أكثر من نصف سكان العالم أصبحوا بعيداً عن الطريق الصحيح نحو تحقيق خطة التنمية المستدامة، التي اتفق قادة العالم على تحويل أهداف الـ17 إلى حقيقة بحلول عام 2030، أي بعد أقل من 7 سنوات من الآن، الأمر الذي بات يؤكد أن الوعود الجماعية، التي قطعها قادة العالم في عام 2015، لخلق مستقبل أكثر اخضراراً وعدلاً وإنصافاً، أصبحت في خطر.

وبينما تشمل أهداف التنمية المستدامة القضاء على الفقر والجوع وتحسين فرص التعليم والمساواة وتعزيز العمل المناخي والرعاية الصحية، أظهرت النسخة الأخيرة من التقرير المرحلي لأهداف التنمية المستدامة، الذي صدر عن الأمم المتحدة هذا الأسبوع، زيادة كبيرة في أعداد الفقراء والجوعى حول العالم، بالإضافة إلى تزايد أعباء الديون على كثير من الدول الفقيرة.

وكشف التقرير عن أن نسبة 12% فقط من بين 169 غاية تحددها أهداف التنمية المستدامة تسير على الطريق الصحيح، بينما التقدم الذي تم إحرازه نحو تحقيق 50% من تلك الغايات، كان ضعيفاً أو غير ملائماً، والأسوأ من ذلك، أن مستوى التقدم قد توقف تماماً، أو انعكس مساره، بالنسبة لأكثر من 30% من هذه الأهداف، وفق ما أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش.

وأظهر التقرير المرحلي لأهداف التنمية المستدامة لهذا العام، أن الأهداف الـ17 أصبحت في «حالة مؤسفة»، بسبب التأثيرات الناجمة عن جائحة كوفيد19، وما يُعرف بـ«الأزمة الثلاثية» المدمرة، الناجمة عن التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي وزيادة مستويات التلوث، وقد تفاقمت تلك الحالة المؤسفة جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، التي نجم عنها نقص إمدادات الغذاء في مناطق مختلفة من العالم.

ونتيجة لكل هذه العوامل، التي شهدها العالم خلال فترة قصيرة، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع عما كان عليه قبل 4 سنوات، كما تزايدت حدة الجوع لتتراجع إلى مستويات عام 2005، كما أن المساواة بين الجنسين أصبحت أبعد عن أن تكون حقيقة بحوالي 300 عام، وتشمل التداعيات الأخرى زيادة ممارسات عدم المساواة، وارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وفي إطار تعليقه على التقرير، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن العديد من البلدان النامية لا يمكنها الاستثمار في أهداف التنمية المستدامة، بسبب أعباء الديون التي تثقل كاهلها، في حين أن تمويل المناخ أقل بكثير من الالتزامات المعلنة، وأشار إلى أن الدول الأكثر ثراءً لم تقدم بعد الدعم التمويلي البالغ 100 مليار دولار، الذي تعهدت بتقديمه سنوياً، من بين تعهدات أخرى خاصة بالمناخ.

وقال غوتيريش إن خطة عام 2030 هي أجندة للعدالة والمساواة والتنمية الشاملة والمستدامة وحقوق الإنسان والكرامة للجميع، وشدد على أن تطبيق هذه الخطة يتطلب إدخال تغييرات جوهرية في الطريقة التي يتم بها تنظيم الاقتصاد العالمي، مؤكداً أن أهداف التنمية المستدامة هي الطريق لرأب الانقسامات الاقتصادية والجيوسياسية، واستعادة الثقة وإعادة بناء التضامن.

ويقدم التقرير المرحلي لأهداف التنمية المستدامة 5 توصيات مهمة لتصحيح المسار باتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أولى هذه التوصيات تتمثل في دعوة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى إعادة الالتزام بتحقيق الأهداف، على المستويين الوطني والدولي، من خلال تعزيز العقد الاجتماعي، وتوجيه اقتصاداتها نحو التحول الأخضر.

أما التوصية الثانية فتتضمن حث الحكومات على وضع وتنفيذ معايير وطنية للحد من الفقر وعدم المساواة، الأمر الذي يتطلب التركيز على مجالات مثل توسيع الحماية الاجتماعية والوظائف والتعليم، فيما يدعو التقرير، في توصيته الثالثة، جميع الدول إلى الالتزام بإنهاء ما توصف بـ«الحرب على الطبيعة»، ودعم جدول أعمال تسريع العمل المناخي، وتنفيذ الإطار العالمي الجديد للتنوع البيولوجي.

وتؤكد التوصية الرابعة على حاجة الحكومات إلى تعزيز المؤسسات الوطنية والمساءلة، ويتطلب ذلك أطراً تنظيمية جديدة، وبنية تحتية رقمية عامة أقوى، وتعزيز القدرات في مجال البيانات، بينما تشدد التوصية الخامسة الواردة في التقرير، على الحاجة إلى تعزيز الدعم متعدد الأطراف لنظام الأمم المتحدة الإنمائي، واتخاذ إجراءات حاسمة في «قمة المستقبل»، المقرر عقدها العام المقبل.