في السابع من أغسطس الماضي، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، القرار رقم 2738 لسنة 2022، بإطلاق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، متضمناً اختيار الدكتور عماد الدين عدلي عضواً في لجنة تحكيم المشروعات المقدمة للمبادرة، بصفته رئيساً لمجلس أمناء المنتدى المصري للتنمية المستدامة، في الوقت الذي يقود فيه أكبر مبادرة من نوعها للمجتمع المدني، استعداداً لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27)، في شرم الشيخ الشهر المقبل.

أثناء دراسته في السنة الأولى بكلية الطب جامعة القاهرة، نصح أحد الأساتذة، وهو الدكتور نور رسلان، طلابه بكلمات مازالت عالقة في ذهن عماد الدين عدلي إلى الآن، مفادها أنه يتوجب على الطبيب قبل أن يبدأ في علاج أعراض المرض أن يضع علاجاً للسبب، وهي الكلمات التي شكلت نقطة تحول في حياة الطالب الشاب، الذي بادر بالانضمام إلى «الجمعية العلمية لطلاب كلية الطب»، ليبدأ مسيرة العمل التطوعي سعياً في إحداث التغيير في البيئة المحيطة إلى الأفضل.

قبل أن ينهي دراسته الجامعية، استطاع «عدلي» وعدد من زملائه جمع العمل التطوعي بينهم، في تشكيل جمعية باسم «المكتب العربي للشباب والبيئة»، ووجد الطلاب دعماً من الكاتب الصحفي الراحل، صلاح جلال، رئيس «نوادي علوم الأهرام» في ذلك الوقت، الذي ساعدهم على تأسيس الجمعية أواخر عام 1978، تحت مظلة نوادي العلوم، كما استضاف الاجتماعات الأولى للجمعية في مبنى صحيفة الأهرام، قبل أن تصبح واحدة من أكبر منظمات المجتمع المدني في مصر والمنطقة العربية.

يعترف «عماد عدلي» بفضل عدد من العلماء وخبراء البيئة في مرحلة التأسيس الأولية للجمعية، من ضمنهم العالم الراحل الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص، الذي كان يُلقب بـ«أبو البيئة» في مصر، والذي كان يتولى رئاسة الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، أحد أكبر المنظمات البيئية الدولية، والعالم الراحل الدكتور مصطفى كمال طلبة، المدير التنفيذي الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث كان لهما دور كبير في وضع المكتب العربي للشباب والبيئة على المسار الصحيح.

وخلال مسيرته في العمل التطوعي في مجال البيئة والتنمية، التي تمتد إلى 44 عاماً، أطلق «عدلي» العديد من المبادرات البيئية والتنموية، سواء على الصعيد الوطني في مصر، أو على الصعيد الإقليمي في المنطقة العربية، أو منطقة حوض البحر المتوسط، أو حوض نهر النيل، كما عمل على إدماج الشباب في كافة المشروعات والأنشطة التي يجري تنفيذها، من خلال تنظيم لقاء سنوي لشباب الجامعات، وإطلاق منتدى شباب مصر للتنمية المستدامة، إضافة إلى مؤتمرات شبابية على مستوى القارة الأفريقية.

ولعل أبرز المبادرات التي أطلقها الدكتور عماد الدين عدلي تمثلت في الاحتفال بيوم البيئة الوطني، الذي يوافق 27 يناير من كل عام، حيث تم الاحتفال به لأول مرة في عام 1997، وحظيت المبادرة برعاية حكومية، بموجب قرار لرئيس مجلس الوزراء في عام 2020، باعتماد يوم البيئة الوطني كمناسبة رسمية، كما أطلق المكتب العربي مجموعة من المبادرات الأخرى، منها «شارع البيئة»، التي تم تنفيذها في عدد من المحافظات، و«الخط البيئي الساخن» لتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المخالفات البيئية.

كما أطلق «عدلي»، الذي يعمل منسقاً وطنياً لبرنامج المنح الصغيرة، التابع لمرفق البيئة العالمية، عدداً من المؤسسات على الصعيد الوطني، منها المنتدى المصري للتنمية المستدامة، ومنتدى الحوار والمشاركة من أجل التنمية، ومنظمة المستهلكين والطاقة، وعلى الصعيد الإقليمي أطلق الشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، التي تتمتع بصفة مراقب في مجلس وزراء البيئة العرب، وكذلك المنتدى الدولي لحوض نهر النيل، بالإضافة إلى مكتب معلومات البحر المتوسط، الذي أصبح أحد أكبر منظمات المجتمع المدني بالمنطقة.

ويُعد الدكتور عماد الدين عدلي هو صاحب فكرة إنشاء أول مركز للتدريب والتعليم والاتصال البيئي في مصر، والذي يتمثل في مشروع «بيت القاهرة»، الذي تم إنشاؤه في منطقة الفسطاط منتصف تسعينيات القرن الماضي، أثناء تنفيذ برنامج الحفاظ على مياه الشرب، بحيث يتولى إدارته المكتب العربي للشباب والبيئة، تحت إشراف جهاز شؤون البيئة، بهدف دعم جهود التنمية المستدامة، من خلال عقد الشراكات مع الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وشركات القطاع الخاص.

يقول «عدلي» في هذا الصدد، إن المشروع كان مصمماً بحيث يتم توجيه ثلث الأنشطة لخدمة أهداف وزارة وجهاز شؤون البيئة، والثلث الثاني لتدريب وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني وإعداد الكوادر المدربة، بينما يتم استغلال الثلث الأخير كمنشأة فندقية، بالشكل الذي يغطي نفقات هذه المؤسسة البيئية الأولى من نوعها في مصر والعالم العربي.

وخلال مراحل التحضير لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (COP-14)، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2018، أصدرت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، قراراً باختيار الدكتور عماد الدين عدلي، رئيساً للجنة التحضير اللوجستية للمؤتمر، الذي جرت فعالياته تحت شعار «الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل صحة ورفاهية الإنسان وحماية الكوكب»، تحت رعاية وحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبمشاركة دولية واسعة من نحو 195 دولة.

وفي إطار الاستعدادات الجارية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27)، الذي يُعقد في مدينة شرم الشيخ أيضاً، خلال شهر نوفمبر المقبل، أطلق «عدلي» مبادرة هي الأولى من نوعها، لتنسيق جهود منظمات المجتمع المدني في مصر، باسم «بلدنا تستضيف قمة المناخ الـ27»، حيث تسعى المبادرة لحشد أكثر من 500 جمعية أهلية في مختلف المحافظات، ضمن المنصات المحلية، التي تم إطلاقها لأول مرة، بمعدل 20 جمعية في كل محافظة.

وأوضح «عدلي» أن مبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ الـ27» تتضمن 4 محاور رئيسية، يتمثل المحور الأول في تشكيل منصات محلية بمختلف المحافظات، بينما يتمثل المحور الثاني في إطلاق ميثاق شرف لمواجهة التغيرات المناخية، ويعبر المحور الثالث عن نموذج للشراكة الحقيقية بين مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، من خلال إطلاق شبكة «إعلاميون من أجل المناخ»، التي تضم عدداً من الصحفيين والإعلاميين المعنيين بالتغيرات المناخية، بهدف نشر الوعي بهذه القضايا

ويتمثل المحور الرابع في اقتراح المنصات المحلية لمجموعة من المشروعات، التي يمكن عرضها أمام قمة المناخ، والسعي للحصول على تمويل لتنفيذها على أرض الواقع، وهي المشروعات التي شكلت إحدى الركائز الأساسية لانطلاق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية بالمحافظات.