سيمون ستيل: التمويل شريان الحياة للعمل المناخي وصندوق الخسائر والأضرار خطوة تاريخية
«مؤيد حقيقي لانتهاج آليات إبداعية من أجل تعزيز استجابتنا الجماعية لأزمة المناخ»، هكذا وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، المهندس والوزير السابق في حكومة دولة غرينادا، سيمون ستيل، بعدما تم اختياره لقيادة الجهود الدولية للحد من ظاهرة التغيرات المناخية من خلال موقعه كمدير تنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، اعتباراً من منتصف أغسطس 2022.
وحرص الأمين العام للمنظمة الأممية على الإشادة بالمدير التنفيذي الجديد لاتفاقية تغير المناخ، الذي تولى هذه المهمة الصعبة قبل أقل من 3 أشهر على الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف (COP-27) في مدينة شرم الشيخ بمصر، معتبرا أنه «يضيف إلى المنصب مجموعة من المهارات الفريدة، التي اكتسبها خلال مسيرة عملية تمتد على مدى 33 سنة، مع خبرة واسعة في العمل الثنائي والإقليمي ومتعدد الأطراف».
وقبل أن يكمل عامه الأول في موقعه كأكبر مسؤول في قيادة العمل المناخي على الصعيد العالمي، وفي إطار الاستعدادات الجارية للدورة الـ28 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP-28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 20 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، جاء هذا الحوار مع المهندس سيمون ستيل، المدير التنفيذي لاتفاقية تغير المناخ.
في هذا الحوار، الذي تنشره «جسور 2030» بالتزامن مع نشره في بوابة «العين الإخبارية»، أكد المدير التنفيذي لاتفاقية تغير المناخ أن القرار الصادر عن مؤتمر الأطراف الأخير (COP-27) في مصر، أواخر العام الماضي، بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار نتيجة تداعيات التغيرات المناخية، أحد القرارات التاريخية في مسيرة العمل المناخي العالمي.
يأمل سيمون ستيل في أن تشكل الدورة المقبلة لمؤتمر الأطراف (COP-28) في دولة الإمارات، خطوة في الاتجاه الصحيح لحشد الجهود نحو تحقيق الأهداف الطموحة لاتفاق باريس، لتجنب ارتفاع الاحترار العالمي بأكثر من 1.5 درجة مئوية عن معدلات ما قبل الثورة الصناعية.. وإلى نص الحوار:
– يأتي انعقاد مؤتمر (COP-28) في الإمارات كثاني مؤتمر للأطراف يُعقد في دولة عربية على التوالي، بعد الدورة السابقة (COP-27) في شرم الشيخ بمصر، ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للمدير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؟
يكتسب انعقاد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، أهمية بالغة، نظراً لأنه يُعقد في واحدة من أكثر المناطق المنتجة للوقود الأحفوري في العالم، وهذا يدعم العمل المناخي إذا أردنا، في نهاية المطاف، الحد من مستوى احترار الكوكب بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية عن معدلات ما قبل الثورة الصناعية، وفقاً لأهداف اتفاق باريس 2015، وهذا يستوجب إحداث تحولات هائلة في جميع المجتمعات، وفي كافة قطاعات الأعمال، ومن المهم أن تكون هذه المنطقة مركزاً لهذا التحول المنشود.
كما أن منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا تعتبر أيضاً مركزاً نموذجياً لما يمكن أن يحدث من تأثيرات سلبية ناتجة عن التغيرات المناخية التي قد يعاني منها سكان دول المنطقة، نتيجة التقاعس عن العمل للحد من هذه الظاهرة، نظراً لأن هذه المنطقة تُعد بالفعل واحدة من أكثر المناطق تسجيلاً لأعلى درجات الحرارة، وأسوأ موجات جفاف على كوكب الأرض.
– ما هي أبرز القضايا والموضوعات التي تسعى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ لوضعها على رأس أولويات جدول أعمال الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP-28) في الإمارات؟
تسعى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، خلال الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتركيز الانتباه حول موضوع التقييم العالمي، وهي عملية تقوم كافة الدول، بموجبها، باستعراض تقييمها للتقدم المحرز باتجاه تحقيق أهداف اتفاق باريس، ومن شأن هذه العملية أن تضع البلدان المختلفة أمام لحظة فارقة للاتفاق على خطط بإجراءات ملموسة، يمكن أن تقودنا إلى تحقيق الأهداف التي اتفقنا عليها، والتي يتوجب علينا تنفيذها بحلول عام 2030.
مثل هذه الخطط العملية يمكن أن تشكل خارطة طريق للعمل المناخي خلال الفترة القليلة المقبلة، لتحقيق الأهداف المتفق عليها، ويجب أن تتضمن إجراءات تفصيلية لمختلف القطاعات والموضوعات، بما في ذلك التكيف مع تداعيات تغير المناخ، وتعويض الخسائر والأضرار، إضافة إلى التمويل، والتكنولوجيا، وبناء القدرات، ولعل خارطة طريق كهذه لن تقتصر على توفير خطط تستند إلى الخيارات المتاحة فقط، وإنما تتضمن أيضاً إجراءات عملية لتمويل برامج الإصلاح، وتعزيز الشعور بالمساءلة السياسية وشراكات التعاون من أجل تعزيز العمل المناخي، ونأمل في أن يشكل مؤتمر (COP-28) نقطة الانطلاق نحو تصحيح المسار باتجاه العمل على تحقيق أهداف اتفاق باريس بشكل جماعي.
– قرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، وحشد التمويل لمساعدة الدول النامية، وخطة عالمية للتكيف مع تغير المناخ، كانت ضمن أبرز النتائج التي أسفر عنها مؤتمر شرم الشيخ، ما هي النتائج التي من المتوقع أن يتم البناء عليها في مؤتمر (COP-28) بالإمارات أواخر العام الجاري؟
يمكن القول أن مؤتمر الأطراف الأخير (COP-27) أثار انتباه العالم لحجم المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية، التي باتت ملموسة للجميع، كما وضع ملامح خارطة طريق لمساعدة العالم على تجنب أسوأ عواقب لتغير المناخ، إلا أن هناك 5 نتائج رئيسية لمؤتمر شرم الشيخ، يمكن أن تشكل أولويات العمل المناخي في عام 2023 وما بعده.
تتمثل أولى النتائج في إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، بموجب قرار تاريخي، توج المفاوضات الشاقة في ختام أعمال مؤتمر (COP-27)، بهدف توفير التمويل لتعويض الدول الضعيفة المتضررة من الفيضانات والجفاف والكوارث المناخية الأخرى، عما لحق بها من خسائر وأضرار، وقد حظي هذا القرار بترحيب عالمي واسع، نظراً لأنه للمرة الأولى أدركت الأطراف المختلفة الحاجة إلى التمويل للاستجابة للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، ووافقت على إنشاء الصندوق، واتخاذ ترتيبات التمويل اللازمة.
كما نجح مؤتمر شرم الشيخ في الحفاظ على الأمل في أن هدف اتفاق باريس لمنع زيادة الاحترار العالمي بأكثر من 1.5 درجة، مازال في متناول اليد، وأعادت الدول الأطراف تأكيد التزامها بالسعي نحو تحقيق هذا الهدف، بعدما أدرك الجميع أن العالم يمر بعقد حرج بالنسبة للعمل المناخي، بعدما أظهر تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التابعة للأمم المتحدة، أن العالم في حاجة شديدة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 43% بحلول عام 2030.
من النتائج الأخرى لمؤتمر (COP-27) إقرار مبادئ المساءلة ومحاسبة الشركات والمؤسسات، عندما يتعلق الأمر بالالتزامات التي تعهدت بها، بالإضافة إلى التركيز على حشد المزيد من الدعم المالي للبلدان النامية، باعتبار أن التمويل يقع في قلب كل إجراءات الحد من تغير المناخ، سواء التخفيف، أو التكيف، أو الخسائر والأضرار، أو نقل التكنولوجيا، ونجح مؤتمر شرم الشيخ في إطلاق مسار لمواءمة تدفقات مالية أوسع نحو قطاعات الانبعاثات المنخفضة، وخطط التنمية القائمة على المرونة المناخية.
خامس النتائج الرئيسية لمؤتمر الأطراف العام الماضي، تتمثل في إقرار مبدأ التنفيذ لما سبق من تعهدات، وتحويلها إلى إجراءات ملموسة، ولعل هذه النتيجة كان هناك إصرار عليها حتى قبل بداية مؤتمر (COP-27)، فإذا كان مؤتمر باريس في 2015 قد منحنا اتفاقاً على هدف 1.5 درجة، فإن مؤتمرات كاتوفيتشي وغلاسكو قد أعطتنا الخطة لتحقيق هذا الهدف، أما مؤتمر شرم الشيخ فقد نقلنا إلى مرحلة التنفيذ.
– أسفر مؤتمر الأطراف الأخير في شرم الشيخ عن قرار بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار، إلا أن الآليات التنفيذية لإنشاء الصندوق لم تكن واضحة بشكل محدد، ما هي الخطوات التالية التي من المتوقع أن يتم مناقشتها أمام مؤتمر (COP-28) لتنفيذ هذا القرار؟
بالفعل، جاء قرار إنشاء صندوق مخصص لمساعدة البلدان النامية في الاستجابة للخسائر والأضرار الاقتصادية وغير الاقتصادية، المرتبطة بتغير المناخ، ليمثل خطوة تاريخية تم الاتفاق عليها في مؤتمر الأطراف العام الماضي في شرم الشيخ، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة انتقالية تتولى مسؤولية وضع وتفعيل ترتيبات التمويل الجديدة الخاصة بصندوق تعويض الخسائر والأضرار، تمهيداً لعرض هذه الترتيبات على مؤتمر الأطراف هذا العام في دبي، للنظر فيها ومناقشتها واعتمادها.
ويمكنني هنا القول إن اللجنة الانتقالية وافقت مؤخراً على خطة عمل مقترحة، تحدد المعالم الأساسية والخطوات الموضوعية والإجرائية، التي يتعين اتخاذها، على أن يتم تسليم هذه الخطة، بما تتضمنه من توصيات، إلى رئاسة مؤتمر الأطراف (COP-28)، على أن يتم عرض التوصيات على كافة الأطراف لإبداء أي ملاحظات عليها واعتمادها، ولاسيما الإجراءات الخاصة بترتيبات التمويل الجديدة، وآليات عمل الصندوق، ومازالت هناك فرصة متاحة لمناقشة التساؤلات المتعلقة بالفجوات في الهياكل التمويلية، والترتيبات اللازمة لسد هذه الفجوات، خلال الأشهر القليلة المقبلة.
– مع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة عاماً بعد عام، هل تعتقد أن العالم يسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس بالحد من الاحترار العالمي دون 1.5 درجة؟
كما ذكرت في السابق، العالم يمر بعقد حرج للغاية بالنسبة للعمل المناخي، وقد أظهر التقرير التجميعي الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أننا لسنا على المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس للحد من ارتفاع حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين عما كانت عليه خلال فترة ما قبل الثورة الصناعية، مع متابعة الجهود لتجنب ارتفاع الحرارة بأكثر من 1.5 درجة حتى نهاية القرن الحالي.
ويبقي التقرير على أمل الحفاظ على أهداف اتفاق باريس قيد التنفيذ، وفي سبيل تحقيق ذلك، يجب العمل بجدية من أجل الوصول إلى تخفيضات سريعة وعميقة للانبعاثات الحرارية في جميع قطاعات الاقتصاد العالمي، بحيث تصل مستويات الانبعاثات العالمية إلى أقصى معدل لها قبل حلول عام 2025 على أكثر تقدير، كما يجب العمل على خفضها بنسبة 43% قبل حلول عام 2030، وهنا يمكنني القول مرة أخرى أن مؤتمر الأطراف هذا العام (COP-28) يمكن أن يكون الوقت المناسب لتصحيح هذا المسار.
– التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون يتطلب استثمارات هائلة، تتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار على الأقل سنوياُ، كيف يمكن لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن تدفع في هذا الاتجاه؟
نعم، التمويل هو شريان الحياة لجميع الإجراءات المناخية، التي لن يمكن تنفيذها بدون توافر موارد مالية، بدايةً من تطوير ونقل التكنولوجيا، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وإرساء بنية تحتية مرنة قادرة على الصمود والتكيف، ومعالجة الآثار المدمرة لتغير المناخ، إلا أن آليات التمويل تحتاج إلى إصلاحات هيكلية كبيرة، حتى يمكننا التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون ومقاوم للمناخ، ومن ذلك، توسيع نطاق التمويل الأخضر والمتعلق بالمناخ على نطاق واسع، وإصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، لتقديم الإقراض بشروط أفضل لمشروعات العمل المناخي.
نأمل في اتخاذ قرارات أكثر جدية بشأن تيسير إجراءات الإقراض المعمول بها لدى بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs) قبل مؤتمر الأطراف هذا العام، كما نأمل في وضع خارطة طريق واضحة المعالم، حتى يمكن تسخير قدراتها المالية وخبراتها الفنية في دعم العمل المناخي، فنحن بحاجة إلى طريق للانتقال من خطط تمويل بمليارات الدولارات إلى خطط أكثر طموحاً بتريليونات الدولارات.
– كيف يمكن لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تقديم المساعدة للبلدان النامية من أجل تحقيق أهداف التحول التكنولوجي وتمويل المناخ؟
تقديم الدعم الكافي للبلدان النامية من خلال تمويل التكنولوجيا والمناخ، لن يؤدي فقط إلى تعزيز الطموح وتسريع العمل المناخي، ولكنه أيضاً مسألة تضامن وثقة، فالحكومات أيضاً تحتاج إلى الوفاء بالتزاماتها المالية، في نهاية المطاف، لمواصلة المضي قدماً، كما أن الدول النامية في حاجة ماسة للتمويل، لمساعدتها في الاستفادة من الحلول التكنولوجية المتاحة، وتساعد سكرتارية الاتفاقية في ذلك من خلال تعزيز الحوار، وتبادل المعلومات، وبناء القدرات، وحشد التمويل، ونقل التكنولوجيا.
وعلى مدار السنوات الماضية، قدمت سكرتارية الاتفاقية الدعم لكثير من البلدان، لمساعدتها في تجاوز العقبات، التي تتراوح بين اتخاذ القرار، وتحديد الأولويات، وتوفير بيئة مناسبة لتعزيز العمل المناخي، بالإضافة إلى مساعدتها في الحصول على التمويل اللازم لتحقيق أهدافها المناخية، وفي مؤتمر الأطراف الأخير (COP-27) تم الإعلان عن برنامج عمل جديد بشأن التكنولوجيا، بهدف إطلاق المزيد من إمكانات التقنيات الحديثة والناشئة، لتسريع الانتقال إلى نظم أكثر توافقاً مع سيناريوهات عملية لمنع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية.