تزامناً مع قمة الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في غلاسكو (COP-26)، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريراً عن حالة المناخ لعام 2021، يقدم عرضاً لأهم  مؤشرات تغير المناخ، مثل تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة، ونوبات الطقس المتطرف، وارتفاع مستوى سطح البحر، واحترار المحيطات، وتحمض المحيطات، وانحسار الأنهار الجليدية، وذوبان الجليد، فضلاً عن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن هذه التغيرات.

جاء هذا التقرير ضمن التقارير الرئيسية التي عرضت في «جناح العلوم»، الذي استضافته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، خلال قمة غلاسكو للمناخ، واعتمد الخبراء في إعداده على بيانات مستمدة من وكالات أممية متعددة، وخدمات الأرصاد الجوية والخبراء العلميين في المجال، ويسلط الضوء على آثار الاحترار العالمي على الأمن الغذائي ونزوح السكان، وعلى النظم البيئية الحيوية، وتقويض التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ومن أهم النتائج التي توصل إليها الخبراء في التقرير، أن السنوات السبعة الماضية، بما فيها العام الجاري، هي في طريقها لأن تصبح الأعلى حرارةً، منذ أن بدأ الانسان في تسجيل مؤشرات الطقس الرئيسية في القرن التاسع عشر، واستناداً إلى بيانات الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، من المتوقع أن تكون السنة الحالية بين الترتيب الخامس والسابع في ترتيب السنوات الأكثر دفئاً على الإطلاق، بسبب التبريد المؤقت في بداية هذا العام، الناتج عن ظاهرة «النينيا».

أهم مؤشرات الاحترار العالمي

وصلت تركيزات غازات الاحتباس الحراري، في عام 2020، وفقاً للتقرير، إلى مستويات عالية جديدة، حيث بلغت مستويات ثاني أكسيد الكربون 413.2 جزء في المليون، والميثان عند 1889 جزء في المليار، وأكسيد النيتروز (N2O) عند 333.2 جزء في المليون، أي بنسب زيادة عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية (1750)، تقدر بحوالي 149 و262 و123% على التوالي، ونتيجة لذلك، سجل متوسط درجة الحرارة العالمية لعام 2021 (استناداً إلى البيانات من يناير إلى سبتمبر) ارتفاعاً بحوالي 1.09 درجة مئوية فوق متوسط (1850 – 1900).

ولفت التقرير إلى ارتفاع متوسط حرارة مياه المحيط إلى عمق يصل إلى  2000 متراً، خلال السنوات الماضية، ليصل عام 2019 إلى مستوى قياسي جديد، ووفق تحليل أولي يستند إلى 7 مجموعات بيانات عالمية، فإن عام 2020 تجاوز هذا الرقم القياسي، وتتفق جميع مجموعات البيانات على أن معدلات احترار المحيطات تظهر زيادة قوية بشكل خاص في العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع درجة حرارة المحيط في المستقبل.

وبينما شهدت غالبية المحيطات موجة حر قوية واحدة على الأقل منذ بداية 2021، باستثناء المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، بسبب ظاهرة «النينيا»، وجزء من المحيط الجنوبي، فقد أظهرت البيانات أن المحيطات التي تمتص حوالي 23% من الانبعاثات السنوية من ثاني أكسيد الكربون البشري إلى الغلاف الجوي، أصبحت أكثر حمضية، وانخفض الرقم الهيدروجيني للمحيطات على مدار الـ40 عاماً الماضية إلى أدنى مستوى له منذ 26 ألف عام على الأقل، مما يعني أن قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي قد انخفضت أيضاً.

كما أشار التقرير إلى زيادة في وتيرة ارتفاع مستوى البحر منذ أوائل التسعينيات، حيث كان المتوسط العالمي في حدود 2.1 مليمتر سنوياً بين عامي 1993 و2002، لكنه تضاعف إلى 4.4 مليمتر سنوياً بين عامي 2013 و2021، ورجع هذا الارتفاع في الغالب إلى الفقدان المتسارع للكتلة الجليدية من الصفائح والأنهار الجليدية، وكانت مساحة الجليد البحري في القطب الشمالي في مارس الماضي، عندما كانت في أقصى امتداد لها، أقل من متوسط المساحة المسجلة في الفترة بين عامي 1981 و2010، ورغم أن الحد الأدنى للمساحة الجليدية في سبتمبر  كان أكبر مما كان عليه في السنوات الأخيرة عند 4.72 مليون كيلومتر مربع، إلا أنه ظل دون المتوسط الأدنى المسجل في الفترة المرجعية المذكورة.

وسجل مؤلفو التقرير أيضاً حدوث تسارع في ذوبان الأنهار الجليدية في أمريكا الشمالية خلال العقدين الماضيين، إذ تضاعفت وتيرة الذوبان تقريبا في الفترة من 2015 إلى 2019، مقارنة بالفترة من 2000 إلى 2004، وأدى الصيف الحار والجاف بشكل استثنائي في عام 2021 في غرب أمريكا الشمالية إلى خسائر فادحة في الأنهار الجليدية الجبلية بالمنطقة، وقد لوحظ في 14 أغسطس، ولأول مرة، هطول أمطار لعدة ساعات في أعلى قمة جليدية في غرينلاند الجليدية، التي تقع على ارتفاع  3216 متراً، وظلت درجات حرارة الهواء فوق درجة التجمد لمدة 9 ساعات تقريباً.

وأثرت موجات الحر الاستثنائية على غرب أمريكا الشمالية خلال شهري يونيو ويوليو، حيث سجلت العديد من المناطق أرقاماً قياسية جديدة تفوق 4 درجات مئوية، وتسببت في مئات الوفيات المرتبطة بالحرارة، فوصلت  درجة الحرارة في مدينة ليتون، جنوب وسط كولومبيا البريطانية، إلى 49.6 درجة مئوية في 29 يونيو الماضي، محطمة الرقم القياسي الكندي السابق بمقدار 4.6 درجة مئوية.

كما شملت موجات الحرارة الشديدة منطقة البحر الأبيض المتوسط، وسجلت محطة الأرصاد الجوية الزراعية في صقلية في 11 أغسطس الماضي، 48.8 درجة مئوية، وهو رقم قياسي أوروبي مؤقت، بينما وصلت في القيروان، وسط تونس، إلى 50.3 درجة مئوية. وسجلت مدينة مونتورو رقماً قياسياً في 14 أغسطس، بدرجة حرارة بلغت 47.4 درجة مئوية، كما اندلعت حرائق غابات كبيرة في أجزاء كثيرة من منطقة المتوسط، مع تضرر كل من الجزائر وجنوب تركيا واليونان بشكل خاص.

نوبات تطرف مناخي غير معهودة

في المقابل، أثرت الظروف الباردة بشكل غير طبيعي على أجزاء كثيرة من وسط الولايات المتحدة وشمال المكسيك في منتصف فبراير، وكانت أشد التأثيرات حدة في ولاية تكساس، التي شهدت أدنى درجات حرارة لها منذ عام 1989، وقد أثر تفشي برد الربيع غير الطبيعي على أجزاء كثيرة من أوروبا في أوائل أبريل.

وهطلت الأمطار بغزارة غير معهودة في مناطق كثير من العالم، وتلقت مدينة تشنغتشو الصينية، على سبيل المثال، في 20 يوليو، ما يقارب 720 مليمتراً في ظرف وجيز، وهي كمية تفوق المعدل السنوي، مما أدى إلى أكثر من 300 وفاة وخسائر مادية فادحة، كما شهدت أوروبا واحداً من أشد الفيضانات خطورة على الإطلاق في منتصف شهر يوليو، وتلقت ألمانيا وبلجيكا ما يقارب 150 مليمتراً في اليوم على مساحة واسعة من الأرض المشبعة بالمياه، مما تسبب في فيضانات وانهيارات أرضية وأكثر من 200 حالة وفاة.

وعلى النقيض من ذلك، ضربت موجات الجفاف الشديد الكثير من المناطق شبه الاستوائية في أمريكا الجنوبية للعام الثاني على التوالي، وكان معدل هطول الأمطار أقل بكثير من المتوسط في معظم تلك المناطق، مما أدى إلى خسائر زراعية كبيرة، وانخفاض مستويات الأنهار، وتراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية، وتعطيل النقل النهري.

ويؤكد التقرير أن هذه الظروف المناخية التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة، ورغم أنها كانت نادرة الحدوث في العقود الماضية، ستكون أكثر تكراراً في المستقبل، بحسب معظم السيناريوهات المناخية المعروفة بسبب التغيرات المناخية، حيث خلص تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الصادر في أغسطس الماضي، إلى نفس النتيجة، وأثبت أن تواتر موجات الحر في أمريكا الشمالية والبحر الأبيض المتوسط قد ازداد، مؤكداً المساهمة البشرية في هذه الزيادات بثقة متوسطة في أمريكا الشمالية، وثقة عالية في منطقة البحر المتوسط.

التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية

وأكد التقرير الجديد أن هذه التغيرات المناخية كان لها آثار اجتماعية واقتصادية وبيئية كبيرة خلال السنوات العشرة الماضية، إذ ازدادت كثافة النزاعات وعدم الاستقرار الاجتماعي، مع زيادة وتيرة ظواهر الطقس المتطرفة، وأدت الآثار المركبة لهذه المخاطر، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19، إلى زيادة الجوع، وقوضت بالتالي عقوداً من التقدم نحو تحسين الأمن الغذائي.

ورغم أن التوقعات أشارت إلى انخفاض الجوع العالمي إلى حوالي 710 ملايين في عام 2021، بانخفاض تبلغ نسبته حوالي 9% عما كان عليه خلال 2020، إلا أن الأرقام المسجلة في أكتوبر الماضي في العديد من البلدان، كانت أعلى بالفعل مما كانت عليه في العام الماضي، بحسب ما أظهر تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى قمة الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو.

وكان من نتائج نقص الغذاء، تزايد عدد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة، والانهيار التام لسبل العيش، خاصةً في دول مثل إثيوبيا وجنوب السودان واليمن ومدغشقر، كما ساهم اضطراب هطول الأمطار في تعطيل سبل العيش والمواسم الزراعية في جميع أنحاء العالم، وتزامنت حالات الجفاف المتتالية عبر مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية مع العواصف الشديدة والأعاصير والفيضانات، مما أثر بشكل كبير على سبل العيش، والقدرة على التعافي من الصدمات المناخية المتكررة.

ولفت التقرير إلى أن أحداث وظروف الطقس القاسية، التي غالباً ما يفاقمها تغير المناخ، كان لها تأثيرات كبيرة ومتنوعة على نزوح السكان، وعلى ضعف الأشخاص النازحين بالفعل على مدار العام، فمن أفغانستان إلى أمريكا الوسطى، ضربت حالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة أولئك الأقل استعداداً للتعافي والتكيف.

كما حذر التقرير من أن النظم البيئية بكل أنواعها، والخدمات التي تقدمها، تتأثر بالتغير المناخي والظواهر الجوية المتطرفة، حيث أظهر أن النظم البيئية تتدهور بمعدل غير مسبوق، ومن المتوقع أن يتسارع هذا التدهور في العقود القادمة، مما يحد من قدرة هذه النظم على دعم رفاهية الإنسان، ويضر بقدرتها على التكيف لبناء المرونة.

وثيقة ختامية لا تعكس خطورة كارثة حتمية

رغم أهمية التقرير، وتوقيت طرحه بالتزامن مع قمة غلاسكو حول المناخ، سواء من حيث المؤشرات الرئيسية للتغير المناخي، التي عاش العالم بعضاً من مظاهرها بالفعل هذا العام، أو من حيث رصد الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة عن التغيرات المناخية، إلا أن الوثيقة الختامية الصادرة في نهاية القمة، لا يبدو أنها تعكس ما أثارته هذه الوثيقة من خطورة، في مواصلة اتخاذ إجراءات هشة وغير ملزمة للحد من التغير المناخي.

فقد تم في آخر لحظة، التراجع عن قرار إلغاء استخدام الفحم الحجري في انتاج الطاقة تدريجياً، وتعويضه بقرار للحد التدريجي من استخدام تلك المادة الأحفورية، التي تعتبر أكثر المواد استخداماً في انتاج الكهرباء وأكثرها تلويثا للبيئة، في الوقت الذي اكتفى فيه قرار ثان، وهو أقرب للتوصية، بدعوة الدول إلى تكثيف جهودها للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحترار، للإبقاء على هدف الحد من ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، قابلاً للتحقيق.

وبعكس ما سعى إليه مؤلفو التقرير ومن ورائهم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن يكون التقرير حافزاً للمشاركين في قمة غلاسكو لاتخاذ قرارات تقود إلى تحول حقيقي في الحد من التغيرات المناخية، لكنه يبدو أنه كان أقرب إلى «صيحة إنذار» أخيرة، قبل أن تصبح الكارثة المناخية حتمية.