رغم تأكيدات الأوساط العلمية والخبراء هذا الأسبوع، أن البشر لا يفعلون ما يكفي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وأن الوصول إلى هدف اتفاق باريس بعدم زيادة درجة الحرارة بأكثر من 1.5 درجة عن فترة الثورة الصناعية، أصبح بعيداً، إلا أن تقريراً دولياً أظهر بعض المؤشرات الإيجابية التي تدعو البشر إلى التمسك بالأمل، واتخاذ مزيد من الإجراءات، لكسب المعركة ضد التغيرات المناخية.
وبعيداً عن الصورة القاتمة، التي رسمها التقرير الأخير لفريق الخبراء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، المعني بتخفيف أثار التقلبات المناخية، حدد موقع «جسور 2030» عدداً من النقاط الإيجابية، من شأنها تقليل مشاعر القلق الناتجة عن التغيرات المناخية، وأن نتائج تقرير الهيئة الحكومية لم تكن كلها كارثية أو كئيبة، ونستعرض في السطور التالية ثمانية من هذه المؤشرات.
تزايد استخدام السيارات الكهربائية
أولى المؤشرات الإيجابية، التي تضمنها التقرير، تتمثل في تزايد استخدام السيارات الكهربائية وبشكل متسارع في جميع أنحاء العالم، مما يساعد على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النقل البري.
ووفقاً للعالم في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، سودارمانتو بودي نوغروهو، فإن الاستثمارات في البنية التحتية النشطة للنقل، جنباً إلى جنب مع نشر وسائل النقل الكهربائية الدقيقة، على سبيل المثال الدراجات الإلكترونية والدراجات الراجلة الإلكترونية، يمكن أن تدعم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقال الخبير الدولي إن «هذا يمكن أن يجعل التنقل أكثر سهولة للجميع، بما في ذلك الفئات السكانية المهمشة»، خاصةً وأن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تسلط الضوء على أن الوقود الحيوي المستدام يمكن أن يوفر فوائد تخفيف إضافية في النقل البري، على المدى القصير والمتوسط.
ولفت التقرير إلى أن العديد من استراتيجيات التخفيف في قطاع النقل، سيكون لها فوائد مشتركة مختلفة، بما في ذلك تحسين جودة الهواء، وفوائد صحية، ووصول عادل إلى خدمات النقل، وتقليل الازدحام ، بالإضافة إلى تقليل الطلب على المواد.
انخفاض تكلفة التقنيات منخفضة الانبعاثات
تضمن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تكاليف العديد من التكنولوجيات منخفضة الانبعاثات انخفضت بشكل مضطرد منذ عام 2010، وأوضح مؤلف التقرير، ماساهيرو سوغيياما، أن تكلفة التكنولوجيات الرئيسية، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية، قد انخفضت بشكل كبير، وأضاف: «يمكن أن يساعدنا هذا في تقليل الانبعاثات كثيراً».
وأكد أن «الخيارات متاحة في جميع القطاعات، لخفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول عام 2030»، مشيراً إلى أنه منذ عام 2010 إلى عام 2019، انخفضت تكاليف الطاقة الشمسية بنسبة 85%، وطاقة الرياح بنسبة 55%، وبطاريات الليثيوم أيون بنسبة 85%، كما أتاحت بعض الحوافز الابتكارية تخفيضات في التكاليف، ودعمت التوسع في استخدام التقنيات منخفضة الانبعاثات عالمياً.
التوسع في قوانين التخفيف
وأعرب مؤلفو التقرير عن ثقتهم في أن هناك توسعات في السياسات والقوانين التي تتناول التخفيف من آثار تغير المناخ، منذ أن نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقرير التقييم الخامس في عام 2014، حيث أكد التقرير أن «سياسات التخفيف أدت إلى تجنب الانبعاثات التي كانت ستحدث لولا ذلك، وزيادة الاستثمار في التقنيات والبنية التحتية منخفضة الكربون».
فبحلول عام 2020، تمت تغطية أكثر من 20% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بضرائب الكربون، أو أنظمة تداول الانبعاثات، على الرغم من أن التغطية والأسعار لم تكن كافية لتحقيق تخفيضات كبيرة، علاوة على ذلك، بحلول عام 2020، كانت هناك قوانين مناخية مباشرة، تركز بشكل أساسي على التخفيضات في 56 دولة، تغطي 53% من الانبعاثات العالمية.
وفي العديد من البلدان، عززت السياسات كفاءة الطاقة، وخفضت معدلات إزالة الغابات، وتسريع نشر التكنولوجيا، مما أدى إلى تجنب، وفي بعض الحالات خفض أو إزالة، الانبعاثات، ومع ذلك، فإن تغطية السياسات للانبعاثات والتمويل لا يزال غير متساو عبر القطاعات.
كما سلط العلماء الضوء على كيفية أداء «بروتوكول كيوتو»، الذي ألزم الدول والاقتصادات الصناعية في عام 1997، بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل الانبعاثات في بعض البلدان، وكان له دور فعال في بناء القدرات الوطنية والدولية للإبلاغ عن الانبعاثات وحسابها.
وبالمثل، أدى اتفاق باريس لعام 2015، بمشاركة شبه عالمية، إلى تطوير السياسات، وتحديد الأهداف على المستويين الوطني ودون الوطني، لاسيما فيما يتعلق بالتخفيف من أثار تغير المناخ، فضلاً عن تعزيز شفافية العمل المناخي ودعمه.
تغيير الانبعاثات الصناعية لا يزال ممكناً
أكد الخبراء أن انبعاثات الكربون الصافية الصفرية من القطاع الصناعي، على الرغم من حجم التحدي، لا تزال ممكنة، حيث أوضح التقرير أن «الحد من انبعاثات الصناعة، سوف يستلزم اتخاذ إجراءات منسقة عبر سلاسل القيمة، لتعزيز جميع خيارات التخفيف، بما في ذلك إدارة الطلب، وكفاءة الطاقة والمواد، وتدفقات المواد الدائرية، فضلاً عن تقنيات التخفيف والتغيرات التحويلية في عمليات الإنتاج».
ولفت التقرير إلى أنه من أجل تحقيق التقدم نحو «صافي صفري»، يمكن للصناعات الاستفادة من عمليات الإنتاج الجديدة، باستخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، والهيدروجين الأخضر، والوقود الحيوي، بالإضافة إلى التحكم في إدارة الكربون.
المدن تقدم فرصة كبيرة للعمل المناخي
وأكد التقرير أن المناطق الحضرية توفر فرصاً رئيسية للتخفيف من آثار تغير المناخ، وفق الخبير سير كيلكيس، الذي أكد أنه «يمكن لجميع المدن المساهمة في تحقيق مستقبل صافي انبعاثات صفري، من خلال دمج القطاعات والاستراتيجيات والابتكارات، سواء كانت مدناً قائمة أو نامية أو ناشئة»، وأضاف أن «الطريقة التي يستمر بها تخطيط المناطق الحضرية، وتفاعلاتها مع نظام الطاقة، والطلبات على المواد، تحدد فرصاً متعددة تعود بالفوائد على الناس والكوكب».
وأضاف مؤلف تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن «كل هذا ممكن، بينما تعمل المدن على تحسين جودة الهواء، وزيادة فرص العمل، وتوسيع البنية التحتية الحضرية الخضراء والزرقاء، وتوفير منافع مشتركة أخرى للتنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى التكيف مع المناخ».
ولفت التقرير إلى أن جهود التخفيف من تداعيات تغير المناخ في المدن يجب أن تركز على 3 محاور، تتضمن «تقليل أو تغيير استهلاك الطاقة والمواد، وتخضير الكهرباء، وتعزيز امتصاص الكربون وتخزينه في البيئة الحضرية».
اتخاذ تدابير اقتصادية
وأشار التقرير إلى أنه تم بالفعل نشر العديد من الأدوات التنظيمية والاقتصادية بنجاح، وبحسب فريق الخبراء بالهيئة الحكومية الدولية، فإنه «يمكن لهذه الأدوات أن تدعم التخفيضات العميقة للانبعاثات، وتحفز الابتكار، إذا تم توسيع نطاقها وتطبيقها على نطاق أوسع، ويمكن للحزم على مستوى الاقتصاد، بما يتفق مع الظروف الوطنية، أن تلبي الأهداف الاقتصادية قصيرة الأجل، مع تقليل الانبعاثات».
ووفقاً للبيانات، فقد ارتفع إجمالي التدفقات المالية للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه، بنسبة تصل إلى 60% في الفترة بين عامي 2013/ 2014 و2019/ 2020، ولكن متوسط النمو تباطأ منذ عام 2018، وظلت هذه التدفقات المالية مركزة بشدة على التخفيف، وهي متفاوتة، وتطورت بشكل غير متجانس عبر المناطق والقطاعات.
وأكد الخبراء أن إلغاء دعم الوقود الأحفوري من شأنه أن يقلل من الانبعاثات، ويحسن الإيرادات العامة وأداء الاقتصاد الكلي، ويحقق فوائد بيئية وتنموية مستدامة أخرى، حيث لفت التقرير إلى أنه «من المتوقع إلغاء دعم الوقود الأحفوري، للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، بنسبة من 1 إلى 4%، وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 10% بحلول عام 2030».
الناس مهتمون ومنخرطون
أدرك مؤلفو تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقييمهم أن العديد من المواطنين حول العالم مهتمون بالطبيعة وحماية البيئة، ولديهم الحافز للانخراط في العمل المناخي، حيث أوضحت ليندا شتيج أن «الناس قد يواجهون عوائق في العمل، يمكن إزالتها من خلال الإجراءات»، وأضافت أن العديد من الحكومات مرتبكة حالياً، حول مسألة ما إذا كان الناس سيدعمون حقاً بعض التغييرات الجذرية.
وأكدت الخبيرة الأممية أن «تقرير التقييم هذا يوضح أن القبول العام يكون أعلى، عندما يتم توزيع التكلفة والفوائد بطريقة عادلة، وعندما يتم اتباع إجراءات قرار عادلة وشفافة».
محاولات للوصول إلى «صفر» انبعاثات
وأوضح تقرير خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الوصول إلى صافي انبعاثات غازات الدفيئة صفري، يتطلب أكثر من خفض الانبعاثات، ويتضمن خياراً يسمى إزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR)، ولفت المؤلف ماساهيرو سوغيياما إلى أن المسألة تنطوي على «إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتخزينه على الأرض، أو في الأرض، أو في المحيط».
ولفت التقرير إلى أن التأثيرات والمخاطر والفوائد المشتركة لنشر ثاني أكسيد الكربون على النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي والناس ستكون شديدة التباين، اعتماداً على الطريقة والسياق الخاص بالموقع والتنفيذ والنطاق.
ومع ذلك، فإن تحسين إدارة الغابات، وعزل الكربون في التربة، واستعادة الأراضي، وإدارة الكربون الأزرق، هي أمثلة على الأساليب التي يمكن أن تعزز التنوع البيولوجي ووظائف النظام الإيكولوجي والعمالة وسبل العيش المحلية، اعتماداً على الطريقة والسياق الخاص بالموقع والتنفيذ والنطاق.
وقالت مرسيدس بوستامانتي، إحدى أعضاء فريق التقرير، إن «خيارات التخفيف المعتمدة على الأراضي المصممة جيداً لإزالة الكربون، يمكن أن تفيد أيضاً التنوع البيولوجي والنظم البيئية، وتساعدنا على التكيف مع تغير المناخ، وتأمين سبل العيش، وتحسين الأمن الغذائي والمائي، ومن ضمن الخيارات حماية واستعادة النظم البيئية الطبيعية، مثل الغابات والأراضي الرطبة والسافانا والأراضي العشبية».