في انتصار جديد لشعوب الدول التي تعيش على الخطوط الأمامية في أزمة التغيرات المناخية، اعتمدت الأمم المتحدة، قبل ساعات، قراراً تاريخياً يطلب من محكمة العدل الدولية تحديد واجبات الدول المختلفة في الحد من الاحتباس الحراري، الأمر الذي يضع الدول الصناعية أمام مسؤوليات دولية أكبر للمساهمة في التخفيف من التغيرات المناخية والتكيف مع التداعيات الناجمة عنها.

وصوت أعضاء الجمعية العامة، بإجماع أكثر من 130 دولة، على مشروع قرار يهدف إلى الحصول على فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ، وذلك بعد نضال استمر عدة سنوات، قادته جمهورية فانواتو، وهي جزيرة صغيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ، بالإضافة إلى مبادرة شبابية، ضمت طلاباً من فيجي ودول جزرية أخرى.

وبموجب القرار، الذي يعتبر انتصاراً تاريخياً لشعوب الدول التي عانت من تأثيرات التغيرات المناخية، أو المهددة بمزيد من التداعيات الكارثية، يتعين على المحكمة الدولية إبداء رأيها حول واجبات الدول في حماية المنظومة المناخية للأجيال الحالية والمقبلة، الأمر الذي يعول عليه دعاة العدالة المناخية لزيادة الضغوط على الدول الصناعية، التي لا تبذل جهوداً كافية للتصدي لحالة الطوارئ المناخية.

في أول تعليق له على اعتماد القرار بالإجماع، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، مخاطباً أعضاء الجمعية العامة: «معاً أنتم تكتبون التاريخ»، وأضاف أنه حتى وإن كان القرار، الذي سيصدر عن المحكمة الدولية «غير ملزماً»، فمن الممكن أن يساعد قادة العالم على اتخاذ «إجراءات أكثر شجاعة، وأكثر قوة، تشتد الحاجة إليها»، لكبح جماح التغيرات المناخية.

ووصف رئيس وزراء فانواتو، إسماعيل كالساكو، القرار بأنه «رسالة واضحة وقوية»، وقال رئيس حكومة الدولة الصغيرة التي تعرضت لسلسلة من الأعاصير المدمرة في غضون أيام قليلة: «في هذا اليوم، قررت شعوب الأمم المتحدة تنحية خلافاتها جانباً، والعمل معاً من أجل التصدي للتحدي الرئيسي الذي نواجهه في العصر الحالي، وهو تغير المناخ».

وأطلقت حكومة فانواتو مبادرة تاريخية في عام 2021، استجابة لحملة شبابية قادها طلاب جامعيون من فيجي، في وقت سابق عام 2019، تدعو للجوء إلى محكمة العدل الدولية لملاحقة الأطراف الملوثة، وتأمل الدول الجزرية الصغيرة، المؤيدة للمبادرة، أن يدفع رأي المحكمة، المتوقع في غضون سنتين، حكومات مختلف الدول على تسريع تحركاتها، سواء بمبادرة منها، أو عبر ملاحقات قضائية.

وبينما أكد منسق السياسات الإقليمية في «شبكة العمل المناخي» لجزر المحيط الهادئ، لافيتانالاجي سيرو، أن القرار يمثل «انتصاراً لشعوب ومجتمعات هم على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ»، فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن خبراء دوليين أنه رغم أن الآراء الصادرة عن محكمة العدل الدولية «غير ملزمة»، فإنها «تتمتع بوزن قانوني وأخلاقي كبير»، وتأخذها المحاكم الوطنية في الاعتبار.

يأتي القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي تم التصويت عليه مساء الأربعاء، بعد نحو أسبوع على صدور التقرير التجميعي السادس للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الذي يقدّم صورة قاتمة لمستقبل الحياة على كوكب الأرض، نتيجة التداعيات السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، كما يتضمن حزمة حلول مقترحة تبقي على «بصيص من الأمل» في إنقاذ الكوكب.

وتحذر اللجنة الدولية من أن مستوى الاحترار العالمي قد يتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية خلال الفترة بين عامي 2030 و2035، بينما يهدف «اتفاق باريس»، الذي أقره قادة العالم في عام 2015، إلى منع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة حتى نهاية القرن الحالي، مقارنةً بمستويات الحرارة قبل الثورة الصناعية، لضمان «مستقبل قابل للحياة» للبشرية.

وقال خبير المناخ هارجيت سينج، من شبكة العمل المناخي للمنظمات الحكومية، في بيان حصلت عليه «جسور 2030»، إن القرار يشكل «أداة مهمة لمحاسبة الدول»، ووصف القرار بأنه «أحد أكبر إنجازات الدبلوماسية المناخية في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أنه إذا كان اتفاق باريس يتضمن «تعهدات غير ملزمة» للدول لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن قرار الجمعية العامة ينص على آليات أخرى.

ورحبت تنظيمات شبابية تقف وراء المبادرة، بقرار الجمعية العامة، وقالت سينثيا هونيوهي، رئيس منظمة «طلاب جزر المحيط الهادئ يكافحون ضد تغير المناخ»، من جزر سليمان، إن «المبادرة تشكل فرصة للقيام بتحركات تقلل من مخاوفنا، ومهمة للأجيال المقبلة»، وعبرت عن أملها في أن يسهم القرار في كبح جماح التغيرات المناخية، بقولها: «أتمنى أن أتمكن من عرض صورة عن جزيرتي على طفلي في يوم ما».

ورغم أن ممثل الولايات المتحدة في الجمعية العامة، نيكولاس هيل، لم يعترض على القرار، الذي تم اعتماده بالإجماع، إلا أنه قال: «لدينا مخاوف جدية من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعقيد جهودنا الجماعية، وأن تبعدنا عن تحقيق أهدافنا المشتركة»، وتابع أنه يفضل المسار الدبلوماسي بدلاً من الملاحقات القضائية، التي قد تتسبب في تفاقم الخلافات.