الأطفال الأكثر تضرراً من إجراءات الطوارئ.. ومعركة خاسرة مع تقنيات غير مألوفة

90% من طلاب أفريقيا جنوب الصحراء بدون كمبيوتر.. و82% خارج نطاق الإنترنت

 تعرّض الأطفال في جميع أنحاء العالم لتعطيل تعليمهم بشدة خلال العام الماضي، وامتد التعطيل حتى هذا العام، بسبب جائحة «كوفيد-19»، حيث تجد المدارس صعوبة في التعامل مع إجراءات الإغلاق والفتح المتكررة، والانتقال، إذا كان خياراً متاحاً، إلى التعليم عبر الإنترنت، ومع ذلك، فإن الأطفال المحرومين هم الأكثر تضرراً من إجراءات الطوارئ.

ويستعرض موقع «جسور 2030» في هذا التقرير، التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا على قطاع التعليم، وهي التداعيات التي طالت ملايين الأطفال وأسرهم في مختلف أنحاء العالم، وتهدد بحرمان جيل كامل من حقه في التعلم، ضمن سلسلة تقارير لرصد التغييرات التي طرأت في شكل الحياة على وجه الأرض، نتيجة تلك الجائحة، التي استدعت حالة طوارئ عالمية.

ولعل إغلاق المدارس نتيجة الأزمات الصحية وغيرها من الأزمات، ليس بالأمر الجديد، على الأقل في العالم النامي، والعواقب المدمرة المحتملة معروفة جيداً، ومنها فقدان التعلم، وارتفاع معدلات الانقطاع عن الدراسة، وزيادة العنف ضد الأطفال، وحمل المراهقات، والزواج المبكر، ولكن جائحة كورونا تميزت عن جميع الأزمات الأخرى، بأنها أثرت على الأطفال في كل مكان، وفي نفس الوقت.

ولاشك أن الأطفال في المجتمعات الأكثر فقراً وضعفاً هم الأكثر تضرراً عندما تُغلق المدارس، ولذا سارعت الأمم المتحدة للدعوة لاستمرارية التعليم، وفتح المدارس بأمان، حيثما أمكن، مع بدء الدول في فرض تدابير الإغلاق، وهو ما دفع أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، إلى القول: «للأسف، إن نطاق وسرعة الاضطرابات الحالية في التعليم لا مثيل لها، وإذا طال أمدها يمكن أن تهدد الحق في التعليم».

ووجد الطلاب والمعلمون أنفسهم يتصارعون في معركة تبدو خاسرة، مع تقنية اجتماعات غير مألوفة، وهي تجربة واجه الكثيرون صعوبة في التعامل معها، ولكنها كانت، بالنسبة لمن يعيشون في عزلة، الطريقة الوحيدة لضمان استمرار أي نوع من التعليم.

ومع ذلك، فإن فكرة الدراسة الافتراضية عبر الإنترنت هي حلم بعيد المنال، بالنسبة لملايين الأطفال، وفي أبريل 2020، كشفت اليونسكو عن فجوات في التعلّم عن بُعد القائم على التكنولوجيا الرقمية، حيث أظهرت البيانات أن حوالي 830 مليون طالب لا يمكنهم الوصول إلى جهاز كمبيوتر.

وتبدو الصورة قاتمة بشكل خاص في البلدان منخفضة الدخل، حيث أن ما يقرب من 90% من الطلاب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ليس لديهم أجهزة كمبيوتر منزلية، بينما لا يستطيع 82% منهم الاتصال بالإنترنت، وفي يونيو الماضي، قال المسؤول عن التعليم بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، روبرت جينكينز: «نحن الآن نتطلع إلى أزمة تعليم أكثر عمقاً وتسبباً في الانقسام».

ومع ذلك، فإن العديد من البلدان النامية، حيث لا يُعد التعليم عبر الإنترنت أو الكمبيوتر خياراً لمعظم الطلاب، كان للراديو دور أساسي فيها، للوصول إلى ملايين الأشخاص، ويتم استخدامه للحفاظ على بعض أشكال التعليم، ففي جنوب السودان، على سبيل المثال، بدأ راديو «مرايا»، الذي تديره بعثة الأمم المتحدة في البلاد «أنميس»، ببث برامج تعليمية للكثير من الطلاب، الذين لم يقدروا على التوجه لفصولهم الدراسية.

وعلى الرغم من هذه الجهود، فقد حذرت الأمم المتحدة، في أغسطس الماضي، من التأثير طويل المدى لتعطّل التعليم، والذي يمكن أن يؤدي إلى ما وصفته بـ«جيل ضائع» من الأطفال في أفريقيا، فيما كشفت دراسة استقصائية، أجرتها منظمة الصحة العالمية في 39 دولة أفريقية جنوب الصحراء، أن المدارس كانت مفتوحة في 6 دول فقط، وفتحت جزئياً في 19 دولة.

وبحلول نهاية العام الماضي، كان هناك أكثر من 320 مليون طفل محرومين من المدارس في جميع أنحاء العالم، ودفع ذلك اليونيسف إلى دعوة الحكومات لإعطاء الأولوية لإعادة فتح المدارس، وجعل الفصول الدراسية آمنة قدر الإمكان، وقال جينكينز، في هذا الصدد: «ما تعلمناه عن التعليم خلال فترة انتشار فيروس كورونا واضح، فوائد الإبقاء على المدارس مفتوحة، تفوق بكثير تكاليف إغلاقها، ويجب تجنب إغلاق المدارس على مستوى البلاد بأي ثمن».

ونظراً لأن الكثير من دول العالم تشهد ارتفاعاً في حالات كوفيد-19، ومع استمرار عدم وصول التطعيمات إلى معظم الناس، هناك حاجة إلى سياسات أكثر دقة من السلطات الوطنية، وفق مسؤول التعليم بمنظمة يونيسف، بدلاً من عمليات الإغلاق الشاملة، قائلاً: «تشير الدلائل إلى أن المدارس ليست هي المحرك الرئيسي لهذه الجائحة، ومع ذلك فإننا نشهد اتجاهاً يُنذر بالخطر، حيث تقوم الحكومات مرة أخرى بإغلاق المدارس كحل أولي، وليس كملاذ أخير».

وأضاف أنه في بعض الأحيان، يتم ذلك على الصعيد الوطني، بدلاً من النظر في كل مجتمع محلي بحسب الأوضاع فيه، معتبراً أن الأطفال مازالوا يعانون من الآثار المدمرة على تعلمهم، وسلامتهم العقلية والجسدية، نتيجة إغلاق المدارس وإجراءات الطوارئ الأخرى.