خلصت معظم المناقشات والفعاليات التي تم تنظيمها ضمن «يوم الطاقة» في قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ، إلى الإعراب عن القلق بشأن التوسع في مشروعات النفط والغاز والفحم، رغم أن كثير من العلماء يرون أن الوقود الأحفوري يجب أن يبقى في الأرض، لتجنب أسوأ آثار لتغير المناخ، إذ أعرب عدد من الخبراء عن خشيتهم من أن يعرض ذلك هدف الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية للخطر، وهو الهدف الذي تم إقراره في قمة باريس عام 2015.

ووفق تقارير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، يتم تشغيل قطاع الطاقة، المسؤول عن أكثر من ثلثي انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية، بشكل أساسي بواسطة الوقود الأحفوري، ورغم أن ذلك يوفر الكهرباء والنقل إلى معظم أنحاء العالم، إلا أنه مصحوب بـ«ألم عميق وخسارة كبيرة» للمجتمعات والأنظمة البيئية الضعيفة، حيث يأتي 29% فقط من توليد الكهرباء في العالم حالياً من مصادر الطاقة المتجددة، وتستمر انبعاثات الكربون في الاتجاه التصاعدي.

ووصفت مديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنجر أندرسن، العام الذي مضى منذ انعقاد مؤتمر المناخ في جلاسكو بأنه عام «التسويف المناخي»، وقالت في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية لفعاليات «يوم الطاقة»، إنه «بحلول عام 2030، نحتاج إلى تقليل الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 30 إلى 45%، ولكن منذ قمة جلاسكو، قلصنا الانبعاثات بنسبة 1%، لذلك، ما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه».

وتابعت «أندرسن» بقولها: إننا نعيش حالياً في عالم ارتفعت درجة حرارته إلى 1.1 درجة مئوية منذ حقبة ما قبل الصناعة، ونشهد بالفعل زيادة في العواصف والجفاف والفيضانات وفشل مواسم الحصاد»، وأعربت عن مخاوفها من تفاقم التغيرات المناخية قائلةً: «السياسات الحالية تأخذنا إلى عالم درجة حرارته ترتفع بمقدار 2.8 درجة مئوية، من المهم أن نجري محادثات حول الحد من الانبعاثات، ومن يتحمل العبء»، وأشارت إلى أن مجموعة العشرين، المجتمعة هذا الأسبوع، «عليها أن تتحمل مسؤولية جماعية عن 75% من جميع الانبعاثات»، وطالبت هذه الاقتصادات بالاستثمار في تمويل المناخ والعدالة المناخية.

من جانبه، شدد سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية، على أهمية الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة، قائلاً إنه «هدف حدده اتفاق باريس، ولكنه أيضاً يرتكز بقوة على العلم والبيانات المؤكدة»، واعتبر أن أي زيادة فوق حاجز 1.5 درجة مئوية تزيد من المخاطر على الصحة وسبل العيش والأمن الغذائي وإمدادات المياه والأمن البشري والنمو الاقتصادي.

كما وصف المسؤول الأممي استمرار الارتفاع في درجات الحرارة بأنه «جحيم حي»، وقال إن «كل جزء من الدرجة يتجاوز 1.5 درجة مئوية، يعرض حياة الإنسان على هذا الكوكب للخطر بشكل متزايد»، ودعا كافة الأطراف، خاصةً الدول الغنية والصناعية، إلى أن تتحلى بالصرامة في جهودها للوفاء بالتزاماتها في قمة جلاسكو، بشأن الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية في المتناول.

ودعا «ستيل» أطراف اتفاقية تغير المناخ المشاركين في مؤتمر شرم الشيخ، إلى العمل على تسوية الانقسامات والخلافات القائمة خلال مؤتمر (COP27)، لضمان اتخاذ إجراءات سريعة بشأن التخفيف والتكيف وتمويل الخسائر والأضرار والمساءلة، كما حث الدول الأطراف على الخروج بما وصفها بـ«مواقف جوهرية»، في سبيل المضي قدماً بشأن هذه القضايا.

وفي بادرة إيجابية، تحدث «ستيل» عن إطلاق جنوب أفريقيا خطة بملايين الدولارات للتحول من الفحم إلى الطاقة الخضراء، واصفا إياها بأنها لحظة مهمة في دفع الجهود العالمية للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، وقال في هذا الصدد: «نتوقع سماع المزيد من الطموح في هذا المجال، عندما يجتمع وزراء مجموعة العشرين هذا الأسبوع في بالي، لذلك، نحن نحرز تقدماً في قمة شرم الشيخ، ولكن التحرك بصورة أكبر وأسرع يعني أيضاً اتخاذ إجراءات تتجاوز قمة المناخ لتقليل الانبعاثات».

ووفقاً للدكتور جيم سيكا، أحد العلماء الأعضاء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فقد شهد العالم تطورات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، مع انخفاض التكاليف، وزيادة الانتشار في السنوات الماضية، وأشار إلى أن «نحو نصف الانبعاثات على مستوى العالم مغطاة الآن بتشريعات مناخية، وخمس الانبعاثات مغطاة بأسعار الكربون، لذلك، فإن الناس لم يستخدموا جميع الأدوات بعد، إذا كان لدى الناس ما يكفي من الإرادة للقيام بذلك، يمكن أن تحدث أشياء كبيرة».

وأكد «سكيا»، في تصريحات أوردها بيان للأمم المتحدة، أن تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ توضح أنه على المدى القصير، يجب أن تكون هناك تخفيضات هائلة في استخدام الفحم، ومتوسطة من حيث النفط، وتخفيضات متواضعة من حيث الغاز، لإبقاء سيناريو هدف 1.5 درجة في متناول اليد، وأضاف: «نحتاج إلى أن نرى انخفاضاً في استخدام الغاز بنسبة 45% بحلول عام 2050، وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 2% سنوياً، وبصراحة، فإن حقول الغاز الحالية سوف تستنفد أسرع من ذلك».

وفي الغضون، أوضح فرانشيسكو لا كاميرا، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أن مستقبل أنظمة الطاقة سيعتمد إلى حد كبير على مصادر الطاقة المتجددة، وسيكمله الهيدروجين الأخضر، والاستخدام المستدام للكتلة الحيوية، وأضاف أن أقل من ثلث الطاقة المستخدمة في نظام الطاقة حالياً يأتي من مصادر متجددة، بينما يأتي الثلثان من الوقود الأحفوري، وتابع بقوله: «سيكون لدينا وضع مختلف تماماً في عام 2050، حيث ستكون مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة أكثر من ثلثي الطاقة، كل شيء يتغير».

وأوضح «لا كاميرا»، في تصريحات سابقة لـ«الوطن»، أن حلول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح شهدت انخفاضاً في الأسعار بمعدل ملحوظ خلال العامين الماضيين، ولفت إلى أن مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تولد وظائف أكثر بثلاث مرات مما يمكن أن يوفره الاستثمار المتساوي في قطاع الوقود الأحفوري، فضلاً عن المساهمة بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي للبلدان.