في إطار الجهود الدولية المبذولة للمساهمة في التخفيف من آثار التغيرات المناخية، أصدر مجلس علماء إندونيسيا، أكبر هيئة دينية في الدولة الإسلامية، فتوى بـ«تحريم» الإجراءات التي من شأنها الإضرار بالبيئة وتفاقم التداعيات الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك إزالة الغابات على نطاق واسع، مما يتسبب في تدمير مساحات شاسعة من الغطاء الأخضر، وإطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

جاءت فتوى مجلس علماء إندونيسيا في إطار مشروع تعاون مشترك بين كل من جمعية «مانكا»، وهيئة «إيكو نوسا»، وتحالف «أمة لأجل الأرض»، مع هيئة تنمية البيئة والموارد الطبيعية، التابعة لمجلس العلماء، وفق ما جاء في بيان تلقته «جسور 2030»، أشار إلى أن الفتوى تتضمن جانبين، أحدهما يتعلق بالإجراءات التي تسبب ضرراً بالطبيعة، والجانب الآخر يتعلق بإزالة الغابات، باعتبار أنها إجراءات «محرمة».

ولفت البيان الصادر عن تحالف «أمة لأجل الأرض»، إلى أن الكوارث المناخية أصبحت أكثر تواتراً، وتشهد مناطق متفرقة من الكوكب، وبشكل متزايد ومتكرر، أشكال مختلفة من الظواهر المناخية المتطرفة، مثل تزايد ارتفاع درجات الحرارة، وأحوال الطقس غير المتوقعة، وموجات حادة من الفيضانات والجفاف.

وأشار البيان إلى تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية، الذي يظهر أن تغير المناخ يحتل المرتبة الأولى كسبب للكوارث العالمية، مثل الكوارث الطبيعية، وظواهر الطقس المتطرفة، وأزمات الغذاء، ونقص المياه النظيفة، وفقدان التنوع البيولوجي، وانهيار النظم البيئية، كما تشير التقديرات حالياً إلى أنّ بين 3.3 و3.6 مليار نسمة من سكان العالم، هم في حالة «هشّة»، نظراً لتعرّضهم لهذه الكوارث المتعددة.

كما ذكر تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الصادر في مارس 2023، أن الأنشطة البشرية تسبّبت في الاحترار العالمي، لاسيما من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة، بحيث وصل معدل الارتفاع في درجات حرارة سطح الأرض إلى 1.1 درجة مئوية، ليتجاوز متوسط الأعوام 1850- ،1900 بين 2011 و 2020، وسط توقعات باستمرار تزايد الاحترار العالمي، نتيجة للاستخدام غير المستدام للطاقة، والتغيرات في استخدام الأراضي، فضلًا عن التغيرات في أنماط الاستهلاك والإنتاج.

وبينما أعرب تحالف «أمة لأجل الأرض» عن الأسف لأن موضوع تغيّر المناخ مازال مسألة خارج إطار المناقشات في حياتنا اليومية، ولا يزال يُعتبر موضوعاً حصرياً لمجموعات معينة، مثل الأكاديميين والجهات البيئية الفاعلة والحكومات، لذلك، تنّص الفتوى على عدد من التوصيات، يمكن أن تخدم كتدابير وقائية، من بينها المساهمة في التخفيف من آثار أزمة المناخ وجهود التكيف، والتقليل من البصمة الكربونية الناتجة عن الحاجات الأساسية، والتحوّل العادل للطاقة.

ونقل البيان عن ممثلة التحالف في منظمة «غرينبيس» بإندونيسيا، خالصة خالد، قولها إن «هذه الفتوى من مجلس العلماء الإندونيسي، هي مبادرة وجهد مهم من قبل إندونيسيا، بصفتها من الدول التي تحتوي على أكبر عدد من المسلمين في العالم، للمساهمة في التصدّي لأزمة المناخ، والتخفيف من حدّة آثارها»، وأضافت أنه «يمكن أن تكون هذه الفتوى أيضاً مصدر إلهام للمسلمين في البلدان الأخرى، لأننا نعتقد أن الدين له دور مهم في المساهمة في العمل المناخي والدعوة إليه، مع العلم أن البلدان الأكثر تضرراً من أزمة المناخ هي من دول الجنوب العالمي حيث تطغى غالبية مسلمة من السكان».

وقال رئيس هيئة تنمية البيئة والموارد الطبيعية، التابعة لمجلس العلماء الإندونيسي، إنّ أسباب تغيّر المناخ والاحترار العالمي تتألف من عوامل مختلفة، تؤدي إلى طقس متطّرف مع فترات جفاف طويلة، وهطول الأمطار، وارتفاع منسوب مياه البحر، مما يزيد من تواتر الكوارث الجوية المائية، فضلاً عن حالات الفشل في قطاعي الزراعة وصيد الأسماك، وأكد أن هناك حاجة للجهود المشتركة من قبل جهات مختلفة، للتصدي لتغير المناخ، ومن بينها الحكومة والمجتمع بشكل عام.

وقالت منسقّة الحملات والتواصل العالمي في مشروع «أمّة لأجل الأرض»، بمنظمة «غرينبيس» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نهاد عواد، إنه «من الملهم أن نرى هكذا فتوى رائدة حول تغير المناخ، تصبح حقيقة»، وأضافت: «هذه خطوة حاسمة نحو دمج المبادئ الإسلامية مع الخلافة البيئية»، مشيرةً إلى أن هذه المبادرة تضع إندونيسيا كرائدة في العمل المناخي، وتؤكد المسؤولية العالمية التي نتشاركها كمسلمين لحماية كوكبنا للأجيال القادمة.