«تغير المناخ سريع وواسع الانتشار وربما لا رجعة فيه، على الأقل خلال الإطار الزمني الحالي»، تحذير جديد أطلقته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في تقرير أصدرته هذا الأسبوع، أكدت فيه أن الكثير من الظواهر الجوية المتطرفة، الناجمة عن التغيرات المناخية، ظواهر غير مسبوقة.

ويؤثر تغير المناخ بفعل الإنسان على العديد من الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة في كل منطقة في جميع أنحاء العالم، ويراقب العلماء التغيرات في جميع أنحاء النظام المناخي للكوكب، في الغلاف الجوي والمحيطات والجليد الطافي وعلى اليابسة.

ويحذر التقرير من أن الكثير من هذه التغيرات غير مسبوقة، وبعض التحولات جارية الآن، في حين أن بعضها، مثل استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر، أصبح بالفعل «لا رجعة فيه»، ربما لآلاف السنين.

إلا أن خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC يرون أنه لا يزال هناك وقت للحد من تغير المناخ، حيث يمكن أن تؤدي التخفيضات القوية والمستمرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، إلى تحسين جودة الهواء بسرعة، ويمكن أن تستقر درجات الحرارة العالمية خلال فترة 20 إلى 30 عاماً، حسب توقعاتهم.

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وصف تقرير مجموعة العمل بأنه «ليس أقل من رمز أحمر للإنسانية، وجرس إنذار يصم الآذان، ولا يمكن دحض الأدلة»، وأشار إلى أن عتبة 1.5 درجة مئوية المتفق عليها دولياً فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي للاحترار العالمي، قريبة بشكل كبير.

وقال غوتيريش: «نحن في خطر وشيك للوصول إلى 1.5 درجة مئوية في المدى القريب، الطريقة الوحيدة لمنع تجاوز هذه العتبة هي من خلال تكثيف جهودنا بشكل عاجل، والمثابرة على المسار الأكثر طموحاً»، وشدد على ضرورة التصرف بشكل حاسم الآن، لإبقاء وعد الـ1.5 درجة مئوية حيّاً.

يسلط التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولة المعنية بالمناخ، في التاسع من أغسطس 2021، والذي أعده 234 عالماً من 66 دولة، الضوء على أن التأثير البشري أدى إلى تدفئة المناخ بمعدل غير مسبوق، في آخر 2000 سنة على الأقل.

وفي رد مفصل على التقرير، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن «الحلول كانت واضحة»، وأضاف أن «الاقتصادات الشاملة والخضراء، والازدهار والهواء النظيف والصحة الأفضل ممكنة للجميع، إذا استجبنا لهذه الأزمة بتضامن وشجاعة».

وقال غوتيريش إنه قبل مؤتمر الأطراف للمناخ (COP26) الحاسم في غلاسكو في نوفمبر 2021، يتعين على جميع الدول، خاصةً اقتصادات مجموعة العشرين المتقدمة، الانضمام إلى صافي الانبعاثات الصفرية، وتعزيز وعودها بشأن إبطاء الاحتباس الحراري وعكس اتجاهه، بمساهمات ذات مصداقية وملموسة ومحسنة على الصعيد الوطني، التي تحدد الخطوات التفصيلية.

ولفت التقرير إلى أنه في عام 2019، كانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى من أي وقت مضى خلال ما لا يقل عن مليوني سنة، كما أن تركيزات الميثان وأكسيد النيتروس (أكسيد النيتروجين الثنائي) كانت أعلى من أي وقت آخر، خلال الـ 800 ألف سنة الأخيرة.

وسجلت درجة حرارة سطح الأرض ارتفاعاً بشكل أسرع منذ عام 1970، مقارنةً بأي فترة 50 عاماً على مدار الـ2000 سنة الماضية على الأقل، فعلى سبيل المثال، تجاوزت درجات الحرارة خلال العقد الأخير (2011 – 2020)، تلك التي امتدت لقرون متعددة في الفترة الدافئة منذ حوالي 6500 سنة.

وفي الوقت نفسه، ارتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بشكل أسرع منذ عام 1900، مقارنةً بأي قرن سابق في الـ3000 سنة الماضية على الأقل.

وتوضح الوثيقة أن انبعاثات غازات الدفيئة من الأنشطة البشرية مسؤولة عن حوالي ما مقداره 1.1 درجة مئوية من الاحترار بين عامي 1850 و1900، ووجدت أنه في المتوسط على مدار الـ20 سنةً القادمة، من المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو تتجاوزها.

ويحذر علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين سيتم تجاوزه خلال القرن الحادي والعشرين، ما لم تحدث تخفيضات سريعة وعميقة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وغازات الدفيئة الأخرى، في العقود المقبلة، تحقيقاً لأهداف اتـفاق باريس لعام 2015.

ويعتمد التقييم على بيانات محسنة عن الاحترار التاريخي، فضلاً عن التقدم في الفهم العلمي لاستجابة نظام المناخ للانبعاثات التي يتسبب بها الإنسان، وقالت فاليري ماسون- ديلموت، الرئيسة المشاركة للفريق العامل الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: «لقد كان من الواضح لعقود أن مناخ الأرض يتغير، ودور التأثير البشري في النظام المناخي لا جدال فيه».

ورغم ذلك، أشارت ديلموت إلى أن التقرير الجديد يعكس أيضاً التطورات الرئيسية في علم الإسناد، وفهم دور المناخ في تكثيف ظواهر الطقس والمناخ المحددة.

وكشف الخبراء أن الأنشطة البشرية تؤثر على جميع مكونات النظام المناخي الرئيسية، مع استجابة بعضها على مدى عقود، والبعض الآخر على مدى قرون، كما أشار العلماء أيضاً إلى أنه تم تعزيز الأدلة على التغييرات الملحوظة في الظواهر المتطرفة، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف والأعاصير المدارية، وإسنادها إلى التأثير البشري.

وأضافوا أن العديد من التغييرات في النظام المناخي أصبحت أكبر في علاقتها المباشرة مع زيادة الاحتباس الحراري، وهذا يشمل الزيادات في تواتر وشدة درجات الحرارة القصوى، وموجات الحرارة البحرية، وهطول الأمطار الغزيرة، والجفاف الزراعي والبيئي في بعض المناطق، نسبة الأعاصير المدارية الشديدة؛ فضلا عن انخفاض الجليد البحري في القطب الشمالي والغطاء الثلجي والتربة الصقيعية.

ويوضح التقرير أنه في حين أن الدوافع الطبيعية سوف تعدل التغييرات التي يتسبب بها الإنسان، خاصةً على المستويات الإقليمية، وعلى المدى القريب، لكن سيكون لها تأثير ضئيل على الاحترار العالمي على المدى الطويل.

كما يتوقع الخبراء أن تزداد التغيرات المناخية في العقود القادمة في جميع المناطق، بالنسبة للاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية، ستكون هناك زيادة في موجات الحرارة، ومواسم دافئة أطول ومواسم برد أقصر، وعند درجتين مئويتين من الاحتباس الحراري، من المرجح أن تصل درجات الحرارة القصوى إلى عتبات تحمّل حرجة للزراعة والصحة، لكن الأمر لن يقتصر على درجة الحرارة فقط.

وعلى سبيل المثال، يؤدي تغير المناخ إلى تكثيف الإنتاج الطبيعي للمياه، أو ما يُعرف بـ«دورة المياه»، ويؤدي ذلك إلى هطول أمطار غزيرة، وما يرتبط بها من فيضانات، فضلاً عن زيادة حدة الجفاف في العديد من المناطق.

كما أنه يؤثر على أنماط هطول الأمطار في مناطق خطوط العرض العليا، ومن المرجح أن يزداد هطول الأمطار، بينما من المتوقع أن ينخفض في أجزاء كبيرة من المناطق شبه الاستوائية، ويحذر التقرير من أنه من المتوقع حدوث تغييرات في أنماط الأمطار الموسمية، والتي ستختلف بحسب المنطقة.

علاوة على ذلك، ستشهد المناطق الساحلية ارتفاعاً مستمراً في مستوى سطح البحر، طوال القرن الـ21، مما سيسهم في حدوث فيضانات ساحلية متكررة وشديدة في المناطق المنخفضة وتآكل السواحل، حيث يحذر التقرير من أن أحداث مستوى سطح البحر المتطرفة، التي حدثت سابقاً مرة كل 100 سنة، يمكن أن تحدث كل عام بحلول نهاية هذا القرن.

ويشير التقرير أيضاَ إلى أن المزيد من الاحترار سيؤدي إلى تضخيم ذوبان التربة الصقيعية، وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي، وذوبان الأنهار الجليدية، والصفائح الجليدية، وفقدان الجليد البحري في القطب الشمالي في الصيف.

وتؤثر التغييرات في المحيطات، بما في ذلك الاحترار، وموجات الحر البحرية الأكثر تواتراً، وتحمض المحيطات، وانخفاض مستويات الأكسجين، على كل من النظم البيئية للمحيطات والأشخاص الذين يعتمدون عليها، وستسمر طوال بقية هذه القرن على الأقل.

كما حذر الخبراء من أنه بالنسبة للمدن، قد تتضخم بعض جوانب تغير المناخ، بما في ذلك الحرارة والفيضانات الناجمة عن أحداث هطول الأمطار الغزيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية، كما يحذر العلماء من أنه لا يمكن استبعاد النتائج ذات الاحتمالية المنخفضة، مثل انهيار الغطاء الجليدي، أو التغيرات المفاجئة في دوران المحيط.

وقال بانماو تشاي، الرئيس المشارك لمجموعة الخبراء التي أعدت هذا الجزء من التقييم: «سيتطلب استقرار المناخ تخفيضات قوية وسريعة ومستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية لغاز ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن يكون للحد من غازات الدفيئة وملوثات الهواء الأخرى، وخاصةً الميثان، فوائد للصحة والمناخ».

ويوضح التقرير أنه من منظور العلوم الفيزيائية، فإن الحد من الاحتباس الحراري الذي يسببه الإنسان إلى مستوى معين، يتطلب الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتراكمة، وصولاً إلى ما لا يقل عن صافي صفر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إلى جانب تخفيضات قوية في انبعاثات غازات الدفيئة الأخرى.

وشدد العلماء على أن «التخفيضات القوية والسريعة والمستدامة في انبعاثات الميثان، ستعمل أيضاً على الحد من تأثير الاحترار الناتج عن انخفاض تلوث الهواء الجوي».

وتُعتبر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) هي هيئة تابعة للأمم المتحدة، معنية بتقييم العلوم المتعلقة بتغير المناخ، تم إنشاؤها من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في عام 1988، لتزويد القادة السياسيين بتقييمات علمية دورية بشأن تغير المناخ وآثاره ومخاطره، فضلا عن طرح استراتيجيات للتكيف والتخفيف.

وفي نفس العام، أيدت الجمعية العامة الإجراء المشترك الذي اتخذته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بشأن إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعني بتغير المناخ، وتضم 195 عضواً، ويساهم آلاف الأشخاص من جميع أنحاء العالم في عمل الهيئة.

وبالنسبة لتقارير التقييم، يتطوع علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بوقتهم لتقييم آلاف الأوراق العلمية المنشورة كل عام، من أجل تقديم ملخص شامل لما هو معلوم عن محركات تغير المناخ وآثاره ومخاطره المستقبلية، وكيف يمكن للتكيف والتخفيف من الحد من هذه المخاطر.