بينما كانت معظم التوقعات تشير إلى أن عام 2024 سيشهد قفزات على المسارات المختلفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، إلا أن هذه الجهود مُنيت بـ«انتكاسة» جديدة، قد تجعل «أجندة 2030» بعيدة المنال، في ظل استمرار التباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، رغم التعافي من «جائحة كورونا»، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة في أنحاء مختلفة من العالم، والتي من شأنها أن تتسبب في «مخاطر غير مسبوقة» تلقي بعواقبها على الأداء الاقتصادي العالمي على المدى القريب.

ومع اقتراب منتصف العقد الحالي (2020 – 2030)، تشير تقديرات دولية إلى أن معدلات أداء الاقتصاد العالمي بلغت مستويات متدنية للغاية، وصفها خبراء اقتصاديون بأنها «تدعو للأسف»، بعد أن أظهر أحدث تقرير للبنك الدولي، عن الآفاق الاقتصادية العالمية، أن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الـ5 سنوات الأخيرة، من عام 2019 وحتى نهاية العام الجاري، هي الأكثر ضعفاً على مدار 30 عاماً، ورغم ذلك يعتبر التقرير، الذي حصلت «جسور 2030» على نسخة منه، أن مؤشرات الاقتصاد العالمي لعام 2024 في وضع أفضل مما كان عليه قبل عام، مع تراجع مخاطر حدوث ركود عالمي.

إلا أنه في الوقت نفسه، أصبحت الآفاق متوسطة الأجل «قاتمة» بالنسبة للعديد من الاقتصادات النامية، وسط تباطؤ معدلات النمو في معظم الاقتصادات الكبرى، فضلاً عن تباطؤ التجارة العالمية، حيث يتوقع التقرير ألا يتجاوز نمو التجارة العالمية في عام 2024 نصف المتوسط المسجل في آخر 10 سنوات قبل «جائحة كورونا»، وكذلك من المرجح أن تظل تكاليف الاقتراض بالنسبة للاقتصادات النامية، خاصةً التي تعاني من ضعف التصنيف الائتماني، مرتفعة للغاية، مع بقاء أسعار الفائدة العالمية عند أعلى مستوياتها على مدى 40 سنة، بعد استبعاد أثر التضخم.

أبرز المخاوف التي يتضمنها التقرير تتعلق باستمرار التباطؤ في النمو العالمي للعام الثالث على التوالي، ليتراجع من 2.6% خلال العام الماضي، إلى 2.4% في عام 2024، أي أقل بنحو 0.75% عن المتوسط السائد في العقد الثاني من القرن الـ21، حيث يشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن تنمو الاقتصادات النامية بنسبة 3.9% فقط، وهو معدل أقل من المتوسط الذي تحقق في العقد السابق بأكثر قليلاً من نقطة مئوية واحدة، بينما من المتوقع أن تحقق البلدان منخفضة الدخل معدلات نمو بنسبة 5.5%، وهي معدلات أقل من المتوقع في السابق، نتيجة أداء «مخيب للآمال» في العام الماضي.

وبالنسبة لهدف الحد من الفقر في أنحاء العالم، يحذر تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية للبنك الدولي، من أنه بنهاية عام 2024، سيظل الناس في بلد واحد من كل 4 بلدان نامية، ونحو 40% من البلدان منخفضة الدخل، أكثر فقراً مما كانوا عليه قبل تفشي «جائحة كورونا» في عام 2019، أما في الاقتصادات المتقدمة، فمن المتوقع أن يتباطأ معدل النمو إلى 1.2% هذا العام، مقارنةً بمعدل نمو 1.5% في 2023.

في إطار تعليقه على ما جاء في التقرير، يقول إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس، إنه «ما لم يحدث تصحيح رئيسي للمسار، ستكون السنوات العشرة من 2020 إلى 2030 عقداً من الفرص الضائعة، وسيظل النمو ضعيفاً على المدى القريب، وسيؤدي ذلك إلى حدوث ارتباك في العديد من البلدان النامية، لاسيما الأشد فقراً منها، وستؤدي معدلات الديون العالية إلى شل قدرات هذه البلدان، بل سيكون من الصعب للغاية توفير الغذاء لواحد من كل ثلاثة أشخاص تقريباً، وسيعرقل ذلك إحراز تقدم في سبيل الوفاء بالعديد من الأولويات العالمية»، إلا أنه يستطرد بقوله: «لا تزال هناك فرصة لتغيير الوضع»، معتبراً أن «التقرير يعرض طريقا واضحا للمضي قدماً، حيث يحدد التحول الذي يمكن تحقيقه، إذا تحركت الحكومات الآن لتسريع وتيرة الاستثمارات، وتعزيز أطر سياسات المالية العامة».

أما بالنسبة لقضية التغيرات المناخية وتحقيق الأهداف العالمية الرئيسية الأخرى للتنمية المستدامة بحلول عام 2030، يؤكد التقرير أنه يتوجب على البلدان النامية تحقيق زيادة هائلة في الاستثمارات بنحو 2.4 تريليون دولار سنوياً، مشيراً إلى أنه بدون حزمة شاملة من السياسيات، لن تكون الآفاق واعدة لتحقيق هذه الزيادة، في ظل توقعات بأن يبلغ متوسط نصيب الفرد من نمو الاستثمارات في الاقتصادات النامية بين عامي 2023 و2024 نحو 3.7% فقط، وهو معدل يزيد قليلاً عن نصف المعدل السائد في العقدين السابقين.

يقدم التقرير أول تحليل عالمي لما يتطلبه تحقيق طفرة استثمارية مستدامة، بناءً على تجارب 35 اقتصادا متقدماً، و69 اقتصاداً ناميا على مدى السبعين عاما الماضية، ويخلص التقرير إلى أن الاقتصادات النامية غالباً ما تجني مكاسب اقتصادية غير متوقعة، عندما تعمل على تسريع وتيرة نمو نصيب الفرد من الاستثمارات، إلى 4% على الأقل، وتحافظ على هذا المعدل لمدة 6 سنوات أو أكثر، وهنا تتسارع وتيرة التقارب مع مستويات الدخل في الاقتصادات المتقدمة، ويتراجع معدل الفقر بسرعة أكبر، ويتضاعف نمو الإنتاجية بواقع 4 أمثال، وتظهر منافع أخرى أيضاً خلال هذه الفترات، على سبيل المثال، تتراجع معدلات التضخم، ويتحسن المركزان المالي والخارجي، وتتوفر خدمات الإنترنت للناس بوتيرة سريعة.

في هذا السياق، يقول أيهان كوسي، نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين ومدير «مجموعة آفاق التنمية» بالبنك الدولي، إنه يمكن أن تحقق طفرات الاستثمار تحولاً في الاقتصادات النامية، وتساعد على تسريع وتيرة التحول في استخدام الطاقة، فضلاً عن تحقيق مجموعة متنوعة وواسعة من الأهداف الإنمائية، ويضيف أنه «لتحقيق هذه الطفرات، على الاقتصادات النامية تنفيذ حزم شاملة من السياسات، لتحسين أطر سياسات المالية العامة والسياسات النقدية، وزيادة معدلات التجارة والتدفقات المالية العابرة للحدود، وتحسين مناخ الاستثمار، وتدعيم جودة المؤسسات»، وبينما يعتبر أن هذا «عمل شاق»، إلا أنه يشير إلى أن العديد من الاقتصادات النامية تمكنت من القيام به من قبل، وسيساعد القيام بذلك مرة أخرى على التخفيف من التباطؤ المتوقع في النمو المحتمل في المدة المتبقية من العقد الحالي.