بينما تزايد هشاشة منظومات الطاقة التقليدية حول العالم، في الوقت الذي تتعاظم فيه كلفة الاعتماد على الوقود الأحفوري، أعلنت المملكة الأردنية عن مشروع رائد للتوسع في استخدامات الطاقة المتجددة في الممارسات الزراعية، عبر تشغيل نحو 820 مضخة مياه تعمل بالطاقة الشمسية، كنموذج تطبيقي للتحول العادل للطاقة، لا بوصفه خيارًا بيئيًا فحسب، بل كمسار تنموي متكامل، يوازن بين احتياجات المزارعين، ومتطلبات الأمن الغذائي، والالتزامات المناخية.

يجرى تنفيذ المشروع بالتعاون بين وزارتي البيئة والمياه، والجمعية العلمية الملكية، والمركز الوطني لبحوث الطاقة، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، في هذا الحوار، يشرح سهل بني مصطفى، مدير المشروع، والباحث في الجمعية العلمية الملكية، كيف يساهم هذا الجهد في تحويل التحديات إلى فرص مستدامة، ليس فقط عبر توفير مصدر طاقة نظيف ومستدام، وإنما من خلال العمل على إعادة توزيع أعباء الانتقال للطاقة النظيفة بعدالة، عبر تخفيف الأعباء المالية عن صغار ومتوسطي المزارعين، وحمايتهم من تقلبات إمدادات وأسعار الطاقة، ودمجهم في منظومة الاقتصاد الأخضر.

أجرى الحوار – كامل الناعم:

– بداية، هل يمكن تقديم لمحة حول المشروع الذي تعملون عليه حالياً؟

مشروع تصميم وتوريد واستلام وتركيب وتشغيل 850 نظاماً كهروضوئياً يعمل بالطاقة الشمسية، لتشغيل مضخات المياه السطحية في القطاع الزراعي في وادي الأردن والمناطق المرتفعة، يتم تنفيذ المشروع من قبل وزارة البيئة، بالتعاون مع وزارة المياه والري، والجمعية العلمية الملكية، ويأتي المشروع من خلال منحة الاتحاد الأوروبي الخاصة بدعم الاقتصاد الأخضر في الأردن، ضمن مشاريع وزارة البيئة للتخفيف من أثر التغير المناخي على القطاع الزراعي، والذي ينفذ عبر الجمعية العلمية الملكية، ويهدف المشروع إلى استبدال المضخات الكهربائية ومضخات الديزل المتهالكة، بمضخات حديثة تعمل بالطاقة الشمسية، بما يسهم في خفض تكاليف الطاقة للمزارعين، وتعزيز الأمن الغذائي، وتقليل الانبعاثات الكربونية.

– كيف تختلف هذه المبادرة عن الجهود السابقة في مجال الطاقة المتجددة؟

الاختلاف يكمن في تبني نهج الترابط بين الطاقة والمياه والغذاء، أجرى فريق المشروع دراسات مجتمعية لنحو 820 وحدة زراعية، بالتعاون مع سلطة وادي الأردن، وجمعيات مستخدمي المياه، وبناءً على نتائج هذه الدراسات، تم استبدال 370 مضخة كهربائية، و450 مضخة ديزل، بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية، بإجمالي 820 مضخة، بقدرة إنتاجية بلغت 8790 كيلووات.

– كيف يسهم المشروع في ربط المياه بالطاقة على أرض الواقع؟

يوفر المشروع مصدرًا نظيفًا وموثوقًا لتشغيل مضخات الري، ما يقلل الأعطال الناتجة عن انقطاع الكهرباء التقليدية، كما يمنح المزارعين فرصًا أفضل لإدارة مواردهم، من خلال التدريب والتأهيل على استخدام الأنظمة الجديدة.

– ما هي العوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتوقعة للمشروع؟

أبرز النتائج المتوقعة على الصعيد البيئي، خفض الانبعاثات الحرارية بما يصل إلى نحو 7337 طن مكافئ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، أما على المستوى الاقتصادي، من المتوقع أن يوفر المشروع ما لا يقل عن 2.24 مليون دولار أمريكي سنويًا للمزارعين، وفيما يتعلق بالتأثيرات الاجتماعية، فقد عمل المشروع على تدريب أكثر من ألف مزارع ومهندس، وكوادر من المؤسسات الرسمية، إضافة إلى توفير فرص عمل مباشرة في قطاع الطاقة المتجددة، وغير مباشرة في الصناعات الداعمة.

– هل هناك خطط للتوسع مستقبلاً؟

نعم، نعمل على توسيع نطاق المشروع ليشمل أكثر من 10000 وحدة زراعية في الأردن، هذا التوسع سيجري من خلال شراكات مع صناديق وطنية، مثل صندوق كفاءة الطاقة، ومؤسسة الإقراض الزراعي، إلى جانب دعم الممولين الدوليين، وبدأنا بالفعل مبادرات إضافية لتركيب أنظمة شمسية في 200 مزرعة صغيرة ومتوسطة.

– إلى أي مدى يمكن تكرار التجربة على المستوى الإقليمي؟

التجربة الأردنية قابلة للتكرار في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تواجه تحديات مشابهة في المياه والطاقة، ولعل ما حققناه هنا يقدم نموذجًا عمليًا يبرهن أن الدمج بين الطاقة المتجددة والأمن المائي والغذائي ممكن وفاعل، إذا توفرت البيئة المؤسسية والتمويل المناسب.