تحت عنوان «التكيف مع التغير المناخي في المدن التاريخية العربية: دمج الثقافات التقليدية للبناء في التكيف مع التغير المناخي وتوجيه إدارة المدن التاريخية نحو مسارات مستدامة»، تشهد إمارة الشارقة ورشة عمل إقليمية، ينظمها المكتب الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي «إيكروم – الشارقة»، تحت رعاية الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة.

انطلقت فعاليات ورشة العمل الإقليمية يوم الثلاثاء 31 يناير وتستمر على مدار 3 أيام، حيث تركز حول التحديات غير المسبوقة، التي يواجهها التراث الثقافي، بسبب المخاطر الحقيقية التي يفرضها التغير المناخي، وكيف يمكن للتراث نفسه أن يخفف من حدّة هذه المخاطر، حيث يتوقع العديد من الخبراء أن تلحق الظواهر المناخية القاسية، نتيجة للاحترار العالمي، أضراراً كبيرةً على التراث الثقافي في مختلف أنحاء العالم، وخاصةً في المنطقة العربية، كما أن تلك الأضرار المتوقعة لن تقتصر على التراث الثقافي المادي فحسب، بل ستمس أيضاً التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات التقليدية.

وبينما يبحث العلماء عن حلولٍ علمية تبطئ الاحترار العالمي، وتخفف من تأثير التغير المناخي، أصبح من المهم أيضاً بالنسبة للمنظمات المعنية بهذا الشأن، كمركز إيكروم، التركيز حول كيفية الاستفادة من الممارسات التقليدية في طرح معالجات وحلول يمكن تحديثها أو تعميمها في مناطق أخرى من العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الممارسات التقليدية كانت بطبيعتها حريصة على الحفاظ على البيئة وعلى حفظ الطاقة والموارد الطبيعية.

وحول هذه الورشة، يقول الدكتور ويبر ندورو، مدير المركز الدولي لدراسة حفظ وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم»: «تقوم مهمة ورسالة مركز إيكروم على مساعدة الدول الأعضاء، البالغ عددهم 137 عضواً، في الحفاظ على تراثهم الثقافي، وجعل العالم مكاناً أفضل للعيش»، مشيراً إلى أنه من هذا المنطلق، تجد «إيكروم» نفسها معنية بشكل مباشر بالاهتمام بقضايا التغير المناخي، وهي ملتزمة بالمساعدة في تحقيق الاستدامة البيئية، والاجتماعية والاقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الكبيرة التي يلحقها التغير المناخي على التراث الثقافي المادي وغير المادي في كافة أنحاء العالم.

وأوضح بيان صادر عن المكتب الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي «إيكروم – الشارقة»، تلقته «جسور 2030»، أن ورشة العمل الإقليمية حول التكيف مع التغير المناخي في المدن التاريخية العربية، تتماشى مع رؤية منظمة «إيكروم» بتحقيق عالم يرتبط فيه التراث الثقافي بطريقة وثيقة مع مفاهيم التقدم، والشمولية، والرفاه والاستقرار.

تهدف ورشة العمل إلى تقديم حالات دراسية نموذجية عن أثر تبني المعارف التقليدية في العمارة المعاصرة، ورفع الوعي بجدية المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، ودور المعارف التقليدية في التأقلم مع التغير المناخي من جهة، وبناء مرونة المجتمعات في التعامل مع الكوارث والأزمات المرتبطة بها في حال حدوثها من جهة أخرى، وتشجيع البحث في الممارسات التراثية التقليدية، لاستنباط حلول مستدامة للاستعداد للمخاطر القائمة والمحتملة المتعلقة بالتغير المناخي، ولعمارة حديثة متوافقة مع مبادئ التنمية المستدامة.

كما تهدف إلى تشجيع الجهات القائمة على إدارة المدن التاريخية، على تنسيق جهود التأقلم مع الاحترار العالمي، مع الجهات المسؤولة عن إدارة المدن والاستعداد للطوارئ فيها، وأخيراً وضع مجموعة من التوصيات لتكون مرجعاً يوثق المرحلة الحالية، ويمكن الاعتماد عليها في تصميم النشاطات التالية للجهات المعنية بالتراث الثقافي.

وحول أهمية هذه الورشة، قال الدكتور زكي أصلان، مدير المكتب الإقليمي «إيكروم – الشارقة» إنه «في الوقت الذي أعلنت فيه العديد من الدول حول العالم، حالة مستعجلة لوضع إجراءات عملية لتخفيف تأثيرات التغير المناخي، وأقرت القوانين للتعامل مع الاحترار العالمي، لايزال البحث العلمي في قضايا التغير المناخي، فضلاً عن دراسة مخاطره على المدن التاريخية، في مراحله الأولى بالمنطقة العربية، على الرغم من أن الدراسات تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون من أكثر المناطق عرضةً للآثار السلبية نتيجة للتغير المناخي».

وأضاف دكتور «أصلان» أنه «من هذا المنطلق، تبرز أهمية هذه الورشة، في توحيد الجهود وتعزيز الحوار وتبادل الخبرات، والاستفادة من كافة الثقافات والممارسات التقليدية في البناء بالطين مثلاً في المناطق الجافة»، مؤكداً أن هناك فرص كبيرة للتعلم من التقاليد الثقافية، في سياق حفظ التراث الثقافي، للتأقلم مع التغير المناخي، والاِستعداد المسبق للمخاطر المحتملة المرتبطة بالاحترار العالمي، مع محاولة الاستفادة من الفرص التي يتيحها اِستشراف المستقبل من أجل حماية مدننا العربية.

تندرج هذه الورشة ضمن مبادرة «مدينة»، التي تركز على حماية المدن التاريخية، وتهدف إلى دعم إدارة التراث الحضري في المنطقة العربية، وتثمين دور التراث الثقافي في التنمية المستدامة، كما تتماشى مع الجهود الكبيرة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة في التصدي للتحديات والمخاطر التي يسببها التغير المناخي في المنطقة والعالم، والتي تتوجها هذا العام من خلال استضافتها لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-28)، بهدف العمل على تنسيق الجهود بين كافة الجهات المعنية بالتغير المناخي في العالم، وتعزيز حماية البيئة، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.