وسط واقع اقتصادي على وشك الانهيار، يواجه قطاع غزة أزمة حادة بسبب نقص مياه الشرب الآمنة، في ظل استمرار الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع الفلسطيني، الذي يُعتبر أحد أكثر المناطق كثافة سكانية على مستوى العالم، حيث يعيش أكثر من 2 مليون نسمة من سكان القطاع، على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
وبمناسبة اليوم العالمي للمياه، الذي يوافق 22 مارس من كل عام، نشرت الأمم المتحدة تقريراً حذرت فيه من أن غالبية سكان قطاع غزة لا يمكنهم الحصول على مياه شرب آمنة، وهو أحد التحديات التي تحول دون تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، الذي يقضي بإتاحة المياه ومرافق الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030.
تحذيرات المنظمة الدولية لم تقتصر على أزمة المياه الطاحنة التي يشهدها قطاع غزة منذ أكثر من 10 سنوات، وإنما تضمن تقرير الأمم المتحدة تحذيراً من تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية في القطاع الفلسطيني، الذي أصبح منطقة غير صالحة للحياة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي، وغياب الحلول للأزمات الإنسانية المتفاقمة.
وتُعد أزمة المياه التي يعاني منها سكان القطاع الأكثر خطورة، نظراً لما لها من تداعيات على الصحة والزراعة، لكنها أزمة تصطدم بغياب الحلول الجذرية لمشاكل تتلخص في ضيق المساحة الجغرافية، ونمو السكان المضطرد، اللذين أديا إلى زيادة في عجز المياه، رغم الجهود المبذولة محلياً ودولياً لتطويق الأزمة، وإيجاد البدائل المناسبة.
وبات مشهد الشاحنات الصغيرة التي تحمل المياه الصالحة للشرب، يتكرر كثيراً في شوارع قطاع غزة، حيث تبيع تلك الشاحنات المياه للمواطنين لسد احتياجاتهم، في مشهد يعكس مدى تفاقم أزمة نقص المياه التي يعاني منها مئات الآلاف من سكان القطاع.
أحمد السرساوي، أحد سائقي شاحنات نقل المياه، خلال قيادته شاحنته وتوزيع المياه الصالحة للشرب بشوارع حي «الصبرة»، في مدينة غزة، قال إن «أزمة المياه كبيرة، وفي حال وجدت تكون مالحة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وبسبب ذلك، يتجه المواطن إلى شراء المياه الصالحة للشرب».
ويعمل «السرساوي» أكثر من 7 ساعات يومياً، حيث يقوم بتوزيع أكثر من 35 عبوة من المياه العذبة على سكان الحي، وتابع بقوله: «هذه مشكلة نعاني منها منذ سنوات، يجب حلها بشكل جذري، من خلال مشاريع تحلية كبيرة»، مشيراً إلى أنه «ليس بإمكان الجميع شراء المياه، نتيجة الفقر الذي تعاني منه الكثير من العائلات في غزة».
وبينما أشارت تقارير مركز الإحصاء الفلسطيني إلى أن معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة قفزت إلى ما يقرب من 89%، وهي النسبة الأعلى في المناطق الفلسطينية، فقد أكد المركز أن محطة «الخير» لتحلية المياه في مدينة غزة، تُعد واحدة من عشرات المشاريع الخيرية، التي تسعى إلى توفير المياه للأسر الفقيرة، التي لا يمكنها الحصول على المياه مدفوعة الثمن.
عمار الحمامي، أحد المشرفين على محطة «الخير» لتحلية المياه، وصف الوضع قائلاً إن انتشار محطات التحلية في غزة، بهدف استخراج أفضل ما يكون من المياه الصالحة للشرب، في ظل ارتفاع نسبة الملوحة والتلوث، مشيراً إلى أن المحطة تعمل على توزيع المياه المجانية على أكثر من 9 آلاف أسرة فقيرة داخل مدينة غزة، لا يمكنها شراء المياه.
وحذر عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، من أن أزمة المياه في قطاع غزة مرشحة لمزيد من التفاقم، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، وتهالك البنى التحتية للصرف الصحي في المدن ومخيمات اللاجئين، ما جعل القضية أكثر تعقيداً، مما تسبب في تلويث خزان المياه الجوفية.
وأضاف «أبو حسنة» أن استمرار الأوضاع بهذه الطريقة يزيد من تفاقم الأمور، كما يزيد فصل الناس في قطاع غزة عن محيطهم من العالم، معتبراً أن «هذا أمر خطير للغاية»، وأكد أنه «يجب النظر للفلسطينيين في غزة على أنهم جزء من هذا العالم، وأن الحصول على المياه الصالحة للشرب، هو جزء من حقوق الإنسان»، وتابع أن المياه الملوثة تؤثر بشكل كبير على المزروعات.
ووفق بيانات سلطة المياه، فقد بدأت محطات التحلية في إنتاج كميات من المياه المحلاة في قطاع غزة، من المتوقع زيادة نسبتها خلال السنوات المقبلة، بعد تشغيل المزيد من محطات التحلية محدودة الكمية في القطاع، لترتفع بنسبة كبيرة، مع تنفيذ برنامج محطة التحلية المركزية.
وأوضح المهندس سعدي علي، مدير عام وحدة المشاريع في سلطة المياه، أنه يتم ضخ قرابة 190 مليون متر مكعب سنوياً، لتلبية احتياجات السكان والقطاع الزراعي، وأضاف أنه «في أحسن الظروف، لا تتجاوز تغذية الخزان الجوفي لقطاع غزة 50 مليون متر مكعب، في حين أن الخزان مستنزف أربعة أضعاف هذه القدرة»، مما أدى إلى هبوط كبير في مستوى الخزان الجوفي، إضافة إلى دخول مياه البحر المالحة.
وأنشئت ثلاث محطات لتحلية المياه محدودة الحجم في مدن قطاع غزة، بمساهمات دولية، للحد من خطورة تلوث المياه، وقال «سعدي» إن مجموع ما تنتجه هذه المحطات لا يتعدى 36 ألف متر مكعب من المياه المحلاة، التي يستفيد منها سكان قطاع غزة.
ويعلق سكان غزة آمالهم في الوقت الحالي على مشروع محطة تحلية المياه المركزية في قطاع غزة، بتكلفة 600 مليون دولار، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، بقدرة 55 مليون متر مكعب في السنة، والتي يجري العمل عليها لضخ المياه الصالحة للشرب في العام 2025.