قبل نحو 50 عاماً، عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمر دولي حول البيئة البشرية في الأسبوع الأول من شهر يونيو 1972، بالعاصمة السويدية ستوكهولم، تحت شعار «لا نملك سوى أرض واحدة»، وهو الاجتماع الذي شهد إعلان قادة العالم التزامهم بحماية كوكب الأرض، إلا أنه بعد خمسة عقود، يبدو أن العالم مازال بعيداً كل البعد عن تحقيق الأهداف المرجوة.

وبعد عام من مؤتمر ستوكهولم، وتحديداً يوم 5 يونيو 1973، احتفل برنامج الأمم المتحدة للبيئة «يونيب» بيوم البيئة العالمي لأول مرة، ليصبح هذا الاحتفال أكبر منصة عالمية لإلقاء الضوء على مختلف القضايا البيئية، ويحتفل به الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم، مما يساعد على إحداث تغيير في عادات الاستهلاك، وكذلك في السياسة البيئية الوطنية والدولية.

وجاء الاحتفال بيوم البيئة العالمي لعام 2022 تحت نفس الشعار الذي رفعه قادة العالم قبل نصف قرن «لا نملك سوى أرض واحدة»، الأمر الذي تمثل في الرسالة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بهذه المناسبة، والتي أكد فيها أن «هذا الكوكب هو موطننا الوحيد»، إلا أنه حذر في الوقت نفسه من أن «النظم الطبيعية للأرض لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتنا».

وقال غوتيريش إن البيئة الصحية ضرورية للناس جميعاً، ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17، ومنها الغذاء والمياه النظيفة والأدوية، وهي التي تنظم المناخ وتوفر الحماية من الظواهر الجوية القصوى، وشدد على قوله: «من الضروري أن ندير الطبيعة بحكمة، وأن نضمن العدل في الاستفادة من خدماتها، ولاسيما لأكثر الناس والمجتمعات ضعفاً».

وفي ذكرى مرور 50 عاماً على أول مؤتمر حول البيئة البشرية، استضافت العاصمة السويدية اجتماعاً دولياً بعنوان «ستوكهولم +50»، تضمن التأكيد على أن جميع أهداف التنمية المستدامة تحتاج إلى أن يكون كوكبنا معافى، ويجب علينا جميعاً أن نتحمل مسؤولياتنا لتجنب الكارثة التي تحملها إلينا الأزمات الثلاث: «تغير المناخ، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي».

وبينما دعا المؤتمر الحكومات إلى أن تعطي الأولوية على وجه الاستعجال للعمل المناخي وحماية البيئة، باتخاذ قرارات في مجال السياسة العامة، تشجع التقدم المستدام، فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنه «يتوجب علينا أن نحمي صحة الكوكب، وأن نحمي ثراء وتنوع الحياة على الأرض، ومواردها المحدودة»، غير أنه تابع بقوله: «إننا متقاعسون في القيام بهذه الأمور».

وتشير تقديرات رسمية للأمم المتحدة أن أكثر من 3 مليارات نسمة يتأثرون حالياً نتيجة تدهور النظم الإيكولوجية، حيث لفت الأمين العام إلى أن التلوث وحده مسؤول عن حوالي 9 ملايين حالة وفاة مبكرة كل عام، كما أن أكثر من مليون من الأنواع النباتية والحيوانية تواجه خطر الانقراض، وكثير منها قد ينقرض بالفعل في غضون عقود، نتيجة فقدان التنوع البيولوجي.

وبالنسبة للمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، فقد أكد غوتيريش أن ما يقرب من نصف البشرية يوجد بالفعل في منطقة الخطر المناخي، أي 15 مرة أكثر عرضة للوفاة من آثار مناخية، مثل الحرارة الشديدة والفيضانات والجفاف، كما أنه من المحتمل، وبنسبة كبيرة، أن يتجاوز المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية الحد المنصوص عليه في «اتفاق باريس»، وهو 1,5 درجة مئوية في السنوات الخمس المقبلة، وقد يُضطر أكثر من 200 مليون شخص إلى النزوح سنوياً، بسبب الاختلال المناخي، بحلول عام 2050.

ويعتبر يوم البيئة العالمي هو الوسيلة الرئيسية للأمم المتحدة لتشجيع الوعي العالمي والعمل من أجل البيئة، حيث يُقام هذا اليوم في الخامس من يونيو سنوياً، وأصبح أيضاً منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية المستدامة، وبقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومشاركة أكثر من 150 دولة في الاحتفالات بيوم البيئة العالمي كل عام.

ومن جانبها، قالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، في بيان بهذه المناسبة، إن يوم البيئة العالمي رأى النور في مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1972، مشيرةً إلى أن «الاحتفال يأتي انطلاقاً إدراكنا أننا نحتاج إلى العمل معاً، لحماية الهواء والأرض والماء، الذي نعتمد عليه جميعاً»، وأضافت: «إننا مازلنا نواجه الأزمات الكوكبية الثلاث، وهي تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث».

وتابعت أندرسن بقولها: «اليوم، ونحن نتطلع إلى حاضر ومستقبل مليء بموجات الحر والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات والأوبئة والهواء الملوث والمحيطات المليئة بالبلاستيك، أضحت أفعالنا أكثر أهمية من أي وقت مضى، ونحن نسير عكس عقارب الساعة»، واعتبرت أن عام 2022 هو «عام الطموح والعمل لمعالجة الأزمة التي تواجه الطبيعة»، مشيرةً إلى أن الفرصة مازالت قائمة لإدماج الحلول القائمة على الطبيعة بشكل كامل في العمل المناخي العالمي.