بينما تشير التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من 850 ألف نوع من الفيروسات لم يتم اكتشافها بعد، قد تنتقل من الحيوانات إلى البشر، برزت أهمية التساؤل: كيف يمكننا تحديد أنواع الفيروسات التي قد تشكل أكبر تهديد للإنسان؟، بعدما أظهرت جائحة «سارس – كورونا – 2»، مدى التهديد الذي يمكن أن تشكله الفيروسات غير المكتشفة على الصحة العامة للبشر.

وفي إطار جهود العلماء للإجابة على هذا السؤال، قام فريق من الباحثين بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، بتطوير تطبيق إلكتروني على الشبكة العنكبوتية، أطلقوا عليه اسم (SpillOver)، أو «التفشي»، بمشاركة خبراء من مختلف أنحاء العالم، لتصنيف مخاطر انتشار الفيروسات المكتشفة حديثاً في الحياة البرية، وانتقالها إلى الإنسان.

ويُعد التطبيق أول أداة تقييم مخاطر مفتوحة المصادر، لقياس مدى انتشار الفيروسات بين الحيوانات المختلفة في الحياة البرية، واحتمالات تطورها إلى وباء، حيث يقدم قائمة مراقبة أكثر فاعلية للفيروسات المكتشفة حديثاً، لمساعدة صانعي السياسيات وعلماء الصحة في ترتيب أولوياتهم لمزيد من التوصيف والرصد والتدخلات اللازمة للحد من المخاطر.

حدد مؤلفو الدراسة عوامل المخاطر الأكثر صلة بانتشار الفيروسات، على كل من ناقل الفيروس والمضيف والبيئة المحيطة، وتمكن الفريق من تصنيف مخاطر 887 نوعاً من الفيروسات البرية، باستخدام بيانات تم جمعها من مصادر متنوعة، بما فيها الفيروسات التي تم اكتشافها ضمن مشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للتهديدات الوبائية الناشئة (PREDICT)، والذي قاده فريق من معهد الصحة الواحدة، التابع لجامعة  كاليفورنيا في ديفيس، خلال الفترة بين عامي 2009 و2020.

المؤلفة الرئيسية للدراسة، زوي غرانج، باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد الصحة الواحدة، والتي قادت جهود تطوير تطبيق (SpillOver)، أكدت أن قوة التطبيق تكمن في أنه أداة مفتوحة المصادر، وكلما تم إدخال المزيد من البيانات، جاء التصنيف أكثر مصداقية.

وجاء في صدارة القائمة 12 نوعاً من مسببات الأمراض البشرية المعروفة، والتي كانت متوقعة، مما يعزز من مصداقية أداة التصنيف، إلا أن المثير للاهتمام أن تطبيق (SpillOver) صنف العديد من فيروسات كورونا المكتشفة حديثاً، باعتبارها أعلى خطورة من حيث الانتشار، مقارنةً ببعض الفيروسات المعروفة الأخرى.

كما تضمنت القائمة نوعاً جديداً من فيروسات كورونا، يُطلق عليه مؤقتاً اسم «كوفيد-35»، جرى تصنيفه ضمن أكثر 20 نوعاً من حيث الانتشار، وجاء فيروس «سارس – كورونا- 2» في المرتبة الثانية، من بين 887 نوعاً من الفيروسات الحيوانية تم تصنيفها، حيث جاء فيروس «لاسا» في صدارة القائمة، بينما حل فيروس «إيبولا» في المرتبة الثالثة.

وبينما يبدو التصنيف غير منطقياً، بالنظر إلى حجم الأضرار الناجمة عن الجائحة الحالية، على مستوى العالم، أوضحت غرانج أن التطبيق يعتمد على تصنيف فاشيات الأمراض من حيث احتمالات حدوث تداعيات أكثر خطورة، قد تتجاوز ما يحدث تاريخياً، كما أن الكثير من المعلومات الأساسية حول «كورونا» لم يتم اكتشافها بعد، وأضافت أنه مع توافر المزيد من المعلومات عن هذا الفيروس، قد ينتقل إلى صدارة القائمة.

واعتبرت أن فيروس «سارس – كورونا- 2» مجرد مثال من بين عشرات الآلاف من الفيروسات التي لديها القدرة على الانتقال من الحيوانات إلى البشر، وتابعت بقولها: «نحن لا نحتاج فقط إلى تحديد تهديدات الفيروسات الأكثر خطورة، وإنما يجب علينا أيضاً تحديد أولوياتها قبل حدوث جائحة مدمرة أخرى، ويُعد تطبيقنا (SpillOver) لتصنيف مخاطر الفيروسات، نقطة البداية لبناء حلول احترازية استباقية».

وأوضحت مؤلفة الدراسة أن التطبيق يعتمد في آلية عمله على مفهوم «تقرير الائتمان»، عن طريق استخدام العوامل الرئيسية لتقييم المخاطر وتصنيف فيروسات الحياة البرية، من حيث مخاطر انتشارها واحتمالات انتقالها إلى البشر.

وأضافت: «من خلال إنشاء قائمة مراقبة للفيروسات ذات التصنيف الأعلى مع أكبر مخاطر انتشار، يمكننا تحديد أولويات أهداف الفيروسات للمراقبة والتركيز على أبحاث الحد من المخاطر، وربما تطوير طرق التشخيص واللقاحات قبل حدوث الجائحة».

إلا أنها أشارت إلى أن الهدف النهائي هو توجيه آليات التدخل للحفاظ على الصحة العامة، للعمل على الحد من احتماليات انتقال الفيروسات من الحياة البرية إلى البشر، خاصةً تلك الأنواع التي يمكن أن تسبب المرض للإنسان، أو قد تؤدي إلى حدوث جائحة وبائية في المستقبل.

المؤلفة المشاركة في الدراسة جوانا مازت، الأستاذة في كلية الطب البيطري بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، المدير المؤسس لمعهد الصحة الواحدة، والمدير العالمي السابق لمشروع (PREDICT)، قالت إن «هذه الأداة تهدف إلى إطلاق حوار عالمي، يسمح لنا بالذهاب إلى ما هو أبعد من طريقة تفكيرنا في تصنيف الفيروسات في الماضي، كما تسمح بالتعاون العلمي في الوقت الفعلي، للتنبيه من أي تهديدات جديدة مبكراً».

وأضافت بقولها: «يمكن أن يساعد تطبيق (SpillOver) في تعزيز فهمنا للتهديدات الفيروسية على الصحة العامة، وبالتالي تمكننا من العمل للحد من مخاطر انتشار الفيروسات، قبل أن تتحول إلى جائحة وبائية».