مقابلة قصيرة قلبت حياة الفتاة الصغيرة رأساً على عقب، حتى أصبح اسمها يتردد في مختلف الأنحاء، بعد أن تحولت إلى مصدر إلهام لملايين الأطفال حول العالم، واختارتها مجلة «تايم» للقب «شخصية العام» في 2019، بينما كانت في عمر 16 سنة، لتصبح أصغر فتاة تفوز بهذا اللقب، منذ أن بدأت المجلة الأمريكية هذا التقليد قبل ما يزيد على 90 سنة، وتحديداً في عام 1927.

نجحت الطفلة غريتا تونبرغ، المولودة في الثالث من يناير 2003، لأب ممثل سينمائي وأم مغنية في الأوبرا، إلى تحويل محنة إصابتها بمجموعة من الأمراض المستعصية، مثل «متلازمة أسبرجر»، واضطراب «الوسواس القهري»، والطفرة الانتقائية، إلى منحة حقيقية، بعدما أصبحت خلال فترة قصيرة، أصغر ناشطة في قضية التغيرات المناخية، بل واحدة من أبرز مناصري المناخ.

لعبت الصدفة دورها في هذا التحول الكبير في مسيرة الطفلة السويدية، التي حظيت باهتمام كبير من قبل والديها، اللذين ساعدها في الفوز بمسابقة للكتابة، نظمتها إحدى الصحف المحلية، في مايو 2018، طلبت من التلاميذ التعبير عن مخاوفهم من التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية، وأتاح لها ذلك لقاء أحدى أبرز الناشطين البيئيين في السويد، بو توران، وهي المقابلة التي غيرت حياتها تماماً.

وفي أغسطس من نفس العام، بدأت «غريتا» أولى خطواتها العملية للاحتجاج على السياسات المتبعة في بلادها للحد من التغيرات المناخية، عندما قررت الامتناع عن الذهاب إلى مدرستها في ستوكهولم، حتى إجراء الانتخابات العامة في سبتمبر التالي، احتجاجاً على عدم التزام الحكومة السويدية بما ورد في «اتفاق باريس» سنة 2015، بشأن خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

لم يقتصر احتجاج الطفلة، التي لم تكن قد تجاوزت 15 عاماً بعد، عند هذا الحد، بينما كانت تذهب للاعتصام أمام مبنى البرلمان السويدي لعدة ساعات، أثناء اليوم الدراسي، في يوم الجمعة من كل أسبوع، ولمدة 3 أشهر، وبعد انتشار قصتها، بادرت مجموعات طلابية في أنحاء العالم بدعمها، وبلغ عدد مناصريها أكثر من 200 ألف طالب وطالبة، انضموا إلى احتجاجات مماثلة في 270 مدينة على الأقل.

وفي نوفمبر من العام نفسه 2018، تم دعوة «غريتا» للحديث أمام منتدى «تي إي دي ستوكهولم»، للتعبير عن مخاوفها بشأن التغيرات المناخية، ثم في ديسمبر التالي، ألقت كلمة أمام الدورة 24 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-24) في كاتوفيتشي ببولندا، وفي مطلع 2020، ألقت خطاباً أثار كثيراً من الجدل، أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

وفي حديث لها أمام قمة «شباب من أجل المناخ»، في مدينة ميلانو بإيطاليا، في سبتمبر 2021، وصفت «تونبرغ» تعهدات قادة العالم بالعمل المناخي بأنها «كلمات جوفاء»، وأضافت أن «الأزمة الحقيقية تكمن في فكرة الاعتقاد بأن قيمة بعض الناس أكثر من غيرهم»، واتهمت قادة العالم بـ«التقاعس»، كما اعتبرت أن موقفهم إزاء التغيرات المناخية ينطوي على «خيانة للأجيال الحالية والمستقبلية».

وقالت الفتاة السويدية: «كل ما نسمعه من زعمائنا المزعومين، كلمات تبدو رائعة، ولكن حتى الآن، لم تثمر عن أي عمل، لقد غرقت آمالنا وأحلامنا بكلماتهم الفارغة ووعودهم الجوفاء»، وأضافت: «قادتنا لا يتصرفون طواعيةً، وهذه خيانة، لا يمكنهم القول إنهم يفعلون ذلك، لأنهم يواصلون فتح مناجم الفحم واستغلال الاحتياطيات، دون زيادة الأموال للبلدان الضعيفة».

في أغسطس 2019، بينما كانت أصغر مناصرة للمناخ تستعد للتوجه إلى الولايات المتحدة، لحضور قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي، أصرت على عدم ركوب الطائرة، بسبب ما يصدر عنها من انبعاثات ضارة بالبيئة، وتم تجهيز قارب يعمل بألواح الطاقة الشمسية، انطلق من «بلايموث» في إنجلترا، إلى نيويورك، في رحلة عبر المحيط الأطلسي، بدون انبعاثات كربونية، استغرقت 15 يوماً.

كما كان من المقرر أن تشارك «غريتا» في الدورة الـ25 لمؤتمر الأطراف (COP-25) في سانتياغو بدولة تشيلي، أواخر عام 2019، إلا أنه تم نقل مقر المؤتمر إلى العاصمة الإسبانية مدريد، قبل نحو شهر من موعد انعقاده في الموقع المحدد، بسبب اضطرابات واسعة.

وتصر الفتاة السويدية، خلال رسائلها أمام مؤتمرات المناخ، على التأكيد على مجموعة من الموضوعات المتداخلة، منها أن البشرية تواجه أزمة وجود بسبب تغير المناخ، وأن الجيل الحالي من البالغين هو المسؤول عن التغيرات المناخية، وأنه يجب على السياسيين وصانعي القرارات الاستماع إلى العلماء.

كما ترى غريتا تونبرغ أن التعهدات الواردة في اتفاق باريس بمنع ارتفاع الحرارة بأكثر من 1.5 درجة عما كانت عليه قبل عصر الثورة الصناعية، ليست كافية، وأنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 80% بحلول عام 2030، أي ضعف الهدف المعلن بموجب اتفاق باريس.