كشفت شركة دولية للهندسة المعمارية النقاب عن تصميم مقترح لأول مدينة مستدامة على سطح المريخ، يمكنها أن تستوعب نحو مليون نسمة، ولديها القدرة على تحقيق الاكتفاء ذاتياً، مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات بغزو الكوكب الأحمر، وذلك بعد قليل من هبوط مركبة تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، على سطح المريخ، في مهمة قد تستغرق عدة سنوات.

وهبطت المركبة الفضائية «برسفيرنس»، وتعني «المثابرة»، التابعة لوكالة «ناسا»، على سطح المريخ في 18 فبراير 2021، ، بعد رحلة استغرقت 7 شهور، للبحث عن أدلة على حياة سابقة محتملة على الكوكب الأحمر، حيث جاء هبوطها في فوهة «جيزيرو»، التي تحيطها تضاريس صعبة، يعتقد العلماء أنها كانت تحتوي على بحيرة، قبل 3.5 مليار سنة.

وفي مطلع يونيو الجاري، كشفت شركة «أبيبو ستوديو» للهندسة المعمارية عن تصميم أول مدينة مستدامة على سطح المريخ، تستوعب نحو مليون شخص، وتنقسم إلى 5 مدن مختلفة، تم إطلاق اسم «نوا» على أكبرها، والتي يمكن أن تكون عاصمةً لها، وجرى تصميمها بحيث تكون لديها القدرة على التكيف مع أجواء المريخ، غير الملائمة لحياة الإنسان.

ونشرت الشركة بياناً على موقعها، أوضح فيه مؤسسها، ألفريدو مونيوز، أن تصميم المدينة المستدامة على سطح الكوكب الأحمر، يقدم نموذجاً مرناً وقابلاً للتطوير، يمكن تطبيقه بسهولة في العديد من مئات المنحدرات والأودية على سطح الكوكب الأحمر.

وتُعد الحلول المبتكرة التي يقدمها مشروع مدينة «نوا» المريخية بمثابة نتاج أشهر من التعاون الوثيق مع أفضل العقول العالمية في الفيزياء الفلكية، وأنظمة دعم الحياة، والعديد من المجالات الأخرى، ومن وجهة نظر «مونيوز»، فإن الاستدامة تعني «تحقيق الكثير بالقليل»، حيث أوضح قائلاً: «نعلم أن الحل يجب أن يكون قابلاً للتطوير، واستخدام الموارد المحلية، مع القليل من المواد المنقولة من الأرض».

ووفقاً للتصميم المقترح، فإن مدينة «نوا»، التي يمكنها استيعاب 25 ألف شخص، في منطقة «تيمبي مينسا»، وهو مجرى نهر على شاطئ المحيط المريخي القديم، حيث تتواجد إمكانية الوصول إلى المياه، ودرجات حرارة معتدلة، وحالة جيولوجية مناسبة لموائل الأنفاق داخل الجرف.

وعن سبب وقوع المدينة داخل جرف على سطح الكوكب الأحمر، أشار «مونيوز» إلى أن ذلك يساعد في حل العديد من التحديات المرتبطة ببناء مستعمرة واسعة النطاق على المريخ، إذ يوفر البناء داخل الجرف مزايا كبيرة مقابل البناء على السطح أو تحت الأرض، وأوضح أنه بفضل التركيب الجيولوجي للمنحدرات، يمكن إنشاء شبكة حضرية كثيفة ثلاثية الأبعاد، مما يقلل بشكل كبير من المساحة، والموارد اللازمة لأنظمة النقل والبنية التحتية.

ويمتلك كوكب المريخ موارد قليلة، مقارنةً بالأرض، لذلك سيكون من الضروري التنقيب عن المعادن غير الموجودة في مكان واحد، ومعالجتها، لتوفير جميع متطلبات المستعمرة بأكملها، ويسمح التفكير في 5 مدن بالوصول إلى الموارد الموجودة في مناطق مختلفة، ويوفر فائضاً عن السكان على كوكب المريخ، في حالة حدوث مشكلة في إحدى المدن.

وبالنسبة للتحديات الحرجة، التي ترتبط ببداية بناء مدينة «نوا»، مثل مادة الصلب، وهي المادة الأكثر استخداماً، يمكن الحصول عليها من خلال معالجة المياه وثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى ذلك، أوضح «مونيوز» أن تقنية تصنيع كميات كبيرة من الأكسجين بحاجة إلى التطوير، ويأمل أن توفر مركبة «برسفيرنس» رؤيةً حول هذا الموضوع.

وبحسب مؤسس الشركة فإن الروبوتات والذكاء الاصطناعي ستكون أدوات أساسية لبناء مستوطنة دائمة على المريخ، وإذا استمرت الصناعة في نموها الحالي، فقد يبدأ استخدامها على المريخ في غضون عقدين أو ثلاثة عقود، كما أن تصميم «نوا» كمدينة عمودية على منحدر، يساعد وبشكل فعال، في حل العديد من المشاكل الحرجة على كوكب المريخ، لحماية السكان من أي مصادر إشعاعية، ومن تأثيرات النيازك الدقيقة، بالإضافة إلى التغيرات الشديدة في درجات الحرارة.

ولفت إلى أن المدينة لا يمكنها أن تعمل بشكل كامل إذا كانت تكنولوجيا الصاروخ لنقل مثل هذا العدد الكبير من الناس غير متوفرة، موضحاً أنه «بالنظر إلى جميع التحديات السابقة، فإن تقديراتنا تشير إلى أن مدينة منحدرة على سطح المريخ يمكن أن تبدأ عملية بنائها تقنياً بحلول عام 2054»، وفي هذه الحالة، يمكن الانتهاء من إنشائها بحلول عام 2100، وأوضح قائلاً: «هذا يعتمد على العديد من المتغيرات، بما في ذلك التحديات المذكورة والمتطلبات الأخرى المرتبطة بالحصول على التمويل والإرادة المناسبين».

واختتم مؤسس شركة «أبيبو ستوديو» للهندسة المعمارية بيانه بقوله إنه نظراً لتصور «نوا» كمدينة دائمة يعيش فيها الناس، فإن تنفيذها لا يتعلق فقط بالسلامة والسرعة، وإنما نحن بحاجة إلى توفير البيئة النفسية والمعمارية المناسبة للمواطنين، لحياة صحية وآمنة ومستدامة.