في إطار خطة الاتحاد الأوروبي للوصول إلى هدف الحياد المناخي بحلول عام 2050، أقرت المفوضية الأوروبية قراراً جديداً بشأن فرض ضريبة هي الأولى من نوعها، على العديد من الواردات الصناعية، تسمى «ضريبة الكربون»، كجزء من استراتيجية أوسع لإزالة الكربون في مختلف القطاعات، وهي الضريبة التي من شأنها أن تضع مزيداً من العراقيل أمام نفاد منتجات كثير من الدول، من بينها مصر، إلى الأسواق الأوروبية، خاصةً منتجات الصناعات كثيفة الانبعاثات الكربونية، مثل الحديد والصلب والأسمنت والألومنيوم والأسمدة، إضافة إلى الطاقة الكهربائية.
تأتي «ضريبة الكربون»، التي يبدأ تطبيقها بشكل كامل اعتباراً من عام 2026، في إطار «آلية تعديل حدود الكربون»، التي تهدف في الأساس، إلى منع الشركات الأوروبية من تحويل الإنتاج الصناعي عالي الانبعاثات، إلى خارج تكتل الاتحاد الأوروبي، وتشجيع الشركات في الدول الأخرى غير الأعضاء في التكتل، على إزالة الكربون من منتجاتها الصناعية، وبموجب هذه الآلية، سيتعين على المستوردين في دول الاتحاد شراء شهادات وفقاً لانبعاثات الكربون المصاحبة، مما يؤدي إلى فرض ضريبة على السلع والمنتجات عالية الانبعاثات من الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبحسب مركز تحليل البيانات والاستشارات «سيداك»، التابع لمعهد التخطيط القومي، فإن الاتحاد الأوروبي، باعتباره أحد أهم التكتلات الاقتصادية الدولية، يتجه نحو تطبيق نهج التصدي لما يُعرف باسم «التسربات الكربونية – Carbon Leakage»، ويقصد بها كميات الكربون التي تدخل إلى الدول الأعضاء بسبب واراداتها من السلع والمنتجات ذات المحتوى الكربوني المرتفع من مختلف دول العالم، وهي السلع التي تتنافس مع مثيلاتها المنتجة داخل دول الاتحاد، في منافسة سعرية يرى التكتل أنها «غير عادلة».
وفي سبيل مواجهة «التسربات الكربونية»، تم تصميم آلية لضبط وتعديل حدود الكربون «Carbon Border Adjustment Mechanism – CBAM»، التي بموجبها يفرض الاتحاد الأوروبي سعراً عادلاً على المحتوى الكربوني للسلع المنتجة خارج التكتل، والتي تستوردها الدول أعضاء الاتحاد، بهدف تشجيع الدول غير الأعضاء على تحسين صناعاتها، وخفض مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فيها، ويمكن القول إن «ضريبة الكربون»، التي سيتم فرضه على الواردات، تشبه إلى حد كبير «رسوم الإغراق»، التي تفرضها بعض الدول على وارداتها من دول أخرى تدعم أسعار صادراتها.
وعلى مدار النصف الأول من شهر فبراير 2024، أجرى وفد من المفوضية الأوروبية سلسلة مشاورات مع المسؤولين في مصر، حول الالتزامات التي تقررها آلية تعديل حدود الكربون (CBAM)، على الصادرات الصناعية المصرية، حيث التقى الوفد، برئاسة المدير العام للجنة الضرائب والجمارك بالمفوضية الأوروبية، توماس جيراسيموس، مع وزيرة البيئة المصرية، الدكتورة ياسمين فؤاد، كما عقدت بعثة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة جلسة تشاورية، بالتعاون مع اتحاد الصناعات المصرية، حول الآثار المترتبة على قطاع الصناعة نتيجة تطبيق الآلية الجديدة.
خلال اللقاء، الذي حضره سفير الاتحاد الأوروبي في مصر، كريستيان برجر، والسفير رؤوف سعد، مستشار وزيرة البيئة للاتفاقيات متعددة الأطراف، والسفير عمرو أبو عيش، أمين عام الأمانة التنسيقية لتنفيذ اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية، والمهندس أحمد كمال، المدير التنفيذي لمكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات المصرية، والدكتورة نيرمين أبو العطا، مستشار وزير الصناعة والتجارة، حرصت وزيرة البيئة على التأكيد على أهمية اللقاء من أجل الوصول إلى فهم أعمق لآلية تعديل حدود الكربون، والقطاعات المستهدفة منها.
وبينما شددت الدكتورة ياسمين فؤاد على التزام مصر بجهود وإجراءات التصدي للتأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية، بما يتماشى مع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفقاً لـ«رؤية مصر 2030»، وبما يعزز من خطة مصر نحو التحول للأخضر، فقد أكدت على أهمية التعاون مع الاتحاد الأوروبي لوضع خارطة طريق واضحة المعالم، لكيفية تبني مصر لآلية تعديل حدود الكربون، بما يتناسب مع الأولويات الوطنية والاعتبارات الاجتماعية، وبما يضمن نفاد الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية بكل سهولة ويسر، وبدون أي معوقات.
واستعرضت وزيرة البيئة الجهود المصرية لتقليل الانبعاثات في القطاع الصناعي، من خلال تنفيذ برنامج كفاءة الطاقة، وبرنامج التحكم في التلوث الصناعي، ودعم الصناعات المختلفة للتوافق مع المعايير البيئية، في إطار الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، مشيرةً إلى أنه من المستهدف، خلال الفترة المقبلة، إنشاء سوق طوعي للكربون، ليس فقط لتنفيذ إجراءات تخفيف وتقليل الانبعاثات الكربونية، ولكن أيضاً بهدف توسيع قاعدة الشراكة مع مختلف أصحاب المصلحة، من خلال تعاون فعال يقوم على الدعم الفني ونقل التكنولوجيا للتحول نحو انبعاثات أقل للكربون في قطاع الصناعة.
لم يقتصر اللقاء على مناقشة تحديات تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون على القطاع الصناعي المصري فحسب، بل دعت «فؤاد» إلى التعاون في وضع تقييم لتطبيق الآلية الجديدة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للحد من مخاوف هذه الدول من تأثير تطبيقها على التجارة الخارجية، خاصةً وأن مصر استضافت مؤخراً مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف، كما أكدت على أهمية التعاون مع الاتحاد الأوروبي لتنفيذ برنامج الصناعة المستدامة الخضراء.
المهندس أحمد كمال، المدير التنفيذي لمكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات المصرية، قال في تصريحات لـ«جسور 2030» إن الآلية الأوروبية لتعديل حدود الكربون بدأ تطبيقها في أكتوبر 2023 كمرحلة انتقالية، يقوم خلال المستوردون الأوروبيون بجمع معلومات عن حجم الانبعاثات الناجمة عن إنتاج السلع والمنتجات التي تشملها الآلية، وتشمل 6 قطاعات، وهي الحديد والصلب، والألومنيوم، والأسمنت، والأسمدة، والكهرباء، والهيدروجين، على أن يتم تسليم هذه المعلومات إلى جهات الاختصاص الوطنية في كل دولة، ولن يقوم المستوردون بسداد أي رسوم خلال هذه المرحلة الانتقالية.
وأضاف أنه بمجرد دخول الآلية الحديدة حيز النفاذ الكامل، اعتباراً من الأول من يناير 2026، سيكون على المستوردين في دول الاتحاد الأوروبي الإعلان كل عام، عن كمية السلع المستوردة من خارج دول الاتحاد في العام السابق، وعن كمية الانبعاثات الكربونية الناتجة عنها، ويتوجب عليهم، عقب ذلك، تسليم العدد المقابل من شهادات (CBAM)، التي قاموا بشرائها، تعادل قيمة الانبعاثات التي تخص كل سلعة تم استيرادها من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأوضح «كمال» أن الجلسة التشاورية، التي عقدت بالتعاون بين بعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة، واتحاد الصناعات المصرية، تضمنت مناقشة فرص التعاون بين الجانبين، من خلال تسهيل حصول الشركات في القطاعات المعنية، على شهادة الآلية، بما يساعد على منح ميزة تنافسية للمنتج المصري في التصدير إلى الأسواق الأوروبية، من خلال جمع المعلومات اللازمة لتحديد الأولويات والاحتياجات المطلوبة، وتقديم الدعم الفني، ونقل التكنولوجيا، في إطار عملية تشاورية حتى بدء تطبيق الآلية بشكل كامل في 2026.
من جانبه، أكد المدير العام للجنة الضرائب والجمارك بالمفوضية الأوروبية على أهمية مصر كدولة واعدة لتطبيق آلية تعديل الحدود الكربونية، في إطار حرص مصر على التقدم بخطوات مهمة في مسارها نحو التحول الأخضر، مشيراً إلى أن مخصصات الاتحاد الأوروبي لمصر وصلت إلى 5.8 مليار يورو، أكثر من 50% منها موجهة لدعم التحول الأخضر، وأضاف أنه من المتوقع زيادتها إلى 9 مليارات يورو بحلول عام 2027، مشددا على تشابه الأهداف بين مصر والاتحاد الأوروبي، كما أن مصر تعد من أكبر الدول المصدرة للاتحاد الأوروبي، حيث تحتل نسبة 40% من واردات الأسمدة للاتحاد الأوروبي.
وأوضح «جيراسيموس» أن آلية تعديل الحدود الكربونية تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاعات الصناعات الثقيلة، كالأسمنت والألمونيوم والأسمدة، إلى جانب قطاع الكهرباء والهيدروجين الأخضر، للخروج بمنتجات خضراء، من خلال وضع معايير حاكمة للمنتجات الواردة للاتحاد الأوروبية، حيث بدأت المرحلة الانتقالية المخصصة لإعداد التقارير في نهاية عام 2023، وتستمر حتى عام 2026، للخروج بأهداف محددة، من خلال عملية تشاورية، وأكد أن كل ذلك يأتي نتاج لرحلة طويلة بدأت منذ 25 عاماً، لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية.