العالم يواجه نقطة تحول غير مسبوقة على صعيد استمرار الحياة على كوكب الأرض، ولديه فرصة لتغيير المسار من الأثار السلبية إلى مسار الحلول والإجراءات المبتكرة لمواجهة العديد من التحديات البيئية، وتعزيز الإنتاج والاستهلاك المستدامين في كل دول العالم.. رسالة وجهتها نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، أمام اجتماعات الدورة الرابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي عُقدت في العاصمة الكينية نيروبي، خلال الفترة من 11 إلى 15 مارس 2019، رسمت خلالها صورة لأبرز تحديات أنماط الإنتاج والاستهلاك التي تواجهها بيئة العالم اليوم.
وخلال اجتماعات جمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي تنعقد كل سنتين بهدف تحديد أولويات السياسات البيئية العالمية، جرى استعراض تقرير جديد للمنظمة كشف عن أن تخفيض الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض إلى النسبة المحددة بموجب “اتفاق باريس”، لن تكون كافية لمنع ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي، مما يهدد بحدوث المزيد من الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، وأكد التقرير أنه حتى في حالة إذا ما أوفت دول العالم بالمعايير المدرجة في اتفاق باريس، فإن درجات الحرارة ستستمر في الارتفاع بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية بحلول عام 2050.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بالنيابة، جويس مسويا، إن “ما يحدث في القطب الشمالي لا يبقى في القطب الشمالي”، وأضافت: “لدينا المعلومات الآن، وهناك حاجة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات المناخية للتقليل من التغيرات المناخية الكارثية التي تحيط بكوكبنا”، كما حذرت من أن نتائج هذا التغيير في درجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في الجليد البحري، وفي المناظر الطبيعية بمختلف أنحاء العالم، ومن المتوقع، بحسب التقرير، أن يتأثر حوالي 4 ملايين شخص حول العالم بذوبان الجليد البحري.
كما أكد وزير البيئة والطاقة الفنلندي، كيمو تيليكنين، أن “الحاجة الملحة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس تتجلى بوضوح في المنطقة القطبية الشمالية؛ لأنها واحدة من أكثر المناطق ضعفاً وتغيراً في العالم”، وأضاف أمام اجتماعات جمعية الأمم المتحدة للبيئة، قائلاً: “نحن في حاجة إلى إجراء تخفيضات كبيرة على المدى القريب في الانبعاثات والكربون وغيرها من الملوثات المناخية في العالم.”.
ومن جانبها، استعرضت نائبة الأمين العام للمنظمة الأممية، أمينة محمد، بالحقائق والأرقام التأثيرات الوخيمة على بيئة الكوكب، مشيرةً إلى أن حجم الموارد الطبيعية المستخرجة من الأرض خلال عام 2017، بلغ حوالي 90 مليون طن متري، تم إعادة تدوير 10% فقط منها في أنشطة اقتصادية، في الوقت الذي تدفقت فيه ملايين الأطنان من المخلفات البلاستيكية إلى المحيطات والبحار حول العالم، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الحياة البحرية.
ووجهت “محمد” الانتباه تحديداً إلى مسألة النفايات الإلكترونية الناتجة عن الصناعات الحديثة، مثل تصنيع الهواتف الذكية، التي تتطلب ما لا يقل عن 60 معدناً مختلفاً، من “الجرافيت” إلى “السيليكون”، كما أشارت إلى ما أوردته الدراسات عن توليد العالم لحوالي 45 مليون طن من النفايات الإلكترونية، تُقدر قيمتها بحوالي 55 مليار دولار كل عام، مع ملاحظة أن أقل من 20% فقط من هذه النفايات يُعاد تدويرها أو استخدامها من جديد، كما سلطت الضوء على الإجراءات الملهمة، في إطار إيجاد حلول مبتكرة ، التي تتخذها العديد من منظمات المجتمع المدني والحكومات والشركات حول العالم.
وفي مواجهة التأثيرات المحتملة على الصحة والاقتصاد والمجتمع بسبب استمرار فقدان التنوع البيولوجي، أشادت “محمد” بالحلول المبتكرة في إدارة المناطق المحمية في جنوب إفريقيا، وإلى عمل مجموعة المزارعات في الهند على صيانة المحاصيل التقليدية باستخدام بنوك البذور، والممارسات الزراعية التقليدية، كما ركزت على محور تغير المناخ، باعتبار أنه “يشكل تهديداً كبيراً لمختلف النظم الإيكولوجية، وسعت كذلك إلى الربط بين تغير المناخ وعادات الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة.
وأضافت نائبة الأمين العام بقولها: “عرفنا هذا الأسبوع أن 53% من انبعاثات الاحتباس الحراري ناتجة عن استخراج الموارد ومعالجتها”، مشيرةً إلى أنه في العام الماضي، حذر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ من أن “أمامنا 12 سنة فقط لتغيير المسار، وإلا فإننا سنتحمل عواقب لا سبيل إلى ردها”، وتابعت أن الوقت قد حان الآن للشروع في قفزة كبرى في الطموح نحو مكافحة تغير المناخ، ولفتت إلى ما تحقق في مؤتمر المناخ الأخير بمدينة “كاتوفيتسا” البولندية، حيث تبنت دول العالم قواعد توجيهية لتركيز جهودها في مكافحة تغير المناخ، والانتقال إلى طموحات أكبر.
وأضافت: “لدينا الآن إطار قانوني شامل لتنفيذ اتـفاق باريس، الذي اعتمده أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ورحبت به السلطات المحلية والقطاع الخاص”، وأشارت إلى أنه في 23 سبتمبر من هذا العام، سيعقد الأمين العام للأمم المتحدة قمة للعمل المناخي في نيويورك، “لتعزيز نداء الطموح، ولحثنا على الإسراع بالعمل المناخي”، واعتبرت أن هذه القمة القادمة ستعمل على تعزيز وتكرار الحلول المبتكرة التي شهدها العالم في عدة دول، وأشارت تحديداً إلى شبكات الكهرباء الصغيرة التجريبية في نيجيريا، بانبعاثات كربونية تصل إلى الصفر، كما تحدثت عن خطط لتعديل الطريقة التي يتم بها تصنيع الخرسانة في الولايات المتحدة، بما يحد من الانبعاثات الناجمة عن هذه الصناعة بنسبة 70%، وعن انخراط الحكومة في سنغافورة في جهود تخضير واسعة النطاق، لتقليل الطلب على الطاقة.
واختتمت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة كلمتها أمام مندوبي الدول الأعضاء، وكافة الأطراف ذات المصلحة المجتمعين في نيروبي، بالتشديد على أنه “من واجبنا أن نجعل 2019 عاماُ للحلول التغييرية”، وعاماً لـ”تجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ”، التي تهدد النظم الإيكولوجية والاقتصاد العالمي والصحة والأمن معاً.
وتُعتبر جمعية الأمم المتحدة للبيئة الهيئة الوحيدة للمنظمة الدولية التي تعقد خارج نطاق الجمعية العامة، حيث تجتمع جميع الدول الأعضاء ومن مختلف القطاعات، بما يعني أن القضايا المطروحة على جدول أعمال الدورة الرابعة تحظى باهتمام عالمي، كما أن القرارات الصادرة عنها سيكون لها تأثير عميق على أهداف اتفاق باريس، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكذلك تمهيد الطريق نحو عقد قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2019.