أبرزت جائحة كورونا الحاجة إلى تقنيات متطورة للكشف عن الفيروسات بشكل سريع وبحساسية ودقة مرتفعتين، وذلك نظراً للانتشار الواسع والسريع للمرض حول العالم، الذي دفع الباحثين للعمل ليلاً ونهاراً في عدة اتجاهات، من ضمن هذه الاتجاهات تطوير أدوات محمولة يمكنها الكشف عن الفيروس في نقاط تقديم الرعاية وأماكن الكشف الطبي.
وعلى الرغم من معدلات التطعيم المتزايدة حول العالم، لا تزال أعداد الإصابات مرتفعةً بشكل مقلق، ويحتاج مسؤولو الصحة العامة إلى تقنيات لتحديد الأفراد المصابين بالمرض بسرعة، حتى يتمكنوا من الحد من انتقال الفيروس، وتجنب انتشار الجائحة في نطاقات أكثر اتساعاً.
في هذا الإطار، طور باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، في المملكة العربية السعودية، جهاز استشعار كهروكيميائي، للكشف عن البروتينات الفيروسية وتحديد كميتها، من خلال الجمع بين أحدث الأجهزة الإلكترونية الحيوية، وهندسة علوم المواد، وتصميم البروتينات التركيبية.
يمكن للمُستشعر الكشف عن وجود فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، أو فيروس «ميرس-كوف»، أحد أفراد عائلة كورونا، الذي يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، في غضون 15 دقيقة فقط، وذلك بعد تزويد الجهاز بعينات من دم أو لعاب المرضى أو مسحات أنفية بشكل مباشر، دون الحاجة إلى معالجة مسبقة، مثل تلك المطلوبة في اختبارات التشخيص الجزيئي، التي تحتاج إلى معامل مجهزة وتحضيرات شاقة وأشخاص ذوي خبرة.
وأظهرت الاختبارات الأولية، التي أجراها فريق الباحثين على عينات من 20 مريضاً، مصابين بفيروس «كوفيد-19»، وآخرين متطوعين أصحاء، مدى دقة المُستشعر وحساسيته، التي تضاهي دقة نتائج اختبار (بي سي آر – RT-PCR)، الذي يُستخدم لتشخيص المرض بشكل واسع.
يجمع الجهاز بين تقنيتين تم اطُويرهما في جامعة الملك عبد الله السعودية، وهما تقنية «الترانزستور الكهروكيميائي» العضوي (OECT)، الذي يُستخدم في استشعار التفاعلات بين الجزيئات الحيوية، عن طريق تضخيم هذه الإشارات، بما يصل إلى مليون ضعف، حتى يسهل رصدها.
كما يعتمد الجهاز على استخدام الأجسام النانوية المخصصة للارتباط بجزيئات بعينها بدرجة عالية من التخصصية، مما يجعلها تستهدف هذه الجزيئات بشكل خاص، والجسيمات النانوية هي جسيمات متناهية الصغر، وتحديداً في حجم النانو، الذي يساوي واحدًا من مليون من الملليمتر.
الأجسام النانوية التي استخدمها الباحثون هي لبروتينات يمكن تصميمها للالتصاق بشظايا فيروسات كورونا المختلفة، بما في ذلك تلك المسؤولة عن إصابات «كوفيد-19»، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس».
ويرتبط الجسم النانوي، عبر سلسلة من الروابط الكيميائية، بطبقة رقيقة من الذهب، متصلة بمادة شبه موصلة للكهرباء، تتحكم في تدفق التيار الكهربي، في حالة وجود أي بروتينات فيروسية، فإنها ترتبط بالأجسام النانوية، مما يؤثر في هذا التدفق، ويخلق إشارةً دالةً على هذا التأثير، يتم تضخيمها إلى مستويات قابلة للقياس، بواسطة «الترانزستور الكهروكيميائي» العضوي.