على مدار 22 عاماً، تشكل عمر مبادرة حوض النيل، ظل التعاون المشترك هو السمة المميزة بين دول حوض النهر الذي يمتد لمسافة تصل إلى 6650 كيلومتراً، من منابعه في وسط وشرق القارة الأفريقية، إلى مصبه في البحر المتوسط على السواحل الشمالية لمصر، سعياً لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من مياه نهر النيل، الذي ينشر الحياة على جانبيه.

ففي يوم 22 فبراير من عام 1999، وفي العاصمة التنزانية دار السلام، وقعت دول حوض نهر النيل، وكان عددها 10 دول في ذلك الوقت، وهي «مصر، السودان، أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، إريتريا»، اتفاقية مبادرة حوض النيل (Nile Basin Initiative)، بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين دول الحوض.

جاء توقيع المبادرة تتويجاً لعمل دؤوب بدأ في عام 1967، إثر ارتفاع مفاجئ لمستوى المياه في بحيرة فيكتوريا عام 1961، بهدف تنمية المصادر المائية لحوض النيل، وضمان الاستخدام الأمثل لموارد المياه، فضلاً عن ضمان تحقيق التعاون المشترك للقضاء على الفقر، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة بدول حوض النيل.

ومنذ توقيع المبادرة، وقفت مصر إلى جانب أشقائها من دول حوض النيل، في إعداد وتنفيذ مشروعات تنموية، حوالي 84 مشروعاً، باستثمارات إجمالية تُقدر بنحو 6.5 مليار دولار، قبل أن تقرر مصر تجميد عضويتها في المبادرة عام 2010، اعتراضا على توقيع 6 من دول منابع النهر على اتفاقية «عنتيبي»، التى تتجاهل الحصة التاريخية لمصر في مياه النيل.

ونتيجة للخلافات بين دول حوض النيل، توقفت غالبية الجهات المانحة عن تقديم التمويل لبرامج التعاون المشترك، كما بدأت الخلافات تتفاقم، إلى حد وصفها بـ«مؤامرات التجويع»، التي بدأت بعض دول الحوض تنتهجها، بدعم من أطراف خارجية، إلى أن بلغت ذروتها في أزمة سد «النهضة» الإثيوبي، وهي الأزمة التي تنذر بنشوب صراع مسلح في المنطقة.

وقد خيمت أجواء هذه الأزمة على «يوم النيل»، الذي تحتفل به دول الحوض في 22 فبراير من كل عام، إلا أنه تم الاحتفال به في مصر خلال شهر يونيو الجاري، بسبب الإجراءات المعمول بها لمجابهة جائحة كورونا، ويحرص المنتدى الوطني لنهر النيل على الاحتفال بهذه المناسبة، منذ نشأته عام 2003، وجاء احتفال هذا العام تحت شعار «إعادة التفكير في الاستثمارات الإقليمية في حوض النيل».

وفي إطار التحضير للاحتفال بيوم النيل، وجه الدكتور عماد الدين عدلي، رئيس المنتدى الوطني لنهر النيل الدعوة المنتديات المحلية في المحافظات المطلة على نهر النيل، لتنفيذ حملات نظافة في مجرى النهر وعلى ضفتيه، بالتعاون مع متطوعين من شباب الجامعات، بالإضافة إلى عقد ندوة لتوعية الشباب بأهمية حماية كل قطرة مياه، لمواجهة المشكلة المائية، والحفاظ على النيل من التلوث الناتج عن المخلفات، وإلقاء الضوء على أضرار استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وكذلك مناقشة إعادة تدوير المخلفات، وفرص الاستثمار المرتبطة بنهر النيل، وتضافر جهود الجهات المعنية وضمان المشاركة المجتمعية.

ففي القاهرة، عقد المنتدى الوطني لنهر النيل، بالتعاون مع جمعية الكشافة البحرية، ندوة لتوعية الشباب بأهمية حماية نهر النيل والحفاظ عليه من كافة أشكال التلوث، تحدث خلالها محمد حسين، ممثل المنتدى المحلي لنهر النيل بمحافظة القاهرة، عن أبرز التحديات التي تواجه جهود الحفاظ على نهر النيل، ودور المنظمات الشبابية والمجتمع المدني في الحفاظ على نهر النيل.

وأعقب الندوة، تنفيذ حملة لنظافة نهر النيل، بمشاركة نحو 35 شاباً وفتاة من أعضاء جمعية الكشافة البحرية، في المسافة بين كوبري جامعة القاهرة وكوبري الجلاء، وامتدت الحملة إلى كورنيش النيل لنفس المسافة على الضفة الغربية لنهر النيل، باتجاه الجيزة، تم خلالها تجميع كميات كبيرة من الزجاجات البلاستيكية، وجرى نقلها إلى مصنع المخلفات تمهيداً لإعادة تدويرها.

وفي أسوان، نظم الاتحاد النوعي للبيئة احتفالية «يوم النيل»، بالتعاون مع المنتدى الوطني لنهر النيل، والمنتدى المحلي بأسوان، وجمعية تنمية المجتمع بقرية «عزبة المصري»، وقال الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، رئيس الاتحاد النوعي، إن الاحتفال تضمن معسكراً لتنظيف شاطئ النيل لمسافة كيلومتر في القرية، بمشاركة عدد من شباب الجامعات والمدارس الثانوية.

وأضاف أنه تم تنظيم ورشة عمل في نفس الموقع، تضمنت مداخلات حول أهمية الاستخدام الفعال للمياه في الزراعة والشرب، وتعظيم استخدامها، وفرص الاستثمار المرتبطة بنهر النيل، ومزايا الحفاظ على مياه نهر النيل من الإهدار والتلوث الناتج عن المخلفات، والجدوى الاقتصادية لإعادة تدوير المخلفات، وضمان المشاركة المجتمعية في حماية مياه نهر النيل.

وتضمن الاحتفال مسابقة حول نهر النيل، حيث تم في نهاية الفعاليات توزيع الجوائز على الفائزين، وشهادات التقدير على المشاركين، فيما دعا عدد من المشاركين في ورشة العمل إلى تدشين نظام أكثر كفاءة لجمع القمامة، بحيث يستوعب جميع مناطق «عزبة المصري»، وتطبيق القانون بكل حزم على كل من يقوم بتلويث مياه النيل، وتوعية المزارعين بأهمية ضبط عمليات الري، مع تقديم تسهيلات لصغار المزارعين لتنفيذ أنظمة الري الحديثة.

وشهدت محافظة الدقهلية احتفالية نظمتها جمعية تنمية المجتمع المحلي بقرية «ميت غراب»، التابعة لمركز السنبلاوين، بيوم النيل، بالتعاون مع المنتدى الوطني لنهر النيل، كما نظمت جمعية الشابات المسلمات ببني سويف لقاءً بهذه المناسبة، بعنوان «ضرورة الحفاظ على نهر النيل من التلوث»، في قرية «بني سليمان الشرقية»، بهدف نشر الوعي بأهمية الحفاظ على نهر النيل.

وقالت زينب محمد عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة جمعية الشابات المسلمات، إن الاحتفال بيوم النيل يأتي هذا العام «ونحن نواجه واقعاً مريراً، بسبب التهديدات التي تواجه حصة مصر من مياه النيل، والمشكلات الحرجة التي يعاني منها النهر، بسبب التلوث على طول مجراه، مازالت قائمة»، معربةً عن تمنياتها أن يرفع الله العلى القدير هذه التهديدات، وأن يحفظ مصر ويرعاها.