في خطوة جديدة لحماية التنوع البيولوجي والتصدي للتدهور البيئي، انطلقت من مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة حملة وطنية تحت عنوان «حتى تعود الطيور»، للمطالبة بتمديد قرار حظر الصيد في بحيرة ناصر لعام إضافي، مع توسيع نطاق الحظر ليشمل مناطق الواحات، وتشديد إجراءات المراقبة والتفتيش لوقف الانتهاكات المتكررة بحق الحياة البرية.
جاءت انطلاقة الحملة عبر ندوة علمية موسعة، نظمتها الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، بالتعاون مع جمعية كتاب البيئة والتنمية، شارك فيها عدد من كبار المسؤولين والخبراء، في مقدمتهم نقيب الصحفيين، خالد البلشي، والدكتور أكرامي الأباصيري، مدير عام محميات المنطقة الجنوبية، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارات البيئة والسياحة، وعدد من الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالشأن البيئي.
وبينما أكد نقيب الصحفيين، في كلمته الافتتاحية، دعم النقابة الكامل لهذه المبادرات، التي توظف أدوات الإعلام في رفع الوعي بقضايا البيئة، وتدعو إلى حماية الثروات الطبيعية بوصفها مسؤولية وطنية ومجتمعية، قال الدكتور خالد النوبي، المدير التنفيذي للجمعية المصرية لحماية الطبيعة، إن بحيرة ناصر ليست مجرد مسطح مائي، بل تُعد إحدى المحطات الرئيسية في مسار الهجرة السنوية لملايين الطيور، إلا أن هذه البيئة الغنية أصبحت ساحة لانتهاكات خطيرة، من جانب عصابات تتخفى وراء «ستار السياحة»، شملت استخدام أسلحة محظورة، وأجهزة جذب إلكترونية، واستهداف طيور نادرة ومهددة بالانقراض.
وأكد «النوبي» أن الجمعية وثقت، خلال الفترة الماضية، عدداً من رحلات صيد غير القانونية في بحيرة ناصر، بمشاركة عدد من الأجانب، بعضهم مطلوب قضائياً في بلدانهم، حيث اعتادوا القدوم إلى مصر بغرض السياحة، ويقومون برحلات صيد غير قانونية في بحيرة ناصر، مترامية الأطراف، بعيداً عن أعين الأجهزة الرقابية، ما يعكس هشاشة الإجراءات المتبعة لوقف مثل هذه الممارسات، الأمر الذي يمس بالتزامات مصر البيئية الدولية.
ولفت خبير الحياة البرية إلى أن قرار وزارة البيئة، الصادر في عام 2023، بحظر الصيد في بحيرة ناصر، أسفر عن نتائج ملموسة، من أبرزها تحسن مؤشرات التنوع البيولوجي، وعودة طيور نادرة إلى المنطقة، منها أول حالة توثيق لتكاثر طائر «النساج القروي» في منطقة «أبوسمبل»، كما أسهم القرار في تحفيز تحول اقتصادي داخل المجتمع المحلي، إذ بدأ عدد من الصيادين السابقين العمل كمرشدين بيئيين وسياحيين، مما فتح أبواباً جديدة للرزق، فضلاً عن تحويل الأنشطة غير القانونية إلى فرص تنموية مستدامة.
وعن حملة «حتى تعود الطيور»، أكد «النوبي» أنها تهدف إلى ترسيخ نموذج وطني لإدارة المناطق الحساسة بيئياً، بما يتماشى مع التزامات مصر، ضمن «خطة روما الاستراتيجية 2020 – 2030»، التي تستهدف تقليص معدلات الصيد غير المشروع بنسبة 50%، مشدداً على ضرورة توسيع نطاق الحظر، ليشمل مناطق الواحات في محافظة الوادي الجديد، التي باتت تواجه ضغوطًا بيئية مشابهة.
وحذرت الجمعيتان المنظمتان للحملة، وهما الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، وجمعية كتاب البيئة والتنمية، من مغبة التراجع عن قرار حظر الصيد في بحيرة ناصر، واعتبرتا أن ذلك سيعيد الفوضى إلى البحيرة، ويقوض المكاسب البيئية والاقتصادية التي تحققت، بشق الأنفس، خلال العامين الماضيين، كما دعت الحملة إلى دور شعبي فاعل، مؤكدة أن ضغط المواطنين والإعلام ومنظمات المجتمع المدني هو الأداة الأقوى لحماية البيئة.
من جانبه، أكد الدكتور محمود بكر، رئيس جمعية كتاب البيئة والتنمية، أن حماية الطيور المهاجرة في مصر لا تمثل فقط قضية محلية، بل هي جزء من التزام عالمي بحماية التنوع البيولوجي، وأشار إلى اعتزام الجمعية تنظيم زيارات ميدانية إلى بحيرة ناصر، وعقد ورش تدريبية للصحفيين على تغطية قضايا البيئة من منظور علمي وحقوقي.
من جهته، أوضح الدكتور أكرامي الأباصيري، مدير محميات المنطقة الجنوبية، أن وزارة البيئة تعتمد على آليات علمية دقيقة لتوفير أقصى حماية ممكنة للطيور المهاجرة، مثل «العد الشتوي للطيور»، و«رصد الأنواع النادرة»، بالإضافة إلى تقييم الحالة البيئية لبحيرة ناصر بصفة مستمرة، ولفت إلى أن بحيرة ناصر تُعد واحدة من أهم مواقع الرصد البيئي في مصر، ما يجعلها منصة أساسية لتوجيه السياسات البيئية الوطنية.
ومن أقصى جنوب مصر إلى السواحل الشمالية على البحر المتوسط، استعرض الدكتور حسين رشاد، مدير المحميات الشمالية، تجربة محمية «أشتوم الجميل»، في محافظة بورسعيد، في تعزيز السياحة البيئية، من خلال تنظيم فعاليات مثل «مهرجان الطيور»، الذي يجذب آلاف الزوار من داخل مصر وخارجها سنوياً، وأكد أن نجاح التجربة كان ثمرة تفاعل المجتمع المحلي، إضافة إلى الدعم من قبل محافظ بورسعيد، مما ساعد على تحويل المحمية إلى عنصر جذب اقتصادي وسياحي حقيقي.
وأكد المشاركون، في ختام الندوة العلمية، أن حملة «حتى تعود الطيور»، التي خرجت من قلب نقابة الصحفيين، تسعى إلى انتزاع قرار سياسي جريء بتمديد حظر الصيد في بحيرة ناصر، وتوسيع الحظر ليشمل مناطق أخرى مهددة، وتطالب في الوقت نفسه بتشديد الرقابة، وتفعيل القانون في وجه الصيد الجائر، وبينما تتصاعد الأصوات الداعمة، تظل الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان صوت المجتمع المدني سيكون كافيًا لحماية واحدة من أكبر كنوز مصر البيئية.