في مشهد يعكس ثقة المجتمع المتوسطي في الدور المصري المتصاعد على الساحة البيئية، انطلقت بالقاهرة أعمال الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية حماية بيئة البحر المتوسط من التلوث «اتفاقية برشلونة» (COP-24)، حيث تسلمت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، رئاسة المؤتمر لمدة عامين، لتصبح مصر لأول مرة في موقع قيادة هذا التجمع الدولي الذي يضم وزراء وممثلي 21 دولة من حوض البحر المتوسط، إلى جانب منظمات إقليمية ودولية وممثلي المجتمع المدني، من بينهم hلشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، التي شاركت بفعالية عبر حضورها ونشاطها الداعم لأجندة حماية البيئة البحرية وتعزيز العمل المناخي في المنطقة.
جاء الافتتاح الذي شهدته القاهرة في 2 ديسمبر 2025 ليؤكد المكانة المتنامية لمصر كفاعل إقليمي رئيسي في حماية البيئة البحرية وتعزيز الاقتصاد الأزرق، حيث رفعت الدورة الجديدة شعار «الاقتصاد الأزرق المستدام من أجل بحر متوسطي مرن وصحي»، وهو شعار يعكس تطلعات دول المتوسط نحو مرحلة أكثر التزاماً تجاه مواجهة التلوث والتغيرات المناخية والضغوط المتزايدة على النظم الإيكولوجية البحرية.
وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت الدكتورة منال عوض أن انعقاد المؤتمر في القاهرة يحمل رسالة قوية مفادها أن مصر باتت لاعباً محورياً في جهود حماية البيئة البحرية، مشيرة إلى أن السواحل المصرية الممتدة لأكثر من 3000 كيلومتر تشكل شريان حياة لملايين المواطنين ومصدراً أساسياً للغذاء والطاقة والسياحة والنقل البحري، وأن إدارتها المتكاملة أصبحت ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الموارد وتحقيق التوازن بين التنمية وحماية الطبيعة.
وأوضحت الوزيرة أن الدولة المصرية تبنت خلال السنوات الأخيرة نهجاً متكاملاً للتحول نحو الاقتصاد الأزرق المستدام، مشيرة إلى إعداد إطار وطني شامل للاقتصاد الأزرق بدعم من القيادة السياسية، وبدعم فني من البنك الدولي وشركاء دوليين، وصولاً إلى إعداد أول استراتيجية وطنية متكاملة للاقتصاد الأزرق، والتي ستوفر خريطة طريق لتعظيم الاستفادة المستدامة من الموارد البحرية وتطوير سلاسل القيمة في قطاعات المصايد، والسياحة البيئية، والطاقة البحرية المتجددة، والنقل البحري منخفض الكربون.
وأكدت الوزيرة أن مصر تنظر إلى الاقتصاد الأزرق كنموذج اقتصادي جديد قادر على خلق فرص عمل لائقة وتعزيز الأمن الغذائي وحماية التنوع البيولوجي البحري، لافتة إلى أن الأيام المقبلة من المؤتمر ستشهد مناقشة واعتماد وثائق محورية أبرزها: استراتيجية البحر المتوسط للتنمية المستدامة 2026–2035، والإطار الإقليمي للتكيف مع تغير المناخ، وخطة العمل المتوسطية للرصد البيئي، إلى جانب «إعلان القاهرة الوزاري» الذي تقوده مصر ليكون وثيقة جامعة تدفع نحو تسريع التحول نحو اقتصاد أزرق مستدام وشامل.
وخلال الجلسة الافتتاحية، أشاد السيد ميتيا بريسيلي، ممثل سلوفينيا والرئيس السابق للدورة الثالثة والعشرين، بقدرة مصر على استضافة المؤتمر وتنظيمه، مؤكداً ضرورة الحفاظ على الزخم المتراكم عبر أكثر من نصف قرن من التعاون المتوسطي في إطار اتفاقية برشلونة، والتي تعد ركناً أساسياً في حماية النظم الإيكولوجية البحرية وتكاملها مع اتفاقيتي التنوع البيولوجي وتغير المناخ.
كما أكدت السيدة تاتيانا هيما، منسقة برنامج الأمم المتحدة للبيئة وخطة عمل البحر المتوسط، أن الإقليم يواجه تحديات بيئية متزايدة من تدهور التنوع البيولوجي والتلوث البلاستيكي، وأن القرارات المتوقع صدورها من COP24 ستسهم في رسم مسار جديد نحو سواحل أكثر نظافة واستدامة، مشيدة بدور مصر في استضافة المؤتمر وبافتتاح المتحف المصري الكبير الذي وصفته بأنه علامة مضيئة على عظمة الحضارة المصرية.
من جانبه، شدد السيد ألبرتو باتشيكو كابيلا، رئيس وحدة البحار الإقليمية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، على أن المؤتمر ينعقد في لحظة حاسمة تتطلب تعزيز الربط بين العلوم والسياسات من أجل مواجهة التحديات المتسارعة في البحر المتوسط، داعياً إلى تكثيف التعاون المتوسطي لضمان الوفاء بالالتزامات الدولية وحماية المستقبل البيئي للإقليم.
وفي إطار الجلسات الافتتاحية، عُرض فيلم وثائقي تناول أهمية البحر المتوسط وجهود حمايته، مؤكداً المكانة الاستراتيجية لهذا الحوض البحري الذي يمثل نقطة التقاء بين ثلاث قارات، وشرياناً اقتصادياً وبيئياً لا غنى عنه لدول الإقليم.
وتأتي مشاركة شبكة «رائد» في هذا الحدث الإقليمي البارز لتؤكد الدور المتصاعد لمنظمات المجتمع المدني العربي في دعم جهود حماية بيئة المتوسط وتنفيذ اتفاقية برشلونة، من خلال العمل على تعزيز الوعي، وتيسير الحوار، والمشاركة في مناقشة السياسات البيئية المشتركة، وإبراز أهمية الاقتصاد الأزرق كأحد المسارات الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.
بهذه الانطلاقة الواسعة، تضع مصر نفسها على خريطة القيادة البيئية الإقليمية، مدفوعة برؤية واضحة لتحويل البحر المتوسط إلى نموذج للتنمية المستدامة، قائم على حماية الموارد الطبيعية وتعزيز الشراكات الدولية، بما يضمن مستقبلاً أفضل وأكثر أماناً للأجيال القادمة.