رغم أن أحدهما يحلق بجناحيه في عنان السماء، بينما الآخر يمشي برجليه على الأرض، إلا أن صداقة من نوع غريب جمعت بينهما، عندما فوجئت دورية للمراقبة في إحدى المحميات الطبيعية، شمال مصر، بأحد الصيادين يقوم بنصب شباكه في طريق هجرة أسراب الطيور القادمة من أوروبا، بعد رحلة طيران طويلة عبر البحر المتوسط.

وبينما كانت أجهزة إنفاذ القانون تتخذ الإجراءات المتبعة وإزالة شباك الصيد المخالفة، عثر فريق من الباحثين في محمية «أشتوم الجميل»، الواقعة على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، على عدد من الصقور، التي تجرم القوانين المصرية اقتنائها أو تداولها، بحوزة الصياد المخالف، الذي كان يعتزم الاستعانة بها لدفع الطيور المهاجرة للوقوع في شباكه.

«عثرنا على اثنين من الصقور، تم إطلاق أحدهما، بينما تبين أن الآخر يعاني من إصابة في إحدى ساقيه»، هذا ما أكده الدكتور حسين رشاد، مدير المحمية التابعة لقطاع حماية الطبيعة، في تصريحاته لـ«جسور 2030»، مشيراً إلى أنه وعدداً من زملائه تمكنوا من علاج الساق المصابة للصقر الثاني، ليتم إطلاقه هو الآخر إلى بيئته الطبيعية.

الأمر اللافت في الواقعة التي تعود إلى يوم 22 سبتمبر 2022، أن المدير الشاب فوجئ بعد أيام بنفس الصقر يحلق فوق المبنى الإداري للمحمية، الواقعة إلى الغرب من مدينة بورسعيد، وتكرر ذلك عدة مرات، الأمر الذي لفت انتباه فريق العمل بالمحمية، الذين اعتبروا أن الصقر كان يحاول أن يبدي امتنانه بعد إنقاذه من الأسر، وعلاجه وإطلاقه مرة أخرى.

«بالفعل، بدأت أشعر بأن علاقة صداقة تجمع بيننا»، بحسب مدير المحمية، الذي لفت إلى أن زملاءه أطلقوا على الصقر اسم «حسين» أيضاً، بعدما شاهدوه يحلق عدة مرات على مقربة من نافذة مكتبه، كما ظهر الصقر، وهو من نوع «العوسق»، أكثر من مرة يحلق في أجواء المحمية، وفوق دوريات الرصد، خاصةً عندما يكون المدير الشاب حاضراً.

ونظراً لأن محمية «أشتوم الجميل» تقع ضمن أحد المسارات الرئيسية لهجرة الطيور، في رحلتها من آسيا وأوروبا إلى القارة الأفريقية مع بداية الشتاء، أو في رحلة العودة مع حلول فصل الربيع، فإن الواقعة لم تكن الأولى لفريق العمل بالمحمية، الذي يقع على عاتقه توفير أقصى حماية ممكنة، سواء للطيور المهاجرة، أو الكائنات البحرية المهددة.

ففي منتصف أكتوبر 2018، تم ضبط 7 صقور بحوزة أحد الصيادين، كان يعتزم استخدامها في صيد الطيور المهاجرة، تنوعت أنواعها بين الصقر الحر (Lanner Falcon)، والعوسق (Kestrel)، ومرزة المستنقعات (Marsh Harrier)، وعادةً ما يتم استخدام هذه الأنواع في صيد صقور من نوع شاهين (Shaheen)، أثناء رحلتها من الشمال إلى الجنوب.

الواقعة أثارت انتباه وزيرة البيئة، الدكتورة ياسمين فؤاد، التي أصدر مكتبها بياناً في ذلك الوقت، أشادت فيه بجهود الباحثين في محمية «أشتوم الجميل» في حماية التنوع البيولوجي، وأشارت إلى أن المنطقة، محل الواقعة، لم تكن معروفة في السابق كموقع لصيد الصقور، مما يُعد مؤشراً على أن الصيادين يبحثون عن مواقع جديدة للصيد، بعيداً عن مسارات دوريات المراقبة.

واقعة أخرى عايشتها «جسور 2030» في أغسطس 2022، أثمرت عن إنقاذ سلحفاة بحرية نادرة، تم العثور عليها في مدينة السويس، من قبل فريق مبادرة «بلدنا تستضيف قمة المناخ 27»، وهي مبادرة كان الهدف منها حشد جهود المجتمع المدني في التحضير لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP-27) في شرم الشيخ، أواخر العام الماضي.

الدكتورة سارة عبدالله، باحثة في جهاز شؤون البيئة فرع السويس، والتي عرضت التجربة أمام مؤتمر قمة المناخ، أكدت أن السلحفاة كانت من نوع (سلحفاة الخضراء Green Turtle)، وتبين أنها مصابة خراج كبير في الجانب الايمن من الرأس، يهدد فرص بقائها على قيد الحياة، ليتم نقلها إلى محمية «أشتوم الجميل»، حيث خضعت للعلاج، قبل إطلاقها إلى بيئتها البحرية مرة أخرى.

وقالت الباحثة الشابة إن الدكتور حسين رشاد، مدير المحمية، انتقل إلى السويس، لمعاينة السلحفاة والإشراف على نقلها إلى بورسعيد، حيث تم إجراء جراحة لاستئصال الخراج، مشيرةً إلى أن الرحلة من السويس إلى بورسعيد، استغرقت نحو 3 ساعات على متن سيارة نصف نقل مجهزة، تابعة لمحمية أشتوم الجميل، ومع ذلك، فقد كانت الرحلة شاقة جداً على السلحفاة، وكان يجري رشها بالمياه كل فترة لإنعاشها.

وأضافت أنه تم وضع السلحفاة، التي أصبحت تُعرف باسم «هناء»، نسبةً إلى الفتاة التي عثرت عليها لدى أحد تجار الحيوانات الأليفة في السويس، تحت الملاحظة لمدة ثلاثة أيام، تحت إشراف الدكتور إيهاب هلال، الأستاذ بمعهد بحوث صحة الحيوان، وتم ترقيمها بالكود المصري (EGY058)، قبل أن يتم إطلاقها إلى بيئتها الطبيعية في البحر المتوسط على شواطئ بورسعيد.

الباحث البيئي بمحمية «أشتوم الجميل»، محمد شريف، المعروف باسم «تعلب»، تحدث لـ«جسور 2030» عن واقعة أخرى في غاية الغرابة، تعود إلى شهر مارس 2018، أسفرت عن إنقاذ عدد من صغار أسماك القرش الرملي (Sandbar Shark)، بعد العثور على سمكة قرش بالغة لدى أحد الصيادين بعد وقوع القرش فى شباكة كصيد عرضى، وتحفظ عليها مخابرات حرس الحدود و ابلاغ المحمية بالواقعة وحاول فريق المحمية إعادتها إلى البحر مرة أخرى، ولكن تبين نفوقها.

وأشار شريف إلى أنه بتوقيع الكشف على سمكة القرش، بمعرفة أطباء معهد صحة الحيوان في بورسعيد، تبين أنها كانت على وشك الولادة قبل ساعات قليلة من نفوقها، فتم على الفور إجراء عملية قيصرية لها، ليتم انتشال عدد من صغار القرش، بلغ عددهم 12 مولوداً، تم إطلاقهم إلى البيئة الطبيعية في البحر المتوسط.

ويعتبر مسؤولو وزارة البيئة وخبراء حماية الطبيعة أن محمية «أشتوم الجميل» واحدة من أكثر مناطق الأراضي الرطبة ثراءً، وتوصف بأنها «بنك للتنوع البيولوجي والجينات الوراثية»، نظراً لما تحتويه من مختلف الأنواع الحية، ما بين الطيور والحشرات والكائنات البحرية، كما أنها تستقبل ما يقرب من 400 ألف طائر، عبر رحلات هجرة الطيور سنوياً.