مصر تقود تسوية القضايا الخلافية وتمويل المناخ في اللحظات الأخيرة وتمديد المفاوضات ليوم إضافي

الأمين العام: الوثيقة الختامية «محبطة» جاءت انعكاساً للمصالح والتناقضات وحالة الإرادة السياسية

بعد تمديد المفاوضات ليوم إضافي، خرجت الدورة الـ26 لمؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ (COP-26)، بوثيقة ختامية، يعتبرها البعض «ضعيفة وغير كافية ولا ترضي الطموحات»، التي كان يعقدها كثير من شعوب العالم على هذا المؤتمر، الذي عُقد في مدينة غلاسكو، بالمملكة المتحدة، لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اعتبر أن الوثيقة الختامية للمؤتمر تمثل انعكاساً للمصالح والتناقضات وحالة الإرادة السياسية في العالم اليوم.

ولعبت مصر، التي من المقرر أن تستضيف الدورة المقبلة للمؤتمر (COP-27)، دوراً كبيراً في قيادة جهود تسوية القضايا الخلافية، خلال اللحظات الأخيرة من المؤتمر، حيث شاركت وزيرة البيئة، الدكتورة ياسمين فؤاد، في جلسة خاصة برئاسة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لتسهيل المفاوضات في الموضوعات الختامية، وصولاً إلى بيان ختامي يلقى قبولاً من مختلف الأطراف، وذلك انطلاقاً من دور وزيرة البيئة المصرية، التي تقود، إلى جانب وزير البيئة السويدي، ملف تمويل المناخ.

ونظراً لتعثر المفاوضات خلال الأيام الأخيرة من المؤتمر، اضطر رئيس الوزراء البريطاني إلى إلغاء ارتباطاته في العاصمة لندن، والتوجه إلى مدينة جلاسكو في أسكتلندا، حيث عقد اجتماعاً ضم عدداً من الوزراء المشاركين في أعمال المؤتمر، سواء من الدول النامية أو المتقدمة، حيث عرضوا ما توصلت إليه المفاوضات، فما كان من جونسون إلا أن حث المجموعات التفاوضية على استمرار العمل، والخروج بمخرجات حقيقية ومتوازنة لموضوعات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية.

وبينما أكدت وزيرة البيئة المصرية أن تمويل المناخ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيق إنجاز يرضي احتياجات وآمال الدول في موضوعات التكيف والشفافية، والخسائر والأضرار، وتحقيق التوازن بين التخفيف والتكيف، فقد واصلت «فؤاد» ونظيرها السويدي، بير بولند، العمل مع 10 مجموعات تفاوضية، بهدف الوصول إلى فرص متوافقة ومرضية وعادلة في القضايا الخاصة بتمويل المناخ، وعلى رأسها هدف المناخ بعيد المدى، بالإضافة إلى الهدف الجديد لتمويل المناخ.

لمحات من الوثيقة الختامية

وسعى رئيس الوزراء البريطاني إلى حشد دعم وزراء من مختلف دول العالم للبيان الختامي لمؤتمر غلاسكو، الذي يدعو إلى اجتماع العام المقبل، لمراجعة كل دولة أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات، والإعلان عن خطتها للوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، والإسراع في الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة البديلة، وزيادة الدعم المقدم للدول النامية لمساعدتها على التكيف والمرونة في مواجهة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية.

وتدعو الوثيقة الختامية لمؤتمر غلاسكو نحو 197 دولة إلى الإبلاغ عن تقدمها نحو المزيد من الطموح المناخي العام المقبل في مؤتمر الأطراف 27، المقرر عقده في مصر، فيما قدمت الصين والهند تعديلاً في اللحظة الأخيرة يحوي لغة مخففة في مسودة نص حول «التخلص التدريجي من طاقة الفحم والإعانات غير الفعالة للوقود الأحفوري»، ويشير النص الذي تم اعتماده في ختام المؤتمر يوم السبت 13 نوفمبر 2021، إلى «خفض تدريجي» لاستخدام الفحم، كما يطالب الاتفاق بمواعيد نهائية «أكثر صرامة» للحكومات، فيما يتعلق بتحديث خططها الرامية لخفض الانبعاثات.

وفيما يتعلق بالمسألة الشائكة المتعلقة بالتمويل من البلدان المتقدمة لدعم العمل المناخي في البلدان النامية، فقد أكدت الوثيقة الختامية، ضمن نصوصها، على الحاجة إلى تعبئة التمويل المتعلق بالمناخ «من جميع المصادر للوصول إلى المستوى المطلوب لتحقيق أهداف اتفاق باريس، بما في ذلك زيادة الدعم بشكل كبير للأطراف من البلدان النامية، بما يتجاوز 100 مليار دولار في السنة».

خطوة مهمة ولكنها ليست كافية

وفي أول تعليق له على نتائج مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ (COP-26)، الذي استمر على مدار أسبوعين، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة مصورة للجلسة الختامية، الوثيقة الختامية بأنها «خطوة مهمة ولكنها ليست كافية»، وأضاف في رسالته الأخيرة للمشاركين في مؤتمر غلاسكو: «يجب علينا تسريع العمل المناخي بهدف الإبقاء على الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى حدود 1.5 درجة مئوية».

وتطرق غوتيريش إلى عدد من القضايا الخلافية التي لم يمكن التوصل إلى حلول نهائية لها، قائلاً: «لقد حان الوقت للانتقال إلى وضع الطوارئ»، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من الأهداف لم يمكن تحقيقها خلال هذا المؤتمر، ومنها إنهاء دعم الوقود الأحفوري، والتخلص التدريجي من الفحم، وتحديد سعر الكربون، وحماية المجتمعات الضعيفة، والوفاء بالتزام تمويل المناخ بقيمة 100 مليار دولار، إلا أنه اعتبر أن «لدينا بعض اللبنات الأساسية اللازمة للتقدم»، على حسب وصفه.

وتوجه الأمين العام لمخاطبة الشباب ومجتمعات السكان الأصليين والقيادات النسائية، وغيرهم من الفئات التي تقود العمل المناخي، قائلاً: «أعلم أنكم محبطون، لكن التقدم لا يسير دائماً في خط مستقيم، في بعض الأحيان هناك التفافات، في بعض الأحيان هناك خنادق، لكنني أعلم أنه يمكننا بلوغ الهدف، نحن في كفاح من أجل حياتنا، ويجب كسب هذه المعركة»، واختتم رسالته بقوله: «لا تيأسوا أبداً، لا تتراجعوا أبداً، استمروا في الدفع إلى الأمام».

صفقة لا تبث الأمل في القلوب

وأعربت العديد من البلدان، خلال الجلسة العامة الأخيرة المعنية للتقييم، قبل ساعات من ختام المؤتمر، عن أسفها إزاء مسودة الوثيقة الختامية، حيث اعتبرت أن «مجموعة القرارات المتفق عليها لم تكن كافية»، ووصفها البعض بأنها «مخيبة للآمال»، ولكن بشكل عام، أقرت غالبية الدول بأن القرارات كانت متوازنة لما يمكن أن تتفق عليه البلدان في هذه اللحظة من الزمن، وبالنظر إلى الاختلافات بينها، وعلى الرغم مما وصفته بـ«العيوب»، أعلنت دول مثل نيجيريا والفلبين وتشيلي وتركيا أنها أيدت نص الاتفاق على نطاق واسع.

وفي خطاب ممزوج بالمشاعر، قال كبير مفاوضي جزر المالديف: «إنها خطوة تدريجية إلى الأمام، ولكنها لا تتماشى مع التقدم المطلوب، سيكون متأخراً جداً بالنسبة لجزر المالديف، هذه الصفقة لا تبث الأمل في قلوبنا»، بينما قال المبعوث الأمريكي لشؤون المناخ، جون كيري، إن النص يمثل «بياناً قوياً»، مؤكداً أن بلاده ستشارك بشكل بناء في إدارة حوار حول الأضرار والتكيف، وهما من أصعب القضايا التي يجب أن تتفق عليها الدول، فيما قال كبير مفاوضي نيوزيلندا إن «النص يمثل النتيجة الأقل سوءاً».

مبادرات مشجعة على هامش القمة

وبعيداً عن المفاوضات السياسية وقمة قادة الدول والحكومات، فقد جمعت الدورة الـ26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، حوالي 50 ألف مشارك عبر الإنترنت وبصورة شخصية، لمشاركة الأفكار والحلول المبتكرة، إضافة إلى حضور الفعاليات الثقافية والأحداث الجانبية، وبناء الشراكات والائتلافات المختلفة، حيث استمع المشاركون في المؤتمر إلى العديد من الإعلانات والمبادرات المشجعة، التي تم الإعلان عنها  على هامش قمة المناخ.

لعل أحد أكبر هذه المبادرات يتمثل في تعهد قادة أكثر من 120 دولة، يمثلون حوالي 90% من غابات العالم، بوقف إزالة الغابات، وعكس ذلك المسار بحلول عام 2030، كما تم الإعلان عن تعهد بشأن غاز الميثان، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وافقت بموجبه أكثر من 100 دولة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030، فيما أعلنت أكثر من 40 دولة، بما في ذلك الدول كثيفة استخدام الفحم، مثل بولندا وفيتنام وتشيلي، موافقتها على الابتعاد عن الفحم، الذي يمثل أحد أكبر مصادر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وأظهر القطاع الخاص مشاركة قوية في جهود التصدي للتغيرات المناخية، حيث وافقت نحو 500 شركة خدمات مالية عالمية على مواءمة 130 تريليون دولار، حوالي 40 في المائة من الأصول المالية العالمية، مع الأهداف المنصوص عليها في اتفاق باريس، بما في ذلك الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

وفي مفاجأة للكثيرين، تعهدت الولايات المتحدة والصين بتعزيز التعاون المناخي خلال العقد المقبل، حيث أعلنت الدولتان، في بيان مشترك، الاتفاق على اتخاذ خطوات بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك انبعاثات الميثان، والانتقال إلى الطاقة النظيفة وإزالة الكربون، كما جددتا تأكيد التزامهما بإبقاء هدف 1.5 درجة مئوية قابلاً للتنفيذ.

وفيما يتعلق بالنقل المستدام، وقعت أكثر من 100 حكومة ومدينة ودولة وشركة كبرى على «إعلان غلاسكو» بشأن السيارات والشاحنات الصغيرة عديمة الانبعاثات، بهدف وقف بيع محركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035 في الأسواق الرائدة، وحول العالم بحلول عام 2040، كما التزمت 13 دولة على الأقل بإنهاء بيع المركبات الثقيلة ، التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040.

كما شهد المؤتمر، الذي استمر على مدار أسبوعين، تقديم العديد من الالتزامات «الأصغر حجماً»، ولكنها «ملهمة» بنفس القدر، بما في ذلك إنشاء 11 دولة لـ«تحالف ما وراء النفط والغاز»، حيث أطلقت أيرلندا وفرنسا والدنمارك وكوستاريكا، من بين دول أخرى، بالإضافة إلى بعض الحكومات دون الوطنية، هذا التحالف الأول من نوعه، لتحديد موعد نهائي لوقف التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما.