دعوة لتعزيز تمويل العمل المناخي دون خارطة طريق للتخلّص من الوقود الأحفوري

في لحظة كان العالم ينتظر فيها من قمة المناخ أن تنحاز إلى أصوات الشعوب المنهكة في الجنوب العالمي، خرج مؤتمر الأطراف الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP 30)، من مدينة «بيليم» البرازيلية، بنتائج تعزز تمويل العمل المناخي، من دون أن تبرِز الشجاعة السياسية اللازمة لوقف مصدر الخطر الأكبر، والذي يتمثل في الوقود الأحفوري.
وبعد مفاوضات ماراثونية على مدار 12 يوماً، في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر 2025، اختتم مؤتمر المناخ بإعلان حزمة واسعة من القرارات الهادفة إلى تعزيز تمويل العمل المناخي، وتسريع تنفيذ «اتفاق باريس»، في وقت خيّمت فيه «خيبة أمل» واضحة، بسبب غياب أي التزام صريح بالتخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري، رغم كونه المصدر الأكبر للانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
شهد المؤتمر مفاوضات شاقة، امتدت حتى الساعات الأخيرة، وانتهت بإقرار عدد من الإجراءات، أبرزها تعبئة 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2035 لتمويل المناخ، وتعهد بمضاعفة تمويل التكيف بحلول 2025، ثم مضاعفته ثلاث مرات بحلول 2035، إلى جانب دعم تشغيل «صندوق الخسائر والأضرار»، ولكنها نتائج لا تلبي مطالب دول الجنوب العالمي، الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية.
وأكد خبراء من المشاركين في المؤتمر لـ«جسور 2030» أن مؤتمر الأطراف أطلق ما يُعرف بـ«مُسرّع التنفيذ العالمي»، و«مهمة بيليم»، لضمان بقاء هدف 1.5 درجة مئوية في المتناول، وللمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات المناخ، تم الاتفاق على تعزيز «نزاهة المعلومات» لمكافحة التضليل المناخي، وهي خطوة اعتبرها كثير من المشاركين تقدماً مهماً في دعم الثقة بالعمل المناخي.
ومع ذلك، بقي القرار النهائي خالياً من أي نص واضح حول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، رغم دعم أكثر من 80 دولة لإدراج «خارطة طريق» بهذا الشأن، وأكّد رئيس المؤتمر، أندريه كوريا دو لاغو، أن الرئاسة البرازيلية ستعمل على إعداد «خرائط طريق علمية» للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ووقف إزالة الغابات، على أن يتم عرضها أمام مؤتمر المناخ العام المقبل (COP 31) في تركيا.
الأمين التنفيذي لاتفاقية المناخ، سيمون ستيل، وصف نتائج المؤتمر بأنها «خطوة إلى الأمام، رغم الظروف الجيوسياسية المضطربة»، مشيراً إلى أن 194 دولة حافظت على وحدة الصف للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، وأكد أن التحول نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات أصبح «اتجاهاً لا رجعة فيه»، مستشهداً بتجاوز استثمارات الطاقة المتجددة لمثيلاتها في الوقود الأحفوري بضعفين.
غير أن هذه النتائج ليست كافية بالنسبة للعديد من منظمات المجتمع المدني، خاصةً في دول الجنوب العالمي، التي ترى أن القرارات الصادرة عن المؤتمر لا تلبي احتياجاتها الملحة، فقد وصفته غوى النكت، المديرة التنفيذية لمنظمة «غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، بأنه «فرصة ضائعة» لرفع مستوى الطموح المناخي، مؤكدة أن غياب التزامات واضحة حول الوقود الأحفوري، واستمرار ضعف التمويل المناخي، يفاقمان هشاشة المجتمعات الأكثر تضرراً، وأشارت إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب «غياب التمويل الضروري للتكيّف والتعافي»، ما يدفع دول المنطقة إلى مزيد من الديون، ويزيد أعباء التغيرات المناخية عليها.
ورغم هذا الإخفاق، حقق المؤتمر تقدماً مهماً في الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية ضمن آلية «عمل بيليم»، ما يعزز مسار الانتقال العادل، كما ألقت الرئاسة البرازيلية الضوء على التزامات طوعية عدة ضمن أجندة العمل، مثل صندوق «الغابات الاستوائية إلى الأبد»، الذي جمع 5.5 مليار دولار، وخطة «بيليم الصحية»، التي انطلقت بتمويل قدره 300 مليون دولار.
من جانبه، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن المؤتمر حقق بعض التقدم، لكنه «لم يلب كل ما يطالب به العلم»، محذراً من أن العالم يقترب من «مراحل خطيرة لا يمكن الرجوع عنها»، وأكد أن بلوغ هدف 1.5 درجة مئوية يتطلب خفضاً كبيراً في الانبعاثات، و«خططاً ذات مصداقية للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري»، إضافة إلى زيادة كبيرة في تمويل التكيف والصمود.
ومع اختتام أعماله، ترك مؤتمر (COP 30) الباب مفتوحاً أمام جولة جديدة من المفاوضات قد تكون أكثر حسماً في تركيا العام المقبل، حيث تتجه الأنظار إلى ما إذا كان (COP 31) سيعالج الثغرات الحالية، ويفتح مساراً عملياً نحو انتقال عادل، يحمي المجتمعات الأكثر تأثراً بأزمة المناخ.