يُعد عام 2022 معلماً تاريخياً للمجتمع البيئي العالمي، حيث يصادف مرور 50 عاماً على مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية، الذي يُنظر إليه على أنه أول اجتماع دولي حول البيئة، حيث قاد مؤتمر ستوكهولم لعام 1972 إلى تشكيل وزارات ووكالات البيئة في مختلف دول العالم، فضلاً عن إطلاق مجموعة من الاتفاقيات العالمية لحماية البيئة بشكل جماعي، وأدى إلى إنشاء أكبر منظمة عالمية لحماية البيئة، وهو برنامج الأمم المتحدة للبيئة، المعروف باسم «يونيب – UNEP».

على مدار نصف قرن، لعب برنامج الأمم المتحدة للبيئة دوراً مهماً في تنسيق الجهود العالمية لمواجهة أكبر التحديات البيئية على كوكب الأرض، وساعد هذا التعاون العالمي في إصلاح طبقة الأوزون، والتخلص التدريجي من الوقود المحتوي على الرصاص، وحماية بعض الأنواع المهددة بالانقراض، والمزيد من الإنجازات الاخرى، حيث أتاحت قوة «يونيب» في تنظيم الاجتماعات والبحث العلمي الدقيق منبراً للبلدان للمشاركة والعمل بجرأة والنهوض بالخطة البيئية العالمية.

وفي إطار الاحتفال بالذكرى الـ50 لإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يشهد العام 2022 الجاري سلسلة من الأنشطة وفعاليات التوعية، تمتد لعام كامل، تقديراً واعترافاً بالتقدم الكبير الذي تم إحرازه في المسائل البيئية العالمية طوال السنوات الماضية، والدعوة للعمل معاً من أجل التصدي للتحديات الكوكبية القادمة.

ولعل مؤتمر «ستوكهولم +50»، الذي استضافته العاصمة السويدية خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، في ذكرى مرور نصف قرن على مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية، أحد أبرز الفعاليات التي أعادت للأذهان قصة تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ودور العالم المصري الراحل، الدكتور مصطفى كمال طلبة، في تأسيس برنامج «يونيب»، الذي يقود العمل البيئي على الصعيد العالمي.

شارك الدكتور طلبة في مؤتمر ستوكهولم ممثلاً لمصر، حيث كان يتولى آنذاك رئاسة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وتم اختياره من قبل الدول العربية والأفريقية ليكون متحدثاً باسمها، قبل أن يتم انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر، ليبدأ مشواره نحو تحقيق الحلم الذي طالما راوده لإنقاذ كوكب الأرض وتحسين نوعية حياة البشر، عبر إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، جنباً إلى جنب مع رجل الأعمال والدبلوماسي الكندي، موريس سترونج، الذي أصبح أول مديراً تنفيذياً لبرنامج «يونيب».

سعى الدكتور مصطفى كمال طلبة، في إطار جهوده لتحقيق هذا الحلم، إلى العمل على تحويل العمل البيئي من مجرد شعارات وأمنيات، عبر عنها المشاركون في مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية، إلى معاهدات واتفاقيات دولية، كما يُعد أول من أطلق مفهوم «دبلوماسية البيئة»، الذي اعتمده أسلوباً لحل المسائل الخلافية العالقة بين الدول النامية والصناعية، من خلال صياغات توافقية تلقى قبولاً من كلا الجانبين.

كان من أبرز توصيات مؤتمر ستوكهولم إنشاء منظمة أو كيان ما، يتبع الأمم المتحدة، لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، وبالفعل تم إطلاق برنامج «يونيب» بداية عام 1973، وطلب سترونج من الدكتور طلبة، بشكل شخصي، قبول ترشيحه كنائب للمدير التنفيذي، مؤكداً أنه يحتاج «شخصاً قادراً علمياً، ومقبولاً من الدول النامية» ليكون إلى جانبه، وبالفعل قدم الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، كورت فالدهايم، طلباً إلى الحكومة المصرية للحصول على موافقتها لتعيين الدكتور طلبة نائباً للمدير التنفيذي للمنظمة الوليدة.

بدأ برنامج «يونيب» عمله من مكتب مؤقت في مدينة جنيف بسويسرا، قبل أن ينتقل إلى مقره الدائم في العاصمة الكينية نيروبي أواخر صيف 1973، وكتب الدكتور طلبة في مذكراته أن اختيار نيروبي مقراً للبرنامج لم يكن أمراً سهلاً، حيث كانت هناك منافسة قوية بين كل المكسيك والهند وكينيا لاستضافة المركز الرئيسي لإحدى منظمات الأمم المتحدة لأول مرة خارج أمريكا الشمالية وغرب أوروبا.

بعد أقل من 3 سنوات على توليه إدارة البرنامج، ترك سترونج منصبه وعاد إلى كندا في نهاية عام 1975، ليتولى رئاسة المؤسسة الوطنية للطاقة، ليتم انتخاب الدكتور طلبة، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، مديراً تنفيذياً لبرنامج «يونيب» لمدة 4 مرات، حتى عام 1992، لعب خلالها دوراً رئيسياً في العديد من الأنشطة التي ساهمت، ومازالت حتى الآن، في حماية البيئة على المستوى العالمي.

أعطى الدكتور طلبة خبراته العلمية للعديد من الدول، كما وضع مئات الأبحاث العلمية، التي نشرت بدوريات دولية، وأشرف على مئات الرسائل العلمية، وهو ما أدى لتكريمه من عشرات الجامعات في مختلف دول العالم، بدايةً من مصر حتى الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، وبلجيكا، وغيرها من الدول، وله العديد من الكتب عن البيئة، صدرت عن دور نشر عالمية.

منذ سنة 1993، حتى وفاته في 28 مارس 2016، عن عمر يناهز 93 عاماً، عمل الدكتور مصطفى كمال طلبة رئيساً لمجلس إدارة المركز الدولي للبيئة، كما عمل أستاذاً متفرغاً بكلية العلوم جامعة القاهرة، كما ترأس المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وشارك في المؤتمر السنوي الأول للمنتدى.