أصبحت منتجات البلاستيك جزءاً مهماً من حياتنا اليومية، إلا أنها باتت تشكل عبئاً على النظم البيئية، لتهدد الصحة العامة للبشر والعديد من الكائنات، التي يعتمد عليها الإنسان في حياته.
وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن حجم الإنتاج العالمي من المواد البلاستيكية يصل إلى 400 مليون طن سنوياً، نصفها منتجات أحادية الاستخدام، ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، أو تأخذ طريقها إلى الأنهار والمحيطات، التي تستقبل ما يزيد على 20 مليون طن من نفايات البلاستيك في كل عام.
وعادةً ما يتم تصنيع البلاستيك من مواد بترولية، يُضاف إليها عناصر كيميائية، بهدف تحسين خواصها، وتتميز بقدرتها على مقاومة التحلل والبقاء في النظم البيئية لسنوات طويلة، حتى اقتحمت السلاسل الغذائية، وهو ما يتسبب في أضرار صحية بالغة الخطورة.
وبحسب الدكتورة سامية جلال، مستشار البنك الدولي لشؤون البيئة في وزارة الصحة والسكان، فإن المخاطر الناجمة عن ملوثات البلاستيك، على صحة البشر، هي مخاطر لا نهائية، أكثرها خطورة تشوهات الأجنة، وتلف الجهاز العصبي، فضلاً عن الأمراض السرطانية.
تؤكد خبيرة صحة البيئة المصرية، في تصريحات لـ«جسور 2030»، أن خطورة المواد البلاستيكية ليست فقط في أنها تأخذ وقتاً طويلاً للتحلل، وإنما في أن ناتج التحلل نفسه يكون في غاية الخطورة، حيث ينتج عنها ملوثات دقيقة جداً، تسمى “ميكروبلاستيك”.
وتحذر د. سامية جلال من أن هذه المكونات الدقيقة أصبحت جزءاً من دورة حياة كثير من الكائنات، سواء النباتية أو الحيوانية، بما في ذلك الأحياء البحرية، سواء عن طريق وصولها إلى التربة الزراعية، أو إلى المسطحات المائية، حتى وجدت طريقها إلى غذاء وشراب البشر، بل وحتى في الهواء الذي نتنفسه.
وتوضح أن أكثر المخاطر الناجمة عن الملوثات البلاستيكية الدقيقة تظهر عند السيدات الحوامل، نظراً لأن لها القدرة على الوصول إلى المشيمة، التي تشكل درع الحماية للجنين من كافة الملوثات الأخرى، وتزداد الخطورة خلال فترة الشهور الثلاثة الأولى من الحمل.
وتقول مستشار البنك الدولي لصحة البيئة: «هذا جرس إنذار خطير جداً، لأن ملوثات الميكروبلاستيك إذا وصلت إلى الجنين في فترة الثلاثة أشهر الأولى، التي يتكون فيها المخ والجهاز العصبي للجنين، فهذا يعني حدوث تشوهات للأجنة لن يمكن علاجها».
وترى أن علاج هذه التشوهات يتكلف مبالغ طائلة، وعادةً لا يمكن إصلاحها، كما يشكل ضغوطاً متزايدة على المرافق الصحية، بالإضافة إلى حالة المعاناة التي يعيشها أفراد الأسرة، في حالة ولادة طفل مصاب بتشوهات جسدية، ومعظم الحالات تنتهي بوفاة الطفل، بعد فقدان الأمل في العلاج.
وبالنسبة لكبار السن، فهم أيضاً ليسوا بمنأى عن مخاطر التلوث البلاستيكي، وفقاً للدكتورة سامية جلال، حيث يتسبب وصول الملوثات الدقيقة إلى الجهاز الهضمي، وانتقالها إلى الجهاز العصبي أو الكبد والكليتين، في تأثيرات صحية خطيرة جداً، ولعل هذا ما يفسر ظهور الكثير من الأمراض المناعية الغريبة، التي لم تكن معروفة من قبل.
كما أن ملوثات الميكروبلاستيك يمكنها أن تخترق خلايا الجهاز العصبي، وينجم عن ذلك ارتباك في تركيبات الجينات، وبالتالي تكون انقسامات الخلايا غير طبيعية، وهذا ما يؤدي إلى تزايد الإصابة بالأمراض السرطانية، والأمراض التي تصيب الجهاز المناعي، والعديد من الأمراض الأخرى، التي يكتشفها الأطباء في كل يوم.
مخاطر التلوث البلاستيكي تمتد أيضاً إلى النظم البيئية، حيث تتسبب في فقدان التربة خصوبتها، وتؤدي إلى حجب أشعة وضوء الشمس عن التربة ومسطحات المياه، وينتج عنها نفوق أعداد كبيرة من الكائنات البحرية، مثل السلاحف والدلافين والشعاب المرجانية، مما يضر بصناعة السياحة في كثير من بلدان العالم.
يقول الدكتور محمد الزرقا، الخبير البيئي الدولي وعضو المنتدى المصري للتنمية المستدامة، في تصريحاته لـ«جسور 2030»، إنه عند تطاير المواد البلاستيكية في المراعي والمناطق الريفية، فإنها قد تؤدي إلى نفوق الكثير من رؤوس الماشية، عند تناولها، حيث تتسبب في انسداد الجهاز التنفسي والقناة الهضمية لهذه الحيوانات.
ويضيف د. الزرقا أن جمعية الأمم المتحدة للبيئة، في دورتها الخامسة، بالعاصمة الكينية نيروبي، العام الماضي، توصلت إلى قرار بإطلاق أول معاهدة دولية للبلاستيك، تكون بمثابة صك دولي ملزم قانونياً بهدف الحد من التلوث البلاستيكي في العالم، بحيث تتعامل المعاهدة مع دورة حياة البلاستيك، بشكل كامل، بدايةً من الإنتاج، حتى التخلص النهائي من المخلفات البلاستيكية.
وتم بالفعل تشكيل لجنة تفاوض حكومية دولية للتوصل إلى هذه المعاهدة، عقدت اجتماعها الأول في أوروجواي في ديسمبر من العام الماضي 2022، ثم جاء الاجتماع الثاني بالعاصمة الفرنسية باريس أواخر مايو الماضي، ومن المقرر أن تنتهي هذه اللجنة من أعمالها قبل نهاية عام 2024 المقبل.