حجم الدمار الذي سببته انفجارات مرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس الجاري، لفت الانتباه إلى المخاطر التي قد ينطوي عليها نقل وتخزين المواد الخطرة في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى وضع قواعد واشتراطات صارمة وملزمة عند التعامل مع مثل هذه المواد، سعياً لمنع وقوع كارثة مدمرة كتلك التي أصابت العاصمة اللبنانية.

وبحسب تقرير لمنظمة “بحث الأسلحة الصغيرة” Small Arms Survey، وهي منظمة بحثية تتخذ من مدينة جنيف بسويسرا مقراً لها، فقد لقي عشرات الآلاف من الأشخاص مصرعهم نتيجة حوادث انفجارات في مستودعات الأسلحة، بمختلف أنحاء العالم، على مدار العقود الأربعة الماضية.

وفضلاً عن الخسائر البشرية، التي بلغت نحو 160 قتيلاً و5 آلاف جريح، فقد خلفت انفجارات مرفأ بيروت دماراً واسعاً في المنشآت ومرافق الخدمات والبنايات السكنية، الأمر الذي دعا العديد من المنظمات الإغاثية الدولية والإقليمية إلى إطلاق مبادرات لمساعدة الشعب اللبناني، فيما قُدرت تكلفة إعادة إعمار العاصمة اللبنانية بعدة مليارات من الدولارات.

وقبل عدة سنوات، تم تداول العديد من القواعد واللوائح المتفق عليها دولياً بشأن نقل البضائع الخطرة، مثل المدونة البحرية الدولية للبضائع الخطرة، التي نشرتها المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومدونة قواعد ممارسات منظمة العمل الدولية بشأن السلامة والصحة في الموانئ.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة يمكنها دعوة الدول إلى صياغة هذه القواعد والمبادئ التوجيهية، إلا أن الدول نفسها مسؤولة عن التأكد من اتباع هذه القواعد، حيث تقع عملية المراقبة على عاتق شركات الشحن، بينما تقع على عاتق كل دولة مسؤولية التحقق من تطبيق اللوائح وتنفيذها بشكل صحيح.

وحذر رئيس تنسيق الشحنات والتعاون التقني في المنظمة البحرية الدولية، ألفريدو أولسون، من إنه إذا لم يتم اتباع تلك الإجراءات، فستكون هناك ثغرات بالطبع، واعتبر أن ما حدث في بيروت يمثل دليلاً واضحاً على ذلك، معرباً عن أمله في أن تؤدي كارثة مرفأ بيروت إلى زيادة الوعي العام بالمخاطر التي تنطوي عليها، وتابع بقوله: “نحن على يقين بأن العديد من الموانئ تلقي نظرة فاحصة على نوع المواد الخطرة الموجودة بحوزتهم، ونقوم الآن بمراجعة إجراءاتهم”.

ووفق إطار “سنداي” للحد من مخاطر الكوارث، وهو أول اتفاقية ضمن جدول أعمال 2030، والذي تم تبنيه في عام 2015، فقد تم تضمين مسؤولية الحكومات، في جميع أنحاء العالم، فيما يتعلق بتحديد المخاطر، ويحدد الإطار كيف يمكن للدول الأعضاء تقليل المخاطر، ويدعو الدول الأعضاء إلى الانتهاء من استراتيجياتها للحد من مخاطر الكوارث بحلول نهاية عام 2020 الجاري.

مامي ميزوتوري”، مدير مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، الوكالة الأممية الرائدة في مجال المخاطر والقدرة على الصمود، والمكلفة بالإشراف على تنفيذ إطار “سنداي”، قالت إنه في حين أن استجابة الأمم المتحدة الحالية في بيروت تركز بالضرورة على الاحتياجات الفورية للمواطنين المتضررين، إلا أنه من المهم أيضاً مناقشة كيفية تقليل احتمالية وقوع حادث مماثل، يضرب المدينة في المستقبل.

وأوضحت بقولها: ““يتمثل جوهر إطار عمل سنداي في تحويل الانتباه من الاستجابة للكوارث إلى تغيير السلوك، حتى نتمكن من التخفيف من المخاطر الناجمة عن الكوارث قبل وقوعها، ومن خلال القيام بذلك، يتم تقليل الوفيات والخسائر الاقتصادية، وزيادة احتمالية تحقيق أهداف التنمية المستدامة، باختصار، يتعلق الأمر بالوقاية وبناء القدرة على الصمود في المستقبل”.

واعتبرت “ميزوتوري” أن الموانئ هي بنية تحتية مهمة وخدمات أساسية، ويجب بناؤها بطريقة تأخذ في الاعتبار جميع أنواع المخاطر، بما في ذلك أنواع البضائع التي يتم إحضارها إلى الميناء، وأضافت: “لدينا قواعد ولوائح دولية قوية فيما يتعلق بتشغيل الموانئ، وطرق تخزين المواد، ولكن غالباً ما نرى أن اللوائح لا يتم تنفيذها”.

وشددت مدير الوكالة الأممية للحد من مخاطر الكوارث على قولها: “تحتاج الحكومات إلى الاستثمار في الأشخاص المناسبين والبنية التحتية المناسبة، وإذا لم يحدث هذا، فسنشهد تحول المزيد من المخاطر التكنولوجية إلى كوارث، سواء كان ذلك في ميناء أو منجم أو منشآت صناعية كبيرة أو في محطات الطاقة النووية”، وأضافت: “عندما لا يكون لدينا ما يكفي من إدارة المخاطر، تزداد احتمالية وقوع حدث كارثي، بيروت تذكير صارخ بأن الكوارث لا تنتظر بدورها لتضربنا”.

صريحات خبراء الحد من مخاطر الكوارث ومسؤولي وكالات الإغاثة لفتت الانتباه إلى أنه رغم أهمية تطبيق القواعد والإجراءات والأنظمة الحديثة بكل دقة، فإن الأهم من ذلك هو “التغيير في سلوكنا، والطريقة التي نتعامل بها مع المخاطر في طريقة حياتنا، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الوطني”.

وأوضح “ألفريدو” أن العاملين في الموانئ لا ينبغي بالضرورة أن يتحملوا اللوم عند وقوع كارثة، وأضاف: “يحتاج الموظفون إلى الدعم من قبل مؤسساتهم، التي لديها قواعد وأنظمة قوية متاحة لهم، في بعض الأمثلة التي رأيناها، لم يكن الموظفون مدربين تدريباً جيداً، لكن في حالات أخرى، رأينا أن هناك نقص في الإجراءات الداخلية داخل الإدارة ككل، وعلى سبيل المثال، يجب أن تكون هناك سياسة واضحة تحدد المسؤول عن تخزين هذه البضائع حتى اللحظة التي يتم شحنها على متن السفينة”.

أما “ميزوتوري” فأكدت أن جزءاً من الإجابة هو أن تضع البلدان الحد من مخاطر الكوارث في صميم عمل الحكومة، وأوضحت بقولها: “تحتاج البلدان إلى تمويل ذلك، وإنشاء وكالات وطنية لإدارة الكوارث، مرتبطة بجميع الوزارات الأخرى، العاملة مباشرة تحت رئاسة رئيس الدولة، أو مكتب مجلس الوزراء، لضمان أن يتمكنوا من تولي مسؤولية وضع الوقاية في صميم صنع السياسات”.

إلا أنها اختتمت بقولها إن الصعوبة التي قد نواجهها تمكن في كيفية إقناع الناس بأن الأمر يستحق صرف أموال في شيء قد يحدث فقط كل 30 أو حتى 100 عام، وأضافت: “مهمتنا هي المساعدة في توضيح أن الاستثمار في الوقاية يؤتي ثماره ولو بعد حين”.