مع استمرار الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي، جراء سلسلة من الأزمات الدولية، يلتقي كبار مسؤولي الأمم المتحدة والحكومات في مقر المنظمة الأممية في نيويورك، في محاولة لإحداث تغيير في الاقتصاد العالمي، وإعادة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى مسارها الصحيح.

يمر العالم بالعديد من النزاعات والكوارث الإنسانية والظواهر الجوية الشديدة والاضطرابات الاقتصادية، والآن يتم استخدام مصطلح «أزمة ذات أبعاد متعددة» لوصف الوضع الحالي، وقد ظهر هذا المصطلح عام 2022، وهو العام الذي بدأ بآمال مؤقتة بإمكانية تعافي الاقتصاد العالمي من الاضطراب الهائل الذي سببته جائحة كوفيد-19، ولكن سرعان ما هيمنت الأزمة الروسية – الأوكرانية على المشهد.

في خضم كل هذه الأزمات المتلاحقة، لا تمتلك العديد من البلدان الموارد اللازمة للاستثمار في التعافي من الأزمة الصحية والعمل المناخي والتنمية المستدامة، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يشهد مقر الأمم المتحدة في نيويورك انعقاد منتدى تمويل التنمية لعام 2023، في الفترة بين 17 و20 أبريل، بهدف المضي قدماً بالسياسات الرامية لمعالجة قضايا التنمية العالمية، من الديون إلى انعدام الأمن الغذائي.

ويأتي منتدى تمويل التنمية لعام 2023 ضمن منتديات المتابعة السنوية للمؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية، الذي أسفر عن «خطة عمل أديس أبابا»، وهو إطار مصمم لضمان أن يتجه التمويل نحو تحسين المجتمعات والاقتصادات والبيئة، ومن المتوقع أن تغذي القرارات التي يتم اتخاذها في هذا المنتدى، أعمال المنتدى السياسي رفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة في مقر الأمم المتحدة، في يوليو المقبل.

وفيما يلي يستعرض موقع «جسور 2030» أبرز 5 حقائق عن منتدى تمويل التنمية لهذا العام، بدايةً من التعريف بأهمية المنتدى، وأهم القضايا محل النقاش، وطبيعة الحلول المقترحة، والعواقب المحتملة في حالة التقاعس عن العمل، بالإضافة إلى وضع تصور للتوقعات المستقبلية فيما يتعلق بخطط تمويل التنمية.

أولاً: ما أهمية منتدى تمويل التنمية لعام 2023؟

يُعد عام 2023 عاماً محورياً بالنسبة للتنمية المستدامة، حيث يصادف هذا العام منتصف المدة بين عام 2015، الذي شهد إطلاق خطة التنمية المستدامة، وعام 2030، الموعد المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17، وتخطط الأمم المتحدة لضخ زخم جديد نحو تحقيق الأهداف في قمة أهداف التنمية المستدامة المقرر انعقادها في سبتمبر 2023، ومع ذلك، لن يتم إحراز أي تقدم بدون توفير تمويل كبير.

وفي فبراير الماضي، أقر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بأن أهداف التنمية المستدامة بعيدة كل البعد عن المسار الصحيح، وأطلق خطة تحفيز أهداف التنمية المستدامة، والتي تدعو الدول الغنية إلى تخصيص 500 مليار دولار إضافية كل عام لتمويل هذه الأهداف.

وتدعو خطة التحفيز إلى تغيير النظام المالي الدولي، بحيث يتم تقليل أعباء الديون على البلدان النامية، وتسهيل الوصول إلى التمويل، ولذلك من المتوقع أن تأخذ مسألة جعل هذا التحول حقيقة، موقع الصدارة في أجندة منتدى تمويل التنمية لهذا العام.

ثانياً: ما هي القضايا الرئيسية على أجندة المنتدى؟

وفقاً لتقرير تمويل التنمية المستدامة لعام 2023، تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، من 135 مليونا عام 2019 إلى 345 مليوناً، وفق التوقعات عام 2023، كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 50% عام 2022، مقارنةً بعام 2019.

كما أن عملية توجيه أقل البلدان نمواً، والعديد من البلدان الأفريقية نحو التصنيع، لا تسير على النحو المأمول، حيث تدعو خطة 2030 إلى مضاعفة القيمة المضافة من التصنيع في البلدان الأفريقية بحلول نهاية العقد، وهذا يعني صنع وبيع المزيد من المنتجات، بدلاً من بيع المواد الخام إلى دول أخرى، وبشكل ملحوظ، انخفضت القيمة المضافة من حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2000، إلى 9% عام 2021.

وتشكل مشكلة الديون عقبة رئيسية أمام تمويل التنمية في الدول الفقيرة، ففي عام 2022، كان على 25 دولة نامية أن تخصص أكثر من خمس إجمالي إيراداتها لخدمة الدين الخارجي العام، وكذلك، لا يزال عدم المساواة بين الجنسين يشكل عبئاً كبيراً على التنمية، ففي 115 دولة لا يُتاح للنساء إدارة الأعمال التجارية بالطريقة نفسها التي يديرها الرجال.

ثالثاً: ما الحلول المحتملة التي ستتم مناقشتها؟

يعتمد جدول أعمال المنتدى، إلى حد كبير، على نتائج تقرير تمويل التنمية المستدامة لعام 2023، الصادر في 5 أبريل الجاري، والذي يدعو إلى المزيد من الاستثمار الخاص والعام، وإجراء إصلاحات في النظام المالي الدولي، كما يؤكد الحاجة إلى استثمارات ضخمة، لتسريع التحولات في عدة مجالات، مثل إمدادات الكهرباء والصناعة والزراعة والنقل والمباني، لبدء «عصر صناعي أخضر جديد».

وغالبا ما يرتبط التصنيع بالتلوث والنفايات، ولكنه كان تاريخيا محركا للتقدم، ويتضمن «التصنيع الأخضر»، المقترح في التقرير، دعم الصناعات منخفضة الكربون، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والاقتصاد الرقمي، وتطوير السياسات التي تؤدي إلى الاستثمار في الأنشطة المستدامة، مع تقليل التأثير البيئي السلبي للصناعات.

وهناك بعض المؤشرات الإيجابية على أن الرسالة قد بدأت في الوصول، حيث ارتفع حجم الإنفاق العالمي على تحول الطاقة إلى مستوى قياسي، بلغ 1.1 تريليون دولار عام 2022، متجاوزاً الاستثمارات في الوقود الأحفوري لأول مرة على الإطلاق، وأصبح الاقتصاد الأخضر خامس أكبر قطاع صناعي من حيث القيمة السوقية، حيث بلغ 7.2 تريليون دولار عام 2021.

رابعاً: ما هي مخاطر التقاعس عن العمل؟

تزداد الفجوة اتساعا بين الأغنياء والفقراء، وبدون إجراء إصلاح شامل للاقتصاد العالمي، من المتوقع أن يظل 574 مليون شخص، أي نحو 7% من سكان العالم، يعيشون في فقر مدقع عام 2030، وفي ظل هذا السيناريو، من المتوقع أن تزداد احتياجات التمويل الخارجي لأقل البلدان نمواً، وغيرها من البلدان منخفضة الدخل، من 172 مليار دولار، إلى 220 مليار دولار خلال السنوات الأربعة المقبلة.

ومن بين التوصيات، أن التنمية المستدامة لن تكون قابلة للتحقيق إذا كانت الإصلاحات المقترحة مجزأة أو غير مكتملة، أو فشلت في أخذ أهداف التنمية المستدامة بعين الاعتبار، مما يجعل خطة عام 2030 والأهداف المناخية بعيدة المنال.

خامساً: ثم ماذا بعد؟

يتفق الجميع على أن المهمة التي تنتظرنا هائلة، ويتفق الخبراء على أن التنمية المستدامة طويلة الأجل ستكون بعيدة المنال في السياقات التي تستمر فيها الأزمات الإنسانية، وفي نهاية المطاف، يريد خبراء الاقتصاد في الأمم المتحدة أن تؤدي عملية تمويل التنمية إلى إصلاح عميق للمؤسسات العالمية، التي تلبي بشكل أفضل الاحتياجات الفورية للبلدان النامية.