رغم الأعباء الهائلة التي تمثلها المخلفات البلاستيكية على البيئة، وما تسببه من تلوث ينجم عنه تدهور العديد من النظم الطبيعية والإيكولوجية، أظهرت دراسة حديثة أن قطاع البلاستيك، الذي يُتوقع أن يتضاعف عدة مرات خلال العقود القليلة القادمة، يمكن أن يقدم حلولًا غير تقليدية لكثير من المشكلات البيئية، في مقدمتها الأزمات الناتجة عن التغيرات المناخية، وزيادة استهلاك الموارد الطبيعية.

ووفق الدراسة التي أعدها فريق بحثي من جامعة «أوتريخت» الهولندية، بالتعاون مع مؤسسات هولندية أخرى، فإن «إنتاج لدائن بلاستيكية حيوية، باستخدام مصادر الطاقة النظيفة، قد يجعل من قطاع البلاستيك، الذي يمثل عبئًا على البيئة، إحدى وسائل تخزين الكربون».

توضح الدراسة، التي نشرتها دورية «نيتشر» أن المواد البلاستيكية تأتي على رأس أكثر المنتجات نموًّا، وأنها مسؤولة عن 4.5% من حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، ومن المتوقع مضاعفة الطلب العالمي على البلاستيك بحلول 2050، وأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2100، ويواكب ذلك ارتفاعات موازية في الانبعاثات الكربونية.

ويشير البيان الصحفي المصاحب للدراسة، الذي حصلت «جسور 2030» على نسخة منه، إلى أن النماذج التي يستخدمها خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لم تتضمن أي تفاصيل توضح مدى تأثير إنتاج البلاستيك واستخدامه على حالة المناخ في العالم، لذلك عمل الباحثون على تطوير نموذج جديد لتقييم أربعة سيناريوهات لنمو قطاع الصناعات البلاستيكية على المستوى العالمي.

أظهرت النتائج، التي توصل إليها الباحثون، أن التكلفة الباهظة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لتحقيق هدف اتفاق باريس لمنع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من درجتين عن مستوى ما قبل الثورة الصناعية، لن تكون كافيةً لتشجيع قطاع البلاستيك على التحول من استخدام المواد الأحفورية إلى الخامات الحيوية، أو التوسع في تطبيقات الاقتصاد الدائري.

كما تبين أن إجراءات التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، المعمول بها حالياً، قد تدفع نحو التخلص من مخلفات البلاستيك عن طريق دفن المزيد منها في التربة، باعتبار أن هذه الطريقة تمنع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرقها، كما أن هذه التقنية تُعد أرخص سعراً وأقل تكلفةً من الوسائل الأخرى للتعامل مع تلك المخلفات، شديدة الخطورة على النظم البيئية، وفق ما أورد البيان.

وعن كيفية تحوُّل قطاع البلاستيك من عبء على النظم البيئية، إلى أحد الحلول الواعدة لأزمة المناخ، أوضح بول ستيجمان، عضو الفريق البحثي عن «منظمة البحث العلمي التطبيقي» الهولندية، أنه من المعروف أن النباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء نموها، وبالتالي في حالة استخدام الكتلة الحيوية لهذه النباتات في إنتاج لدائن البلاستيك، فإنه يتم تخزين الكربون في هذه المنتجات، مما يجعل منها «بالوعة كربون» طالما تم الاحتفاظ بها قيد الاستخدام ولا يتم حرقها.

وأوضح «ستيجمان»، في تصريحات خاصة أنه «بهذه الطريقة يمكن لقطاع البلاستيك، في المستقبل القريب، أن يكون أحد المرافق الأساسية لتخزين المزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، بمعدلات أكثر من الانبعاثات الصادرة عن هذا القطاع»، وهو ما يعني أن معدل الانبعاثات يكون بالسالب، الأمر الذي يساعد على الحد من التغيرات المناخية.

إلا أنه عاد ليؤكد أن ذلك يتطلب توافُر إمدادات مستدامة للنباتات، التي تمثل الكتلة الحيوية، ركيزة إنتاج لدائن البلاستيك، وهذا لا يجب أن يكون على حساب إزالة الغابات، كما يجب الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في إنتاج البلاستيك، بالإضافة إلى زيادة معدلات إعادة تدوير المنتجات البلاستيكية زيادةً كبيرة، لخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عنها إلى الحد الأدنى.

وتوضح الدراسة أن إعادة تدوير لدائن البلاستيك تؤدي إلى تخفيف الضغط على الموارد الطبيعية والحفاظ عليها من النضوب، إلا أنه ليس من الممكن الوصول إلى إعادة تدوير مخلفات البلاستيك بنسبة 100%؛ فعلى سبيل المثال، عند إرسال كيلوجرام واحد إلى مصانع إعادة التدوير، يمكن الاستفادة بنحو 70% فقط منها، أما النسبة المتبقية فيتم التخلَّص منها، نظراً لعدم إمكانية الاستفادة بها.

ومن المتوقع بحلول عام 2050 ، بحسب الدراسة، الاستفادة بنحو 13% من الكتلة الحيوية المستخدمة حالياً في توليد الطاقة، كمواد خام لإنتاج لدائن البلاستيك، كما أن المواد البلاستيكية ذات العمر الافتراضي الطويل، مثل مواد البناء، تمثل أكبر مخزون من البلاستيك، وفي حالة إنتاج هذه المواد من خامات بيولوجية، سينجم عنها صافي انبعاثات كربونية سلبية.

وفي حالة ما إذا كانت جميع المواد البلاستيكية التي يتم إنتاجها حتى عام 2100 تعتمد على مواد أولية حيوية، ويمتد عمرها الافتراضي لعدة عقود، أو حتى قرون، فيمكننا نظرياً التقاط ما يعادل 9 أضعاف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة سنوياً في الوقت الراهن، وفق الدراسة.

وفي سبيل الوصول إلى نسبة مرتفعة من إعادة تدوير مخلفات البلاستيك بتقنيات عالية الجودة، فإن الأمر يتطلب تحسين عمليات جمع النفايات وفرزها، وتصميم دورة للاستفادة بالمنتج، كما سيتعين على القطاع الصناعي الاستفادة من الوسائل الكيميائية لإعادة التدوير على نحوٍ أكبر، بهدف الوصول إلى توريد منتجات بلاستيكية عالية الجودة تتميز بعمر تشغيلي أطول.

ويرى الباحثون أن الاقتصاد الدائري يعمل على تقليل استهلاك الموارد بنسبة 30%، بالإضافة إلى تحقيق تخفيضات أكبر في معدلات الانبعاثات بنسبة 10% قبل حلول عام 2050، ويعزز الاقتصاد الحيوي الدائري، الذي يجمع بين إعادة التدوير والاستخدام المتزايد للكتلة الحيوية، فرصَ تحويل قطاع البلاستيك إلى «بالوعة كربون» بعد تحقيق صافي انبعاثات سلبية.