استراتيجية وطنية للتغيرات المناخية وخطة قومية للموارد المائية بـ50 مليار دولار

«الطريق من جلاسكو إلى شرم الشيخ لمواجهة التغيرات المناخية» عنوان الجلسة التي تضمنها منتدى شباب العالم، الذي عُقدت فعالياته بمدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 10 إلى 13 يناير 2022، والتي استعرض فيها رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، استعدادات مصر لاستضافة مؤتمر الأطراف الـ27 للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لتغير المناخ (COP-27)، كما استعرض ملامح الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية.

استهل «مدبولي» كلمته بالإعراب عن سعادته بالتواجد في منتدى شباب العالم في نسخته الرابعة، التي تناقش قضايا محورية تخص الإنسانية بصفة عامة، مشدداَ على أن موضوع التغيرات المناخية أصبح قضية حاكمة بكل المقاييس، بصورة تستدعي أن يواجهها العالم بمنتهى الحسم والسرعة، لكي نواكب هذا التحدي الأكبر خلال الفترة القادمة، مشيراً إلى أنه منذ 15 أو 20 عاماً، عندما بدأ الخبراء يحذرون من موضوع التغيرات المناخية، استقبلنا جميعاً هذا الأمر، باعتباره مجرد تكهنات أو آراء متشائمة، أو تتناول ظواهر لن تحدث ونحن موجودون، وربما تواجهها الأجيال القادمة.

ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أنه خلال الـ 10 ثواني الأولى من كلمته، تم ضخ أكثر من 10 آلاف طن متري من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بما يعادل وزن 170 ألف شخص، مشيراً إلى أن العالم كله بدأ يشهد تداعيات موضوع التغيرات المناخية، حيث أصبحت منطقة الجليد بالقطب الشمالي في أقل مستوى لها على العالم، مع ارتفاع درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة، فضلاً عن تركز غاز ثاني أكسيد الكربون بأعلى مستويات له منذ آلاف السنين، وكذا ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي بدأت أماكن كثيرة جداً تعاني منه، لافتاً إلى أن كل هذه الظواهر كانت ناتجة عن ارتفاعات كبيرة جداً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ونتج عن ذلك ارتفاع في متوسط درجات حرارة كوكب الأرض، وانخفاض في جودة الهواء، وارتفاع مستوى سطح البحر، والعديد من الظواهر المناخية الجامحة التي بدأت تحدث.

كما تحدث «مدبولي» عن التداعيات السلبية للتغيرات المناخية على الاقتصادات العالمية، مشيراً إلى أنه وفقاً لتقديرات الخبراء، فإن الفترة من عام 1970 حتى الوقت الحالي شهدت خسائر تعرضت لها دول العالم نتيجة مثل هذه الظواهر الطبيعية، تقدر بنحو 3.6 تريليون دولار، مضيفاً أن الرقم السنوي للتكاليف الخاصة بالتعامل مع التغيرات المناخية، ستقدر وصولاً إلى عام 2030 إلى ما بين 150 إلى 300 مليار دولار سنوياً، كما سيرتفع هذا الرقم بحسب التقديرات في عام 2050 إلى ما بين 280 الى 500 مليار دولار سنوياً، مضيفاً أن عام 2021 وحده شهد حدوث 10 كوارث كبرى حول العالم، وصلت خسائرها إلى أكثر من 170 مليار دولار، مؤكداً: «نحن أمام ظاهرة أصبحت خطيرة جداً تهدد الجنس البشري».

وأضاف رئيس الوزراء أنه جنباً إلى جنب مع كل ما سبق ذكره، فقد شهد العالم زيادة كبيرة في معدلات الوفيات نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في الفئات العمرية الكبيرة، من 65 سنة فأكثر، قدرت بحوالي 300 ألف نسمة سنوياً، لافتاً إلى أن هذا الرقم سيضاف إليه حوالي 550 ألف نسمة زيادة خلال الفترة القادمة ما بين 2030 حتى 2050، لنقترب من مليون شخص فوق سن 65 عاماً سيكونون عُرضة للوفاة، زيادة عن المعدلات الطبيعية بسبب هذه الظواهر المناخية.

وأضاف أنه كنتيجة لهذه التأثيرات، فمن المتوقع أن يعاني 325 مليون شخص من الفقر المدقع، كما سيضطر 216 مليون شخص للهجرة الداخلية نتيجة للتغيرات المناخية، مضيفاً أن المشكلة الحقيقة التي تهدد العالم، هو أن معدل الكوارث البيئية سيبدأ في التضاعف بنحو 3 أضعاف خلال المرحلة القادمة، وسيتمثل ذلك في العديد من الظواهر مثل الموجات الحارة، والجفاف، وتلف المحاصيل، والفيضانات، وحرائق الغابات، وكلها ظواهر شهدها العالم كله العام الماضي، وبالتالي فإن أطفالنا سيواجهون كوارث مناخية بنحو 3 أضعاف ما واجهها أجدادهم، كما أن آلاف الأطفال دون سن الخامسة سيموتون سنوياً بسبب التهابات الجهاز التنفسي نتيجة تلوث الهواء.

وتطرق «مدبولي» إلى الجهود الدولية التي بذلتها الأطراف والجهات المعنية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ، مشيراً إلى أن العالم بدأ يتحرك من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في عام 1992، إضافة إلى «بروتوكول كيوتو» في عام 1997، فضلاً عن «اتفاق باريس» عام 2015، وبعد كل هذه الاتفاقيات، بدأ العالم يضع آلية لاتخاذ قرارات تنفيذية في هذا الإطار، من خلال عقد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP) سنوياً، مشيرا في هذا السياق إلى أبرز تلك الجهود، وهي ما تمثل في الدورة الـ26 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، والتي انعقدت في مدينة جلاسكو بالمملكة المتحدة في الفترة من 31 أكتوبر إلى 14 نوفمبر 2021.

ولفت إلى أن مؤتمر(COP-26) حقق خلال هذه الدورة عدة مكاسب، تضمنت الاتفاق حول تفعيل اتفاق باريس، وكذا الاتفاق حول المدد الزمنية المشتركة لتقديم المساهمات المحددة وطنياً، إضافة إلى تعهدات جديدة للتمويل، لمواجهة ظاهرة تغير المناخ خاصة في البلدان النامية، مؤكداً أن الدول النامية لم تكن متسببة في هذه الظاهرة، ولكن أصبح عليها التزام كبقية دول العالم، أن تدفع فاتورة التعامل مع هذا الموضوع، جنباً إلى جنب مع بقية الدول، مؤكداً أنه على الدول المتقدمة، التي كانت سبباً رئيسياً في هذا الموضوع، أن يكون لها مساهماتها الرئيسية في هذا المجال.

وأضاف أن مؤتمر جلاسكو شهد إطلاق مسارين تفاوضيين جديدين لموضوع تقدير التمويل، والآليات التي سنبدأ بها تنفيذ تلك الإجراءات، لافتاً إلى أنه من هذا المنطلق تأتي أهمية مؤتمر (COP-27) الذي تستضيفه مصر في مدينة شرم الشيخ نهاية العام الجاري، لكي نضع أمام العالم كله الأطر التنفيذية لمواجهة قضية التغيرات المناخية، باعتبارها قضية تهم البشرية، حيث سيتم التحرك من خلال عدة محاور، أبرزها خفض الانبعاثات، لتكون هناك أرقام ومستهدفات واضحة على مستوى العالم، بالإضافة إلى موضوع التكيف مع تغير المناخ، وموضوع التمويل، ووجود آلية لتوفير التمويل اللازم، بالإضافة إلى أن يكون هناك آلية للتقييم والمتابعة، للتأكد من أن ما يتم الاتفاق عليه يجري تنفيذه.

وخلال الجلسة النقاشية، تحدث رئيس مجلس الوزراء عن التجربة المصرية في ضوء المؤشرات الدولية المتعلقة بالمناخ، موضحا أن المؤسسات الدولية المعنية بمجال التغيرات المناخية ترى مصر من أكثر الدول عرضة لتبعات التغير المناخي، رغم محدودية مسئوليتها عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ تبلغ مساهمة مصر في الانبعاثات العالمية 0.6%، وذلك في عام 2015، وهي نسبة ضئيلة للغاية.

وأشار «مدبولي» إلى إشادة العديد من المنظمات الدولية بالجهود المصرية في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، مستشهدا في هذا الصدد ببيانات وكالة «فيتش» في يوليو 2021، أكدت أن مصر تمتلك أكبر قدرات كهربائية من طاقتي الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى الرغم من ذلك، فإن القاهرة وضعت خطة لمضاعفة هذه القدرات إلى 300% خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن مصر والإمارات سيقودان هذه التوجه في المنطقة، كما تضمن تقرير الوكالة الدولية أن مصر ستكون من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية نمواً في المنطقة على مدار الـ10 سنوات المقبلة.

كما لفت رئيس مجلس الوزراء، خلال كلمته أمام منتدى شباب العالم، إلى أن ترتيب مصر في مؤشر جاذبية الدول للاستثمار في الطاقة المتجددة يرتفع بصورة ملحوظة، حيث أصبحنا اليوم من أفضل 20 دولة على مستوى العالم فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات التي تشجع على الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، كما تقدمت مصر 20 مركزاً في مؤشر السياسة المناخية، طبقا لمؤشر أداء تغير المناخ 2022.

واستعرض «مدبولي» في هذا الإطار، الجهود المصرية لمواجهة التغيرات المناخية، مشيراً إلى أنه منذ اللحظة الأولى، كانت هناك توجيهات من القيادة السياسية بتدشين إطار مؤسسي ينظم هذه الجهود، حيث تم إنشاء «المجلس الوطني للتغيرات المناخية» برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الوزراء والجهات المعنية، لتحديد المهام والاختصاصات بشأن التعامل مع التغيرات المناخية.

وأضاف أن الحكومة تتحرك في 5 مسارات رئيسية، حيث بدأنا بتقليل الانبعاثات الناتجة من استهلاك الطاقة التقليدية، ونتجه بقوة لاستخدام الغاز الطبيعي والطاقة الجديدة والمتجددة، وتغيير نوعية الطاقة المستهلكة، لزيادة استخدام المصادر الأقل إنتاجاً للكربون، موضحاً أن مصر من خلال «المجلس الوطني للتغيرات المناخية»، أطلقت الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، كما تنفذ مشروعات عملاقة في عملية التكيف، أو في تخفيف حدة التغيرات المناخية، كما أصدرنا أول سندات خضراء في منطقة الشرق الأوسط، كما تم وضع سياسات مهمة للغاية لتشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة في هذا النوع من الاستثمار، مثل تحديد تعريفة الكهرباء، وتعريفة تحويل المخلفات إلى طاقة.

ولفت «مدبولي» إلى أن الحكومة بدأت إنشاء خريطة تفاعلية لمخاطر ظاهرة التغير المناخي، كما وضعت الخطة القومية للموارد المائية 2037، قائلاً إن «قضية المياه ستكون محوراً أساسياً خلال قمة تغير المناخ (COP- 27) في شرم الشيخ، حيث سيتم مناقشة كيف سيتعامل العالم مع قضيتي ندرة وتلوث المياه»، وتابع أن مصر لها تجربة مهمة في هذه المسألة، وهي الخطة القومية للموارد المائية 2037، التي يجري تنفيذها منذ 5 سنوات، بتكلفة أكثر 50 مليار دولار، وتشمل تنفيذ مشروعات ضخمة في تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، بالإضافة إلى مشروعات كبرى في مجال ترشيد المياه وتبطين الترع وحماية الشواطئ، خاصةً في المناطق المهددة من تغير المناخ في شمال الدلتا.

وتطرق رئيس مجلس الوزراء إلى مشروع تطوير بحيرة المنزلة، على مساحة 250 ألف فدان، وبتكلفة بلغت حتى الآن ملياري دولار، ضمن المشروع القومي لتطوير البحيرات التي ظلت مهملة لمئات السنين، وحدث بها فدان كبير لمساحاتها، ونتيجة لذلك تأثرت جودة المياه بها بصورة سلبية للغاية، وفيما يخص استخدامات الطاقة الجديدة والمتجددة، أوضح «مدبولي» أن مصر لديها خطة للوصول بالطاقة المتجددة إلى 20% من إجمالي الطاقة المتولدة، وقبل حلول 2035، ستبلغ الطاقة المتجددة 42% من إجمالي الطاقة المنتجة في مصر بشكل عام، مضيفا أن مشروع «بنبان» للطاقة الشمسية، الذي افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل أيام، من أفضل المشروعات على مستوى العالم في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة.

وأشار «مدبولي» إلى أن الدولة المصرية تنفذ مشروعاً ضخماً لتوصيل الغاز الطبيعى للمنازل على مستوى الجمهورية، وذلك لاستبدال الوقود التقليدي «البوتاجاز» بالغاز الطبيعي، الذي يُعتبر أحد مصادر الطاقة النظيفة، مشيراً إلى أننا لدينا الطموح والخطوات التنفيذية لبدء إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية خلال العام القادم، منوهاً إلى أن ذلك يأتي ضمن مشروع كبير لاعتماد وقود السيارات على الغاز الطبيعى والكهرباء، مؤكداً أن هناك حوافز كثيرة في هذا الصدد.

وأكد أن الدولة المصرية تنفذ منظومة جديدة متكاملة للنقل الجماعي، تتوافق مع المعايير البيئية، وتتضمن القطار الكهربائي، والمونورويل، والقطار فائق السرعة، بشبكة يصل طولها إلى أكثر من 2200 كيلومتر، على أن يتم الانتهاء من تنفيذها خلال بضع سنوات، وبتكاليف هائلة، لكي نتواكب مع التغيرات المناخية، والعمل على تقليل الانبعاثات الضارة في هذا الصدد، لافتاً إلى أنه يجري تنفيذ جيل جديد من المدن الخضراء الذكية، تعتمد على فكر المدن المستدامة، وأوضح أن جميع المبانى الحكومية، سواء في العاصمة الإدارية الجديدة، أو داخل المدن القائمة، تعتمد على الطاقة الشمسية، منوهاً كذلك إلى برامج تحويل المخلفات إلى طاقة، والإدارة المتكاملة للمخلفات، وما يتم في هذا الإطار من منظومة إقامة المدافن الصحية، ومصانع تدوير المخلفات، إلى جانب تحويل الوقود والمخلفات الصلبة لطاقة البيوجاز.

ولفت «مدبولي»، في كلمته بعنوان «من جلاسكو إلى شرم الشيخ لمواجهة التغيرات المناخية»، إلى أن الدولة المصرية تستهدف إقامة نسبة كبيرة من المشروعات الخضراء، ضمن المشروعات الاستثمارية التي يجري تنفيذها، موضحاً أن الاستثمارات الخضراء خلال العام المالي الحالي تصل إلى 30% من الاستثمارات العامة، وأنه من المستهدف خلال العامين القادمين أن تصل هذه النسبة إلى 50% من حجم الاستثمارات العامة للدولة، أي أن ما سيتم تنفيذه من مشروعات بنية أساسية، وكذا المشروعات التنموية، ستكون مشروعات خضراء، وفي هذا الصدد، أشار رئيس الوزراء إلى أن المشروعات التي يتم تنفيذها في إطار المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» لتطوير الريف المصري والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لنحو 60 مليون مواطن، تُعد نموذجاً متكاملاً لخفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية.

وقال رئيس مجلس الوزراء إنه من المستهدف خلال انعقاد مؤتمر المناخ القادم (COP-27)، التركيز على قارة أفريقيا والدول النامية، بحيث تقوم هذه الدول خلال القمة، بعرض متطلباتها وأولوياتها في هذا الصدد، والتنسيق فيما بينها على تنفيذ عدد من المبادرات التي تستهدف تحقيق تكيف هذه الدول مع التغيرات المناخية، وأوضح أنه على المستوى المحلي، فإن مصر تعمل على تخفيض استخدام البلاستيك، ومبادرة للحوافز الخضراء للقطاع الخاص، إضافة إلى مبادرة أخرى لإنشاء شبكة لمراكز الأبحاث في مجال تغير المناخ، علاوة على استحداث فئة في جائزة التميز الحكومي، خاصة بالابتكار الأخضر.

وحول دور الشباب في مواجهة التغيرات المناخية، أكد «مدبولي» أهمية هذا الدور، مشيراً إلى أن ما يتم تطبيقه من مشروعات، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، إنما تأتي من أفكار غير تقليدية، أغلبها معتمدة على فكر وإبداع الشباب، مؤكداً في هذا الصدد، على الاهتمام بملف تبادل المعرفة والمعلومات، وتشجيع الأفكار الابتكارية للشباب، والتي ستتبناها الدولة خلال الفترة القادمة، للتصدي لظاهرة التغيرات المناخية والتداعيات الناجمة عنها