بقلم: د. أحمد زكي أبو كنيز

السد العالي أيقونة مشروعات مصر، في عام  1960 وضع ناصر حجر أساسه، واكتمل بناؤه عام 1968، ومع رحيل عام 1970، تم  تثبّيت آخر 12 مولداً كهربائياً ليفتتحه السادات رسمياً في 15 يناير 1971، ويغدو  هذا اليوم العيد القومي لمحافظة أسوان.

وما بين عامي 1960 و1971 تعرضت مصر لمؤامرات كبرى لمنعها من تنفيذ هذا المشروع القومي الذي التف حوله المصريون بكافة طبقاتهم، وسجل الشعب المصري ملحمة وطنية كبرى، لإتمام هذا العمل الذي أحدث نقلة حضارية للحياة في مصر، ولازلت أتذكر أدبيات وأغنيات هذه الفترة، والتي تناولت هذا العمل العظيم، الذي ساهم في تنظيم وتهذيب وتطويع مياه النهر العظيم، التي تهدر في نهاية الصيف وبداية الخريف، ثم تخمد في الشتاء والربيع وبداية الصيف، تهدر فتغرق وتخرب، وتخفت فتجفف الأفواه والحلوق، ويظمأ الزرع ويجف الضرع، كما منع الفيضان  الطاغي الهادر، فحمى القرى والنجوع والمدن من فرط طغيانه وإغراقه لها بمياهه العنيفة القوية المتدفقة.

إذن  جاء السد فوقانا كل ذلك، وأضاف لنا خيراً كثيراً، مكننا  السد من تخزين المياه وإطلاقها تدريجياً طبقاً للاحتياجات اليومية للاستعمالات المختلفة للمياه في مصر من الزراعة وحتى توليد الكهرباء مروراً بالاستخدامات المنزلية والصناعية والملاحة النيلية.

وقد حقق السد العالي ما كان مخططاً من بنائه، فأوقف الفيضان، وأنتج الكهرباء، التي انطلقت إلى المدن والقرى، وساهمت في تدشين الكثير من الصناعات الاستراتيجية، كصناعة الأسمدة في كيما، وصناعة الألمونيوم في نجع حمادي، ومجموعة مصانع استخلاص السكر من القصب بالصعيد، كما نظم الري وحسنه ودعم شبكة الترع في مصر، فتوسعت مساحة الأراضي الزراعية بما مقداره 2.4 مليون فدان، وأدى إلى تحويل قرابة مليون فدان من نظام الري الموسمي (الري بالحياض) إلى الري الدائم، وأيضاً دفع وبقوة أجندة استصلاح الأراضي الجديدة، والتي مازالت مستمرة حتى اليوم، وفر السد العالي حوالي 22 مليار متر مكعب من المياه، كانت تذهب هباءً  في البحر الأبيض المتوسط، تم اقتسامها بين مصر والسودان، بالإضافة إلى حصصهما السابقة، فيما أُطلق عليه اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل، المعروفة باتفاقية 1959.

الآن، وبعد مرور خمسة عقود على  تقديم السد العالي  خدماته الجليلة لمصرنا الغالية، تبرز في الأفق تحديات ربما تؤدي إلى أن يصير إلى ما صار إليه خزان أسوان، في ظل ظروف إقليمية تخالف تلك التي شهدت بزوغ نجمه على مجرى النيل، وفي ضوء حالة إنكار إقليمي واضح للحقوق التاريخية الثابتة، وخروج على مبادئ القانون الدولى، وتأتي هذه التهديدات من إقليم النيل الشرقي، هذه المنطقة التي تجتاحها حالة هشاشة وعدم استقرار، مع احتمالية نشوب حرب أهلية فى إثيوبيا، أو حرب حدودية بين السودان وإثيوبيا.

وما يتوجب على الدولة المصرية هو بذل الجهد، كل الجهد، للحفاظ على حقوقنا التاريخية، وحق شعبنا في التنمية والحياة، وهنا أقرر أن الاصطفاف الوطني هو واجب الوقت حيال هذا الأمر المعضل، حتى لا نتفاجأ بالسد وقد خرج إلى التقاعد، بما يترتب على ذلك من أضرار كبرى، وواجب آخر أن ندعم أشقاءنا في السودان في خلافهم الحدودي مع إثيوبيا.

وأخيراً يجب أن ندرك أن إثيوبيا قررت إجراء الملء الثاني لسدها البغيض، بل وهناك أنباء عن أنها قررت بناء سد آخر، سوف يحجز 55 مليار متر مكعب من مياه  النيل الشرقي، دون الاتفاق مع مصر والسودان، وهذا أمر جد خطير، و له ما بعده، وكمواطن يعيش في وادى النيل، أناشد إدارتي دولتي مصر والسودان اتخاذ كافة التدابير والإجراءات، للحفاظ على حقوقنا التاريخية في مياه النيل الأزرق، ولعل الظروف الدولية، وظروف إثيوبيا الداخلية، وحالة الاصطفاف الوطني في مصر والسودان، كلها تدفع في هذا الاتجاه.

وفي النهاية، أتقدم بالتهاني لشعب أسوان الكريم بهذه المناسبة السعيدة، وبالتحية لمن قرر بناء السد  العالي، ولمن نفذ، وكل من شارك  فيه من العمال البنائين والفنيين والمهندسين و الإداريين، ليخرج هذا المشروع العملاق مغيراً وجه الحياة فى مصر، أدعو بالرحمة والمغفرة لمن رحل منهم، وبالصحة والعافية وطول العمر لمن بقي بيننا، وأدعو لمصر بالتقدم و الرفاه.

* الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، نائب رئيس المنتدى الوطني لنهر النيل، وأستاذ المحاصيل السكرية بمركز البحوث الزراعة بمصر