في ظل اعتماد أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية على المساعدات الخارجية، وبينما يواصل فيروس كورونا المستجد الانتشار، بدأت الأزمة الإنسانية التي تشهدها الدولة العربية منذ عام 2014، وأسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، ونزوح الملايين عن بلدانهم، تدفعها باتجاه أسوأ مجاعة في العالم، الأمر الذي يهدد بحصد أرواح ملايين آخرين من اليمنيين.

وفي أواخر الأسبوع الماضي، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بياناً حذر فيه من أن «اليمن يواجه خطراً وشيكاً بحدوث أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود»، وقال إن «ملايين الأشخاص سيفقدون حياتهم، إذا لم يتم القيام بعمل فوري لمنع ذلك»، في الوقت الذي لا تتضح فيه أي «بارقة أمل» لإنهاء الصراع الذي تشهده الدولة العربية منذ ما يقرب من 6 سنوات.

واعتبر الأمين العام أن الوضع المأساوي الراهن في اليمن ناجم عن عدة أمور، تتمثل في الانخفاض الكبير في تمويل عملية الإغاثة، التي تنسقها الأمم المتحدة، هذا العام، مقارنةً مع العامين السابقين، والفشل في مواصلة الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، خاصةً فيما يتعلق باستقرار قيمة الريال اليمني، وأثر الصراع الدائر والعوائق المفروضة من الأطراف اليمنية القوية وغيرها، على العمل المنقذ للحياة، الذي تقوم به الوكالات الإنسانية، فضلاً عن هجمات الجراد والفيضانات، التي أدت إلى تفاقم كل هذه المشاكل.

وحث «غوتيريش» كل من يتمتعون بالنفوذ، على العمل بشكل عاجل لحل هذه الأمور لتجنب وقوع الكارثة، وطلب من الجميع عدم القيام بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع الصعب، وقال: «إذا فشلنا في ذلك، فإننا سنجازف بحدوث مأساة لن تتجسد فقط في خسارة الأرواح على الفور، بل ستكون لها أيضاً عواقب يتردد صداها إلى أجل غير مسمى في المستقبل».

وفي وقت سابق، خاطب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، أعضاء مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة اليمنية قائلاً إن «المهمة الأكثر إلحاحاً اليوم في اليمن، تتلخص في منع انتشار المجاعة على نطاق واسع»، وأوضح أنه إذا نجا اليمنيون من المرض، ولكنهم لم يجدوا ما يأكلونه، ستبدأ أعضاؤهم الحيوية في الذبول ثم تفشل، وفي النهاية، يبدأ الجسم في التهام عضلاته، بما في ذلك القلب، وسيعاني الكثيرون من الهلوسة والتشنجات، قبل أن يتوقف القلب أخيراً».

واعتبر «لوكوك» أن هلاك الأشخاص بهذا الشكل، فهذا «موت رهيب ومؤلم ومهين، بل هو موت قاس بشكل خاص في عالم، مثل عالمنا، حيث يوجد في الواقع أكثر مما يكفي من الطعام للجميع»، وبينما حذر من اتساع الفجوة في تمويل خطة استجابة الأمم المتحدة في اليمن، فقد ناشد المانحين الوفاء بتعهداتهم وزيادة دعمهم، مشيراً إلى أن أكثر من 200 مليون دولار، من التعهدات هذا العام، بما في ذلك التمويل الجديد الذي تم الإعلان عنه في سبتمبر الماضي، لم يتم سداده بعد.

وفي سياق متصل، قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إن «العد التنازلي للكارثة بدأ الآن»، موضحاً أنه لا يفصل بين اليمنيين ومستوى جديد تماماً من «البؤس»، سوى أشهر قليلة، وقال في هذا الصدد: «لقد سبق وطرقنا ناقوس الخطر في عامي 2018 و2019، حيث أبلغنا مجلس الأمن بالوضع المأساوي في اليمن»، وشدد على قوله إن «معاناة اليمنيين اليوم، هي بصراحة تامة، أكثر إثارة للشفقة».

وبينما اعتبر المدير التنفيذي للوكالة الأممية الحائزة على جائزة «نوبل للسلام» لعام 2020 أن برنامج الأغذية العالمي قد أبعد اليمن من حافة المجاعة من قبل، فقد شدد على قوله إن «هذا التهديد يطرق بابهم مرة أخرى»، وأوضح أن انخفاض قيمة العملة المحلية جعل المخصصات أكثر تكلفة، كما أن العوائق التي تحول دون وصول عمال الإغاثة تقلل من ثقة المانحين، ودعا «بيزلي» إلى «وضع خطة شاملة وممولة، وإسكات البنادق بشكل عام».

وتابع المسؤول الأممي بقوله: «اسمحوا لي أن أقول هذا بوضوح شديد، لتجنب المجاعة لعام 2021، سنحتاج إلى 1.9 مليار دولار»، وأضاف: «لا يمكننا أن نقضي الوقت للتدقيق في تفاصيل صغيرة، يجب أن نتحرك الآن، لأن الناس سيموتون إذا لم نفعل ذلك»، وناشد أعضاء المجلس عدم إدارة ظهورهم لشعب اليمن، بل «اغتنام هذه الفرصة الوجيزة، التي لدينا، لتجنب المجاعة، التي بدأت تكتسب بالفعل موطئ قدم»، واختتم كلمته بقوله إن «الأولاد والبنات الصغار، والنساء، والعائلات يتطلعون إلينا لإنقاذهم».