عرض المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، الدكتور عماد الدين عدلي، تقييماً موضوعياً، يُعد هو الأول من نوعه، لمسارات التنمية المستدامة في المملكة الأردنية، متضمناً فرص تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدولة العربية، وكذلك التحديات التي قد تحول دون تحقيق هذه الأهداف، وكيفية مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها.

وأكد منسق عام «رائد»، في حوار نشرته صحيفة «الدستور» الأردنية، في عددها ليوم الاثنين 15 نوفمبر 2021، أن التنمية المستدامة في الأردن تسير على الطريق الصحيح، كما اعتبر أن مدينة العقبة تمثل تجربة ريادية فريد في طريق التنمية المستدامة، في الوقت الذي أكد فيه أن الدول العربية مازال ينقصها اندماج البعد البيئي في منظومة التنمية.

كما لفت «عدلي» إلى آليات الاقتصاد الأخضر، مؤكداً أنها من الأمور التي تحتاج إلى قرارات سياسية، ويجب تنفيذها بالتدريج، وأضاف أن جائحة كورونا أظهرت أن البعد الاقتصادي كان أكثر اهتماماً من الأبعاد التنموية الأخرى.. وتستعرض «جسور 2030» فيما يلي نص الحوار الذي أجرته صحيفة «الدستور» مع المنسق العام لشبكة «رائد»:

المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية في لقاء خاص مع «الدستور»:

عدلي: التنمية المستدامة في الأردن تسير بالطريق الصحيح.. «العقبة» تجربة ريادية فريدة تسير في طريق التنمية المستدامة

ينقصنا عربياً اندماج البعد البيئي بالكامل مع منظومة التنمية.. تطبيق الاقتصاد الأخضر يحتاج قراراً سياسياً ويُنفذ بالتدريج

التعامل مع البعد الاقتصادي أكثر اهتماماً خلال جائحة كورونا.. تكلفة الأمن في ظل عدم الاستقرار تحول دون الوصول للتعافي الأخضر

قضى أكثر من ثلثي عمره وهو يدافع بشراسة عن واقع البيئة العربي، وينادي بتطبيق آلية للتنمية المستدامة، لم يتوقف رغم كبر التحديات واتساع رقعة الإشكاليات، حتى أن جائحة كورونا أبطأت المسير ولم توقفه.

الدكتور عماد الدين عدلي، المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية «رائد»، من مواليد القاهرة، جمهورية مصر العربية، يبلغ من العمر 64 عاماً، قضى منها قرابة 43 عاماً في العمل بقطاعي البيئة والتنمية.. اهتم عدلي بقضية الاقتصاد الاخضر، ويعتقد ان مدينة العقبة ستكون تجربة ريادية استثمارية اقتصادية فريدة تسير في طريق التنمية المستدامة، إن صح تطبيق ما يقال عنها في المؤتمرات المحلية والدولية.

وفي حديث خاص لـ«الدستور» قال عدلي: في دول كالأردن ومصر قدرتنا الاقتصادية لا تستطيع تحقيق كل ما نتمناه في الجانب البيئي، فنحن نعيش في منطقة غير مستقرة، وبالتالي تكلفة الحفاظ على الأمن باهظة، ولو حولنا جزءاً من التكاليف التي نستخدمها للغايات الأمنية للقطاع البيئي، سيحدث فرق كبير، لذلك فنحن نستخدم الموجود قدر المستطاع، ومهما كان حجم المنح فلن يستطيع تغطية كافة المناحي للوصول إلى التعافي الأخضر، أو الاقتصاد الاخضر والتنمية المستدامة.. وتالياً نص الحوار:

الدستور: كيف تقرأ الخارطة البيئية عربياً؟ وفي الاردن ومصر على وجه الخصوص؟ هل نسير بالشكل الصحيح، وإلى اي درجة؟

– عدلي: إن الخارطة البيئية في العالم العربي تغيرت على مدى 40 سنة مضت، فقد كانت ملامح الخارطة البيئية بسيطة تضم بعض المبادرات البيئية في عدد من الدول كالجمعيات البيئية، وأذكر ان الكويت كانت من أولى دول الخليج التي تعنى بالشأن البيئي وقتها، وفي أفريقيا بدأت السودان ومصر بالالتفات للشأن البيئي في السبعينيات من القرن الماضي، والأردن أيضا كان لديها ملامح العمل البيئي في نفس القترة، وبدأت بإنشاء الجمعيات البيئية، لكن لم يكن هناك عمل متناسق، إلا أن الأمور بدأت تتطور وتتبلور وظهرت وزارات وهيئات بيئية، وكانت نقطة تحول في الخارطة البيئية.

وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، كانت تونس واحدة من أكثر الدول المتميزة بيئياً، ورغم كل ما حدث في المنطقة العربية في السنوات العشر الماضية من مشاكل سياسية واقتصادية، لكن هناك قاعدة بدأنا الاستناد عليها، وهي وجود قوانين وتشريعات في معظم الدول العربية، التي باتت تضم وزارات وهيئات وجمعيات وخطط وطنية معنية بالبيئة، لكن الأكيد ينقصنا أن يكون البعد البيئي مندمجاً بالكامل مع منظومة التنمية، لتكون فكرة التنمية المستدامة تتحقق بشكلها الصحيح.

أما بخصوص مصر والأردن، فإنهما تمتلكان من الأدوات ما يسمح لهما بأن تكونا من الدول المتميزة في القطاع البيئي، مع وجود تحديات كبيرة، ففي مصر مثلاً التحدي الأخطر هو الزيادة السكانية بمعدل أكثر من مليوني نسمة سنوياً، وهذا بحد ذاته عبء غير عادي، وأعتقد أن هذا التحدي غير موجود بالأردن بنفس الشكل، لكن هناك وجوب لتحول الإرادة السياسية للاهتمام بالقطاع البيئي في الدولتين، تتحول إلى منهج عمل يكون موجوداً داخل كل القطاعات المختلفة، ويكون الحفاظ على الموارد وتحقيق الاستدامة هدفاً أساسياً، واعتقد أننا في الدولتين نسير في الطريق الصحيح، ولكن ربما ليس بالسرعة المطلوبة، والتي أتمناها شخصياً.

الدستور: الاقتصاد الأخضر هل ما زلنا قادرين على السير لتحقيقه؟

– عدلي: الاقتصاد الأخضر يعتمد على آلية التفكير، ويجب أن نتعلم أسلوب وطريقة التعامل معه، وهو ليس بالشيء الصعب، فالاقتصاد الأخضر هو اقتصاد يعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد، وتحقيق أعلى نسبة استفادة، والتعامل مع النفايات بشكل صحيح، والحلول موجودة والتكنولوجيا متوافرة، والتجارب المماثلة والتي يمكن القياس عليها أيضاً موجودة، فيمكن بالتالي تطبيق الاقتصاد الأخضر، بالمحصلة هو بحاجة إلى قرار سياسي، مع العلم أننا لا نستطيع تطبيق الاقتصاد الاخضر في كل القطاعات في آن واحد، بل بشكل تدريجي، ولا ينفذ بشكل كامل دفعة واحدة، بل تدريجياً ومع الوقت، وزيادة الإمكانيات لتنفيذه بقطاعات أكثر وبأعلى مستوى.

الدستور: هل غيرت جائحة كورونا مسار العلاقة بين الإنسان والبيئة؟ وبين الإنسان والتنمية المستدامة من جهة اخرى؟

– عدلي: جائحة كورونا كان لوجودها أهمية في صحوة الناس بكيفية التعامل مع البيئة، ومن المفترض أن الجائحة أعطتنا دروسا، وخاصةَ في زمن الإغلاقات، وكأن العالم كله أغلق، شعرنا بأن هذه الفترة جاءت كي تستعيد الأرض عافيتها، لذلك ظهر مصطلح «التعافي الأخضر» ومعناه يشبه تعافى المريض بعد تماثله للشفاء، واهتمامه بأن تكون كل ممارساته صحية وتتناسب مع البيئة.

لكن مع الأسف، البعد الاقتصادي كان أكثر قوةً واهتماماً من قبل المسؤولين، فالتعافي لم يكن أخضر، ولم يكن للجانب البيئي تلك الأهمية، ولم نتعلم درس أن المحافظة على البيئة هي نوع من استدامة الحياة وضمان للبقاء.

مفهوم التعافي الأخضر كانت فكرة مهم ترويجها، لارتباطها بالتركيز علي سياسات الاقتصاد الأخضر، وكان من المأمول أن تغير الجائحة طريقة التفكير للأفضل، إلا أن الاهتمام بالجانب الاقتصادي ما زال الطاغي على الجانب البيئي، وهذا لم يكن من المفروض الوصول إليه.

 الدستور: في ظل العمل العام في القطاع البيئي، أين تكمن المعوقات في العنصر البشري أم المالي؟ وأيهما أصعب؟

– عدلي: في دول كالأردن ومصر قدرتنا الاقتصادية لا تستطيع تحقيق كل ما نتمناه في الجانب البيئي، فنحن نعيش في منطقة غير مستقرة، وبالتالي تكلفة الحفاظ على الأمن باهظة، ولو حولنا جزءاً من التكاليف التي نستخدمها للغايات الأمنية للقطاع البيئي، سيحدث فرق كبير، لذلك فنحن نستخدم الموجود قدر المستطاع، ومهما كان حجم المنح، فلن يستطيع تغطية كافة المناحي للوصول إلى التعافي الأخضر، أو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، فيجب علينا أن ندرك كيفية استخدام هذه الموارد وترتيب أولوياتها المطلوبة، كيف نستثمر في الجوانب التي تحقق أعلى فائدة، إلا أن المعضلة الأكبر في العنصر البشري أكثر من التكنولوجيا أو توفر العنصر المالي، فالبشر هم صانعو الجانب الإداري، وهم من يضعون المنظومة ويطبقونها، وهم من يستطيعون جلب المال، ويستطيعون إدارة الموارد، فبرأيي الجانب البشري أولاً وهو الجانب الأهم، وهو محتاج لتعليم أفضل، وبناء قدرات، وبناءً على ذلك يقاس حجم التطوير.

الدستور: في ظل زياراتك العديدة للأردن.. ما هو أكثر ما لفت انتباهك؟ ومن هي أكثر شخصية تركت أثراً في نفسك؟ وما هي الأماكن التي تود زيارتها مجدداً.. ولماذا؟

– عدلي: تربطني علاقة طيبة بصاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت طلال، والتي كانت الداعم الأكبر لي في الأردن في مجال البيئة والتنمية، والتي شرفتني بالوقوف إلى جانبي أثناء تحضير مؤتمر جوهانسبرغ عام 2002، كما شرفتني بحضور مؤتمر نظمناه في تونس، ومؤتمراً آخر في جزيرة بالي في إندونيسيا في ذات الفترة تقريباً، وهذه العلاقة من الأمور التي أعتز بها جداً في تاريخ عملي وحياتي الشخصية.

تقريباً زرت كل مكان في الأردن، إلا أنني لم أكن قد زرت البترا، إلا بعد فترة برفقة وفد أجنبي، أنا أعتبر الأردن بيتي، فأنا أعمل بالعمل العربي منذ عقود، وأنا أحب الأردن « وناسها وأكلها»، ولفتت انتباهي المباني الصغيرة الممتدة أفقياً، وهو ما نفتقده في مصر، وكذلك أسلوب التعامل الراقي في إدارة المشكلة المائية، إلى جانب فكرة إسناد المحميات الطبيعية للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وهذا يعني أن المحميات لن تكون عبئاً على الدولة، إلى جانب توفير فرص عمل للشباب في مناطقهم وبيئتهم، ولا ينتظروا البحث أو الانتظار لتوفر الفرص الوظيفية الحكومية.

ما زلت أتمنى أن أزور العقبة مرة أخرى، وألمس عن قرب ما أسمعه عنها في المؤتمرات، وعن آلية التنمية الاقتصادية التي تتم فيها بشكل منظم، فهي تجربة فريدة يهمني التعرف عليها أكثر على أرض الواقع، وآمل أن أزورها كثيراً، وأستطيع عيش ما أسمعه عنها في المؤتمرات.

الدستور: لو طلب منك إرسال رسالة للأردن.. ماذا سيكون فحوى الرسالة؟

– عدلي: رسالتي للأردن هي أمنيات الخير، «كما أتمنى لمصر، أتمنى للأردن»، فمن يحب كثيراً يتمنى أن يرى من يحب بتقدم دائم، وأنا أحب الأردن وشعبه الكريم، وأتمنى أن أراه دائماً خلاقاً للنماذج الناجحة، وأتمنى لكل الدول العربية أن نعيش العمل المشترك بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وأن يعم السلام، ونكون نحن جزءاً من هذا السلام الاجتماعي، وأتمنى جداً أن نحافظ على الأردن، ونراه دائماً متألقاً وبتقدم بإذن الله.