حصاد 2023.. التنمية المستدامة تتعثر أمام الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية
بواسطة Nader | ديسمبر 31, 2023 | أخبار
واجهت جهود التنمية المستدامة في كثير من مناطق العالم، تحديات بالغة خلال عام 2023، الذي شهد العديد من الأزمات الإنسانية، بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، أو الكوارث الطبيعية، والآثار المدمرة للتغيرات المناخية، والتي ظهرت تداعياتها واضحة في كثير من الدول العربية.
يستعرض موقع «جسور 2030» في هذا التقرير، عدداً من أبرز الأحداث التي شهدها عام 2023، والتي يُعد بعضها حجر زاوية في مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، بينما شكل البعض الآخر حجر عثرة أمام الجهود الوطنية لبعض الدول في طريق التنمية المستدامة.
قمة أهداف التنمية المستدامة
جاءت قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023، التي عُقدت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال سبتمبر الماضي، بالتزامن مع بداية الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة، لتمثل منتصف الطريق نحو الموعد النهائي المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وفرت القمة منصة للشباب، الذين ما زالوا يتأثرون بشكل غير متناسب بالأزمات العالمية الحالية، لسماع أصواتهم، من ضمنهم عائشة صديقي، باكستانية أمريكية ناشطة في مجال الدفاع عن العدالة المناخية، التي قالت أمام القادة المشاركين في القمة: «من الواضح جداً، أن عصر الوقود الأحفوري يقترب من نهايته، إما أن تكونوا على الجانب الصحيح من التاريخ، أو على الجانب الخطأ».
أما فيشال براساد، ممثل منظمة طلابية من جزر المحيط الهادئ معنية بمكافحة تغير المناخ، فقال: «نشهد حدوث المزيد من الأعاصير من الفئة الرابعة أو الخامسة، التي كانت تحدث مرة واحدة كل جيل، وهي تحدث الآن سنوياً تقريباً، تمحو الأعاصير عقوداً طويلة من مكاسب التنمية، وسبل عيش الناس».
مؤتمر المناخ «COP28» في دبي
يشكل مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، الذي عُقد في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، خلال الفترة من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر، أحد أبرز الأحداث البيئية في عام 2023، حيث شهد إطلاق عدد من المبادرات التاريخية على صعيد العمل المناخي، منها تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، ورسم خارطة طريق لنهاية عصر الوقود الأحفوري.
وقبل ساعات قليلة من توجهه إلى دبي، للمشاركة في مؤتمر الأطراف «COP28»، زار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بعض المناطق التي بدأت تشهد ذوباناً متسارعاً في الأنهار الجليدية، بالقارة القطبية الجنوبية «أنتاركتيكا»، بهدف تسليط الضوء على آثار ظاهرة الاحتباس الحراري.
في أعقاب هذه الزيارة، أدلى «غوتيريش» بتصريحات صحفية تعكس مدى القلق من التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، جاء فيها: «نحن محاصرون في حلقة مميتة، الجليد يعكس أشعة الشمس، ومع اختفاء الجليد، يتم امتصاص المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، وهذا يعني المزيد من الحرارة، مما يعني المزيد من العواصف والفيضانات والحرائق والجفاف في جميع أنحاء العالم، وبالتالي المزيد من الذوبان، وهو ما يعني مزيداً من التدفئة».
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، في تصريحات نقلها الموقع الرسمي للمنظمة، تزامناً مع انطلاق مؤتمر الأطراف «COP28» في دبي، أواخر شهر نوفمبر الماضي، أن «هذا الدمار هو نتيجة مباشرة لإدماننا للوقود الأحفوري»، مشدداً على «ضرورة كسر هذه الحلقة المميتة»، خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ.
وفي حديثه في القمة العالمية للعمل المناخي، التي عقدت ضمن فعاليات مؤتمر المناخ في دبي، خاطب الأمين العام قادة الأعمال مباشرةً، حيث دعاهم إلى قيادة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، باستخدام الموارد المتاحة، مشدداً على أن الطريق إلى الاستدامة المناخية هو أيضاً الطريق الوحيد القابل للتطبيق، بهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية لشركاتهم في المستقبل.
شهد مؤتمر «COP28» مشاركة عدد كبير من الشباب من مختلف أنحاء العالم، حيث استعرض بعضهم الآثار المدمرة للاضطرابات المناخية على مجتمعاتهم، من بينهم مغنية الراب السنغالية الشابة أومي غاي، التي تعرف باسم «OMG»، والتي تتعاون مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» للدفاع عن القضايا الإنسانية في منطقة الساحل الأفريقي، وهي واحدة من أسرع حالات الطوارئ الإنسانية نمواً في العالم.
قالت المغنية السنغالية الشابة، أثناء مشاركتها في المؤتمر: «نأمل في إيجاد حلول مستدامة، حلول يمكن أن تساعد كل واحد منا على تقليل التأثير السلبي لتغير المناخ في جميع المجالات، خاصةً في منطقة الساحل حيث أعيش، وهي الأكثر تأثراً».
واختُتم مؤتمر الأطراف «COP28» باتفاق يشير إلى «بداية النهاية» لعصر الوقود الأحفوري، من خلال تمهيد الطريق لانتقال سريع وعادل ومنصف، مدعوماً بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات، وزيادة في مساهمات التمويل لبرامج الطاقة النظيفة.
زلازل في سوريا وتركيا والمغرب وأفغانستان
شهد عام 2023 وقوع عدد من الزلازل المدمرة، التي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، إضافة إلى إلحاق دمار واسع بآلاف المباني والمنشآت ومرافق البنية التحتية، منها الزلزال الذي ضرب جنوب ووسط تركيا وشمال وغرب سوريا، في 6 فبراير، بشدة بلغت 7.8 درجات على مقياس ريختر.
وبينما تشير التقديرات الرسمية إلى أن الزلزال المدمر حصد أرواح ما يقرب من 60 ألف شخص في كل من تركيا وسوريا، قال المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أثناء تفقده منطقة «جبلة» في محافظة اللاذقية، شمال غرب سوريا، المنكوبة نتيجة الزلزال: «سوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمساعدة هؤلاء الأشخاص على العودة إلى حياتهم الطبيعية».
وفي 8 سبتمبر 2023، ضرب زلزال قوي بشدة بلغت 6.8 درجات على مقياس ريختر، المناطق الشمالية من المملكة المغربية، مما أدى إلى مصرع وإصابة الآلاف، أغلبهم في إقليم «الحوز»، ومدينة «تارودانت»، وفقا لبيانات السلطات الوطنية المغربية.
يعتُبر هذا الزلزال الأقوى والأكثر دموية في تاريخ المغرب الحديث، منذ عام 1960 على الأقل، وهو ثاني أكثر الزلازل فتكاً على مستوى العالَم في سنة 2023، بعد زلزال تركيا وسوريا، وقدّرت منظمة الصحة العالمية أن حوالي 300 ألف شخص في مراكش والمناطق المحيطة، تضرروا جراء الكارثة.
وتعرضت أفغانستان لسلسلة زلازل قوية خلال الأسبوع الأول من أكتوبر، تراوحت شدتها حول 6.3 درجات على مقياس ريختر، تسببت في تدمير قرى بأكملها في غرب الدولة الواقعة في وسط آسيا، وطالت تأثيراتها أكثر من 160 ألف شخص، باتوا في حاجة لمساعدات عاجلة للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد أسفر زلزال أفغانستان عن مصرع ما لا يقل عن 1400 شخص، وإصابة آلاف آخرين، فيما تحول أكثر من 20 ألف منزل إلى أنقاض، حيث ضربت الزلازل المجتمعات الضعيفة أصلاً، والتي بالكاد كان سكانها يستطيعون كسب لقمة العيش.
أحد السكان المحليين، يُدعى «توكل»، عبر عن حجم الكارثة في قريته «إنجيل»، غرب أفغانستان، بقوله: «هذا هو كل ما أملك، كان لدي أرز وقمح وطعام، وكل ما أملك مدفون تحت الأنقاض، وليس لدي طعام لأطفالي، ليس لدي مراتب أو سجاد ليجلس عليها أطفالي ويأكلون، كل ما كان لدينا مدفون هنا».
كارثة الفيضانات في درنة
وشهدت ليبيا كارثة غير مسبوقة في منطقة حوض البحر المتوسط، وذلك نتيجة الإعصار «دانيال»، الذي ضرب مناطق شرق ليبيا في 10 سبتمبر الماضي، وتسببت في هطول أمطار غزيرة، تحولت إلى فيضانات جرفت الأخضر واليابس في طريقها، وأدت إلى انهيار اثنين من السدود القديمة في وادي «درنة»، لتندفع المياه بشدة باتجاه مدينة درنة، لتلقي بآلاف السكان ومئات المنازل إلى البحر.
عبرت رنا قصيفي، من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن حجم الكارثة، التي أسفرت عن مصرع وتشريد الآلاف، بقولها: «الوضع مروع، لا أستطيع أن أشرح ما رأيته في طريقي إلى درنة، رأيت الطرق تنشطر إلى نصفين، رأيت صخوراً ضخمة تحركت من الجبال المجاورة إلى المناطق الساحلية، لقد تم هدم المنازل وغمرت بالمياه، فقدت العائلات عدداً كبيراً من أحبائها، ولا يزال الكثير منهم في عداد المفقودين، وقد تفرق البعض ونزح البعض الآخر».
العدوان الإسرائيلي على غزة
تسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، في حدوث كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع الفلسطيني، مما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى التحذير من «مجاعة تلوح في الأفق»، بالإضافة إلى تحذيرات منظمة الصحة العالمية من انهيار الأوضاع الصحية في غزة.
ويشهد قطاع غزة بالفعل معدلات مرتفعة من الأمراض المعدية، وتم الإبلاغ عن أكثر من 100 ألف حالة إصابة بالإسهال، منذ منتصف أكتوبر، نصف هذه الحالات من الأطفال الصغار الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وهو عدد يزيد بمعدل 25 ضعفاً عما تم الإبلاغ عنه قبل بداية العدوان.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 9 مرافق صحية فقط، من أصل 36 منشأة، تعمل جزئياً في قطاع غزة بأكمله، وجميعها في الجنوب، ولم تعد هناك أي مستشفيات عاملة في شمال القطاع، ولا تزال هذه المستشفيات تأوي آلاف النازحين، فيما تشير التقديرات إلى سقوط ما لا يقل عن 20 ألف شهيد فلسطيني بسبب القصف.
وجاء القرار الصادر عن مجلس الأمن في 22 ديسمبر، بموافقة 13 دولة وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، بمثابة «بصيص أمل» لسكان قطاع غزة، الذين يتعرضون لجريمة إبادة جماعية، حيث يدعو القرار إلى إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وعلى نطاق واسع، مباشرةً إلى السكان المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء قطاع غزة.
الصراع المسلح في السودان
دفعت الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وعناصر «الدعم السريع»، التي اندلعت منتصف شهر أبريل الماضي، عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوداني إلى حافة كارثة إنسانية كبرى، حيث أجبرت المعارك آلاف المدنيين على النزوح إلى مناطق أخرى، أو اللجوء إلى الدول المجاورة، خاصةً مصر وتشاد وجنوب السودان، وقالت مسؤولة أممية رفيعة إن اندلاع الصراع في السودان تسبب في الجمع بين «كارثة إنسانية متفاقمة، وأزمة حقوق إنسان كارثية».
وفي دارفور، يحتاج نحو تسعة ملايين شخص إلى المساعدة الإنسانية، وتشير التقارير إلى أن حوالي 4 آلاف شخص تم استهدافهم وقتلهم، بسبب انتمائهم القبلي، وتبرز الآن مخاوف من إمكانية عودة دارفور إلى دوامة القتال الوحشي والفظائع المتزايدة التي شهدتها آخر مرة قبل 20 عاماً، وتسببت في مقتل حوالي 300 ألف شخص، وتشريد ملايين آخرين.
وتعد جمهورية السودان حالياً أحد أكثر الأماكن صعوبة في العالم، بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، حيث تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 25 مليون شخص سيحتاجون إلى الإغاثة الإنسانية في عام 2024، معظمهم في مناطق النزاع الساخنة، بما في ذلك الخرطوم ودارفور وكردفان، والتي يصعب على وكالات الإغاثة الوصول إليها.