الكربون، ضمن خطة لتنويع قطاع الطاقة بمصادر ذات انبعاثات منخفضة الكربون، للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 23.5%، مقارنةً بالمستويات المعتادة بحلول عام 203، حيث من المتوقع أن تؤدي الطاقة النووية، بالإضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة، دوراً رئيسياً في تحقيق ذلك.

ولأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدعم البلدان التي تسعى إلى إطلاق برامج تتعلق بالطاقة النووية، فقد أنتجت كنزاً من المعارف حول كيفية مساهمة الطاقة النووية في خفض انبعاثات الكربون واتخاذ إجراءات بشأن المناخ في الوقت المناسب، وفي الآونة الأخيرة، أطلقت الوكالة مبادرة لتسريع عملية إنتاج الهيدروجين من الطاقة النووية، للمساعدة في خفض انبعاثات الكربون من القطاعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل أساسي، مثل الصناعات الثقيلة ووسائل النقل.

إعادة تدوير البلاستيك

منذ عام 1950، بلغت كمية النفايات أكثر من 8 مليارات طن من البلاستيك، والمخلفات البلاستيكية من أخطر المشاكل البيئية في العالم في الوقت الراهن، سواء على اليابسة أو في البحار حيث تؤدي إلى اختناق الحيوانات والطيور البحرية وبدأت في التأثير على السلسلة الغذائية، ويصعب استخدام الأساليب التقليدية لتدوير أو إعادة تدوير كميات كافية من البلاستيك، لذلك تعمل الوكالة مع البلدان لإيجاد حلول لهذه المشكلة بالاستعانة بالتكنولوجيا الإشعاعية.

وأطلقت الوكالة العام الماضي، مبادرة لتسخير التكنولوجيات النووية لمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية، تُعرف بـ«مبادرة نيوتك – NUTEC»، وتدعم أساليب متخصصة للتمكن بدقة من تعقُّب وقياس حركة وتأثيرات المواد البلاستيكية الدقيقة، وغيرها من المواد المتسببة في التلوث، مما يسمح للخبراء بتحديد حالة واتجاهات المواد البلاستيكية البحرية، وتقييم مسارات التراكم الأحيائي للمواد البلاستيكية البحرية، وتأثيراتها في الحيوانات البحرية القيِّمة، ووضع سيناريوهات المخاطر باستخدام هذه المعلومات من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة، وتساعد المبادرة أيضاً في زيادة قابلية إعادة تدوير المواد البلاستيكية.

مراقبة التلوث البيئي

تتسبب أنشطة متعددة  في إطلاق ملوِّثات بيئية، ويؤثر التلوث في الهواء والمياه والتربة على الدورات البيولوجية والجيولوجية والكيميائية، بل ويصبح جزءاً منها، ويمكن للخبراء، باستخدام التقنيات والأدوات النووية، دراسة هذه العمليات لمعالجة المُلوِّثات والمواقع المُلوَّثة، وبالنسبة لتلوث الهواء، تُستخدم التقنيات النظيرية والنووية، لمراقبة مسارات المعادن الثقيلة والغازات الدفيئة والغازات والجزيئات المشعة في الغلاف الجوي، حيث تمكَّن العلماء من استخدام النظائر المستقرة لتحديد الغازات الدفيئة الموجودة في عينات من الهواء وتتبُّع مصدرها.

اما بالنسبة لتلوث الأرض، يمكن للتقنيات النووية تحديد الملوِّثات وقياسها بدقة، وباستخدام هذه التقنيات، تساعد الوكالة البلدان في وضع مبادرات لحماية البيئة، بالإضافة إلى مراقبتها وتقييمها، بينما تركز التقنيات في مجال تلوث البحار، على رصد التلوُّث بدقة، كما يمكنها الحدَّ من تأثير الحوادث ذات الصلة وتخفيف آثارها على السكان المحليين.

إدارة موارد المياه الطبيعية

تعتمد حياة الإنسان على توافر المياه، ويمكن التأكد من استدامة المياه التي نستخرجها للشرب والصناعة والزراعة عن طريق قياس نسبة النظائر الموجودة في المياه، وهو مجال علمي يُسمى «الهيدرولوجيا النظيرية»، وتدعم الوكالة البلدان من خلال مختبرها للهيدرولوجيا النظيرية، في تطبيق التقنيات النووية والنظيرية في جميع جوانب تقييم موارد المياه العذبة، بالإضافة إلى إدارة المياه وحمايتها.

وتعاني منطقة الشرق الأوسط عجزاً في موارد المياه، مما يؤدي إلى صعوبة في تحقيق النمو الزراعي، ودعمت الوكالة، في إطار شراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، عدة بلدان بالمنطقة من أجل تحسين ممارسات إدارة التربة والمياه والمحاصيل، باستخدام التقنيات النووية والنظيرية.